كان الله في عون القضاة بولاية الخرطوم، مع كل صبح جديد تُرفع إلى محاكمهم قضايا جنائية ومدنية لا حصر لها ولا عد. قتل، ونهب، وسلب، واحتيال، وغسيل أموال، وتهريب، ومخدرات، وتعدٍ على حقوق، واغتصاب، ومواريث، قضايا تشمل المناطق الطرفية حيث الفقر والجهل، مثلما تشمل أكثر مناطق العاصمة القومية تعليماً وشهادات جامعية، ومناصب مهنية. كان الله في عون هؤلاء القضاة وهم قلة لا تكفي للنظر والفصل في هذه القضايا التي تتزايد كل يوم، في عاصمة يتصاعد الخط البياني لعدد قاطنيها. وهي عاصمة تستقبل كل يوم أعداداً من الوافدين الأجانب من دول الجوار ضاقت بهم سُبل العيش في أوطانهم فلم يعد لهم من ملاذ غير عاصمة بلاد السودان -الخرطوم- التي يصارع الكثير من أهلها الفقراء في سبيل ما يسد رمقهم ويبقيهم على قيد الحياة. فماذا يفعل قضاة ولاية الخرطوم إزاء آلاف القضايا المطروحة أمامهم وهم الأكثر علماً بأن إقامة العدل تقتضي الفصل في القضايا حتى لا يؤدي تأخيرها إلى مزيد من إلحاق الضرر بصاحب الحق وما إلى ذلك. ومن فرط تزايد عدد القضايا أصبحت مباني المحاكم تعج بالبوفيهات التي تقدم الطعام طوال ساعات النهار حتى أصبحت مثلها مثل أي مطاعم في السوق العربي. وقال لي أحد المحامين إن الحل لهذه الظاهرة لن يكون في زيادة عدد القضاة فقط، وإنما أيضاً لا بد من أن تفطن الدولة والباحثون وفعاليات المجتمع لخطورة تصاعد ظاهرة الجريمة في ولاية الخرطوم إلى حد فاق كل الحدود، وهذا ما تشهد به الأخبار التي يُقبل الناس على مطالعتها في صفحات الصحف اليومية أكثر من أي مواد صحيفة أخرى. ويضيف الأستاذ المحامي: صحيح أن توسيع دائرة أعداد القضاة مهم ولكن مهم أيضاً الأخذ بنظام عمل المحاكم في ساعات المساء وهو أمر كان معمولاً به في الماضي مع أن القضايا أمام المحاكم لم تكن بمثل هذا الكم الرهيب. ثم إذا كان عدد خريجي القانون لا يتجاوز العشرات، فهو الآن يبلغ الآلاف حيث أصبح التعليم الجامعي (على قفا من يشيل). { محطات صغيرة ٭ من أخبار الأسبوع الماضي أن وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي تقوم بمساعٍ لزيادة الحد الأدنى للمعاش إلى «300» جنيه وفقاً لتوصيات خرجت بها الورشة التي عُقدت مؤخراً لحل قضايا المعاشيين، بالطبع هذا المبلغ، حتى وإن رُفع إلى «500» جنيه إلا أنه لن يحل مشكلة المعاشي الذي ليس له من دخل آخر، ولكن يبدو أن شيئاً خير من لا شيء. فهل تتم زيادة المعاش نظراً لهذا الغلاء الطاحن في أقرب وقت، أم يبقى الأمر أسير تعقيدات الجهاز البيروقراطي الذي قد يرى أن العجلة من الشيطان وفي التأني السلامة؟!. ٭ ومن أخبار الأسبوع الماضي أيضاً أن مواطني منطقة الزيداب بمحلية الدامر في ولاية نهر النيل انتقدوا معتمد الدامر على خلفية إلغائه منشوراً سابقاً أصدره المعتمد السابق يقضي بإيقاف البيع في الأراضي التابعة للمستشفى والوحدة الإدارية والتعليم والصحة. وطالب المواطنون وزير التخطيط العمراني بالولاية بالتدخُّل لحسم بيع الأراضي الحكومية، وقالوا ل«الأهرام اليوم» إن بعض قيادات المؤتمر الوطني بمحلية الزيداب تقف وراء عملية البيع والشراء في الأراضي وطالبوا بحسم الأمر. انتهى الخبر وهو على خطورته يبدو أن الجهات المعنية في قمة الولاية لا تفطن إلى مثل هذا التصرُّف وكأنه أمر عادي لا يتعلق بالاعتداء على أراضي خاصة بمرافق عامة هدفها للمصلحة العامة، في الوقت الذي تتحدث فيه الدولة عن توفير العلاج والتعليم. فاين دور مجلس تشريعي ولاية نهر النيل، وهو المسؤول الأول عن الرقابة على الأجهزة التنفيذية، ثم ألا يقدح ذلك في مصداقية الحزب الذي ينتمي إليه ذلك النفر من أعضائه؟ والأمر مرفوع إلى والي ولاية نهر النيل فماذا يقول؟. ٭ من أخبار الجماهيرية الليبية أن عدد السودانيين المغتربين هنالك يبلغ مليون ونصف المليون عنصراً، ولكن إذا أضفنا إلى هذا العدد أخوانهم المغتربين في دول الخليج ومصر وأمريكا وبريطانيا وإلى آخر القائمة الطويلة، كم يا تُرى يبلغ عدد السودانيين المغتربين في بلاد الله الواسعة؟! أليست هذه واحدة من أكبر المحن التي يشهدها السودان، هذا الوطن الذي تبلغ مساحته مليون ميل مربع، وعلى تنوُّع ثرواته الهائلة ونال استقلاله منذ أكثر من خمسين عاماً، ومع ذلك لا يؤرق ضمير أبنائه المتعلمين أن ملايين كُثر من أهله هائمون في مختلف بقاع الأرض من أجل ماذا؟ من أجل أهم ضرورات الإنسان المأكل والمشرب والمأوى والتعلم والصحة. لا خير في علم لا ينفع الوطن. ٭ من تداعيات الثورة الليبية ارتفاع سعر برميل النفط في العالم إلى مائة وخمسة دولارات.. ويقول الخبراء إنه سوف يرتفع إلى مائة وعشرين دولاراً، ثم قد يقفز إلى مائه وخمسين دولاراً. لا أقول مصائب قوم عند قوم فوائد، ولكني أتمنى للشعب الليبي أن ينتصر في ثورته وأن ينعم بخيرات أرضه.