قطع نائب رئيس الجمهورية الأستاذ علي عثمان محمد طه وعداً لممثلي مدراء المستشفيات الاتحادية والمدراء الطبيين خلال اجتماعهم إليه عشية الأحد الماضي بالقصر الجمهوري «بحلحلة» المشكلات التي طرحوها أمامه وزيادة أجورهم بعد التشاور مع الفريق صلاح قوش مسؤول الملف مستشار رئيس الجمهورية، بعد أنباء عن تقديم عدد من الأطباء استقالاتهم، الأمر الذي قاد إلى مزاولة الأطباء لعملهم كالمعتاد. وأفاد مصدر كان طرفاً في الاجتماع «الأهرام اليوم» أنهم طرحوا المشكلات المتعلقة بخفض وزارة الصحة لمساهمتها في أدوية الطوارئ إلى 30% وتدخلها في الشؤون الإدارية مما أحدث تضارباً في السياسات، فضلاً عن الاتجاه لتحويل المستشفيات الاتحادية إلى ولائية. وفي الأثناء أصدرت لجنة الأطباء بياناً تحصلت «الأهرام اليوم» على نسخة منه أمهلت فيه وزارة الصحة حتى الخامس من مارس المقبل لتنفيذ المطالب. وفي ذات السياق كشف وكيل وزارة الصحة الاتحادية د. كمال عبدالقادر عن رفضه لطلبات الاستقالات التي تقدم بها مديرو المستشفيات والمديرون الطبيون وقال الوكيل :«إن الأطباء يزاولون أعمالهم بصورة عادية وأن هناك استقراراً بكافة المستشفيات». الصورة الملتقطة بالأشعة السينية للقطاع الصحي تبين بشكل واضح حجم الأزمة المكتومة التى تعبِّر عن نفسها كلما اتَّسعت مساحات الرؤية حتى تكشفت للعيان خطورة الوضع القائم منذ إضراب الأطباء ونواب الاختصاصيين قبل شهور، مروراً بتكوين لجنة لمحاربة الفساد والتحقيق في المعلومات التي أشارت إلى تورط أحد العاملين بالمستشفى الصيني في عملية فساد وليس انتهاءً بدفع مديري المستشفيات التابعة لوزارة الصحة الاتحادية، إلى جانب (80) من المديرين الطبيين ومساعديهم، أمس الأول باستقالات جماعية للوزارة؛ احتجاجاً على سلوك وصفوه بالمستفز من قبل وزير الدولة بالصحة، تأكيداً لرفضهم طلبه بإقالة نائب المدير العام لمستشفى الخرطوم التعليمي، بالرغم من أن هنالك مصادر عزت الاستقالات إلى تقليص الصلاحيات المالية للمديرين من قبل الوزير. وفي المسافة الواصلة بين تلك الأزمات المتناسلة جرت العديد من المحاولات لإجهاض أي حمل قد ينجب ثورة يكون منشؤها القطاع الصحي هذه المرة، سيما وأن صيدلية (الوطني) تتوفر فيها كل أنواع المضادات الحيوية وحتى المسكنات من شاكلة (البندول) لمن يشعر بالألم والغبن - كما أشار الدكتور نافع علي نافع أبان الانتخابات الأخيرة! وعلى مقربة من ذلك أشارت مصادر (الأهرام اليوم) إلى احتمال صدور قرار مرتقب بإعفاء وزير الدولة بوزارة الصحة؛ حسب الرسول بابكر، وعدد من الممسكين بالملف الصحي بالبلاد. وأكدت المصادر أن قيادات الدولة جدّدت ثقتها في وكيل الوزارة؛ الدكتور كمال عبد القادر، وحتى عندما تمّت الإشارة من قبل البعض إلى أن (كمال ليس مؤتمر وطني) جاءت الإجابة: «ولذلك نحن متمسكون به». الدكتور عبد الله تية في اتصال هاتفي مع (الأهرام اليوم) مساء «الأحد» نفي علمه باستقالات جماعية تقدم بها مديرو المستشفيات، وقال: «لم تصلني أية استقالة» وأشار إلى أنه ليس لهم مديرون طبيون بذلك الحجم، وأضاف أن المستشفيات التابعة لهم قليلة جداً. غير أن الدكتور كمال عبد القادر كان له حديث آخر؛ حيث أكد حدوث الاستقالات وقال إنهم تحفظوا عليها بشكل تام وطلبوا من المستقيلين مواصلة عملهم على أمل تلافي كل الأسباب التى أنتجت تلك الأزمة. وأضاف عبد القادر أن المديرين عادوا لمزاولة عملهم وقال إنهم حريصون على مواصلة نائب مدير مستشفى الخرطوم التعليمي؛ مأمون محجوب، في عمله، واستطرد أنه ليس هنالك نية لإعفائه من موقعه ووصفه بأنه من أفضل النواب الذين عملوا في المستشفى، وأشار إلى أن جهده مقدر. ومضى عبد القادر إلى أن الحل يكمن في التزام الجميع بالقانون الذي يحدد اختصاصات كل شخص - في إشارة إلى تدخل وزير الدولة في الشؤون الخاصة بالمستشفيات - على أن يلتزم كل شخص بوصفه الوظيفي قولاً وفعلاً. وزاد كمال أن الأوضاع في المستشفيات مستقرة وكل الأمور تسير بالشكل المطلوب. وحول تواصل حالات الاحتجاج بعد رفض الاستقالات لم يستبعد عبد القادر تأثيرات الأزمة ولكنه أكد في نهاية الأمر احتواءها وقال إن عدد الأطباء أكثر من (80) وقد كتبوا استقالاتهم مشفوعة بالأسباب لكنهم في الوزارة يعملون على تلافي تلك الأسباب. بينما أشارت التقارير إلى اجتماع اكتمل بين المديرين ونائب رئيس الجمهورية مساء يوم الأحد انتهى بإقناعهم بالعدول عن الاستقالة. فيما أكد مسؤول رفيع بوزارة الصحة للصحف أن الخلاف إذا استمر في حالة تطور فإن الخطوة ستترتب عليها تداعيات خطيرة على الوزارة والوضع الصحي بالبلاد. واتهم المسؤول، وزير الدولة بالوزارة؛ حسب الرسول بابكر، بأنه وراء عدم الاستقرار في المستشفيات، وتوقع اتساع دائرة تقديم الاستقالات. طبيعة هذه الأزمة التى يبدو أنها في واقع الأمر حالة معملية لما يجري في كثير من المؤسسات ربما لن تنتهي بتلافي أسبابها وموارتها بعيداً عن الأضواء، ولكن الراجح كما يرى الكثيرون أنها سوف تعيد ترتيب القطاع الصحي بكل مستوياته. فعاصفة التغيير التى يتحدث المؤتمر الوطني عن ضرورة فتح الأبواب لها تشير كل التوقعات إلى أنها ستنطلق من وزارة الصحة؛ سيما وأن نائب رئيس الجمهورية الذي يمسك بملفات العمل التنفيذي في الدولة تنبه بشكل سريع للأزمة الأخيرة والتقى ببعض الممسكين بالملف في سبيل البحث عن حلول للقضية التي أعيت الطبيب المداويا، بينما يدور صراع قديم داخل القطاع الصحي تتمركز أطرافه في فضاء الدولة وكلٌ يحاول أن يستمد طاقته من الحزب الحاكم. إذن، هل يحزم المؤتمر الوطني أمره باتجاه إطفاء بؤر التوتر بشكل نهائي؟ هل سينحاز إلى طرف دون الآخر في لعبة المصالح تلك؟ هل سيعيد ترتيب القطاع بثورة تطيح بمراكز الصراع ومن ثم يدفع بوجوه شبابية بديلة؟ هل ثمة حملة إعلامية وراء منجزات الوزارة وما هي طبيعة ذلك التدافع الذي ألقى بظلاله السياسية على المشهد الماثل للعيان؟ وهل من أشخاص يتصدرون واجهات العمل الصحي بالمؤتمر الوطني يثيرون تلك (القلاقل) بعد أن انتفت نظرية المؤامرة بانتهاء أزمة نواب الاختصاصيين الذين تمَّ اتهام البعض منهم بأنه يتحرك بأجندة سياسية، مما يجعل السؤال شاخصاً وحاضراً: هل تتقاطع الأجندة نفسها داخل المؤتمر إلى ذلك المدى؟!