خلافاً لمعظم الصحف اليومية، تابعت «آخر لحظة» الغراء أخبار الحد الأدنى للمعاشات المدنية، فكان إعلان وزير الضمان الاجتماعي «برفع الحد الأدنى للمعاش من 229ج إلى 250ج بزيادة واحد وعشرين جنيهاً اعتباراً من يناير 2012، وهو ما رفضه الاتحاد العام لمعاشيي الخدمة المدنية مؤكداً حقه في حد أدنى للمعاشات المدنية كافة لا يقل عن ثلاثمائة جنيه، واستند الاتحاد على أربعة أسباب لرفضه هي: (1) المعيار الدولي: لا يقل الحد الأدنى للمعاش عن الحد الأدنى للأجور. (2) الوفاء بإنفاذ قرارات رئيس الجمهورية والمجلس الوطني. (3) الإمكانيات المالية للصناديق لتطبيق الحد الأدنى للمعاش دون تكلفة مالية جديدة. (4) الاتفاق مع وزيري الضمان الاجتماعي والمالية. ومعلوم أنه لا يوجد نص في قانون المعاشات المدنية بشأن الحد الأدنى للمعاش، أما قانون التأمينات الاجتماعية فنص على أن مجلس الإدارة هو الذي يحدد زيادة الحد الأدنى للمعاش. والنص على الحد الأدنى للمعاش تلزم به المادة (21) من الاتفاقية العربية رقم «3» لسنة 1971، والسودان صادق عليها، كالآتي: «يعين التشريع الوطني حداً أدنى للمعاش يراعي كفايته لمقابلة الحد الادنى لنفقات المعيشة». وعلى ذلك، فإن الحد الأدنى للمعاش قضية حقوق لا مجرد مطلب لفئة أو فئات. ويبدو في الظاهر أن إعلان وزير الضمان الاجتماعي يعني معاشات الخدمة المدنية، لا المعاشات المدنية كافة ويهمنا منها معاشات التأمينات الاجتماعية، وأشير للوقائع التالية: (1) المعاشات المدنية والتأمينات الاجتماعية لهما مجلس إدارة موحد منذ 1994. (2) وزير الرعاية والضمان الاجتماعي مسؤول عن كل نظم المعاشات المدنية. (3) وزارة المالية تدعم جميع نظم المعاشات القائمة. (4) وزارة المالية تدعم معاشات التأمينات الاجتماعية بصفة مستمرة منذ يناير 2006، بالإضافة إلى منحة الرئيس. (5) المادة «59» من مشروع قانون الضمان الاجتماعي 2011 تنص على: «يجوز لمجلس الوزراء إجراء تحسينات في المعاشات المنصوص عليها في هذا القانون في إطار معالجات الأجور وتلتزم وزارة المالية والاقتصاد الوطني بتحمل تكاليف هذه التحسينات وتدفعها بصفة مستمرة..» والحد الأدنى لمعاشات الخدمة المدنية حتى ديسمبر 2011 هو 129ج والقول بأنه 229ج يعني صدور قرار بدمج منحه الرئيس في المعاش، وهو أمر جيد لصالح المعاشيين فيكون الحد الأدنى للمعاش 229ج في 2011 ومعلوم أن 84% من جملة معاشيي الخدمة المدنية -قبل منحة الرئيس- تتراوح معاشاتهم ما بين 112ج و150ج. أما واقع معاشات التأمينات الاجتماعية دون دعم المالية ومنحة الرئيس فهي كالآتي: 71% من جملة معاشيي التأمينات الاجتماعية تقل معاشاتهم عن 45ج و76% تقل معاشاتهم عن 90ج. ولا يوجد حد أدنى للمعاش معمول به في نظام التأمينات الاجتماعية فالإحصائيات الرسمية تفيد بأنه90ج منذ 2005 وبواقع ذات الإحصائيات فإن الحد الأدنى للمعاش حوالي 75ج في أحسن حالاته. وتنظر الآن محكمة الخرطوم الجزئية برئاسة القاضي الناصر صلاح الدين حامد نزاع المعاشيين والصندوق القومي للتأمينات الاجتماعية والذي موضوعه «الحد الأدنى لمعاش التأمينات الاجتماعية». والمعاشات المنخفضة من المسائل التي تداولتها في السنوات الأخيرة معظم نظم المعاشات في الدول النامية والدول العربية ومعظم معاشيي التأمينات الاجتماعية 83% هم ضمن فئة أصحاب المعاشات الأكثر ضعفاً أو انخفاضاً، والتزمت كثير من تلك الدول في المعالجة بمعيارين: الأول: لا يجوز أن يقل معاش المؤمن عليه عن الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص. الثاني: تتحمل الخزانة العامة قيمة الزيادة على أساس الحد الأدنى للأجور على المعاشات لتفادي الإخلال بالمراكز المالية للصناديق. وأن الشقه التي تتزايد ما بين معاشات الخدمة المدنية ومعاشات التأمينات الاجتماعية، وما بينهما والحد الأدنى للأجور من الملائم إزالتها هذه المرة وبلا أية تكلفة مالية جديدة. يدمج المنح في الحد الأدنى للمعاش وأن يكون الحد الأدنى للمعاشات المدنية 300ج، فيتم إنفاذ القرارات السابقة ولا يقل المعاش عن الحد الأدنى للأجور. فالصناديق تدفع عشرات المليارات لأعداد قليلة من المعاشيين وتأخذها دون مسند من قانون من أغلبية المعاشيين باسم «الدعم الاجتماعي» أو أي اسم آخر على حساب الحد الأدنى للمعاش وتحسينات المعاش تحت راية «التكافل» التي تسقط بيسر عند مطالبة المؤمن عليه بحقه في تعويض الدفعة الواحدة عندما لا يسدد صاحب العمل الاستقطاعات الواجبه. والغريب التزام صندوق استثمار الضمان الاجتماعي «فوائض أموال كل العاملين» بدفع 10% من عوائده لصالح (بعض المعاشيين) باسم الإسناد الاجتماعي. وكل ذلك يتنافى مع مبادئ العدالة والمساواة بين المؤمن عليهم. ولذلك نتفق مع الاتحاد العام لمعاشيي الخدمة المدنية أن الصناديق قادرة على رفع الحد الأدنى للمعاش إلى «300ج» دون تكلفة إضافية إذا التزمت فقط بإنفاذ قوانينها التي لم يجز المجلس الوطني لوائحها لأكثر من عشرين سنة (!) ولارتفاع نسبة الفقر فإن جهود الإسناد الاجتماعي للمعاشيين تظل محدودة قياساً بأعدادهم. ولذلك فإن الطريق السليم هو دعم صندوق استثمار الضمان الاجتماعي هو لمزايا جديدة للمؤمن عليهم ودعم المعاشات. فالإسناد الاجتماعي والمساعدات الاجتماعية هي مسؤولية الدولة وصندوق الزكاة لا صناديق المعاشات. ولن يقبل معاشيو التأمين إلا بحد أدنى معلوم للمعاش يطبق دونما تحايل بقرارات (فنية) تقسم الحد الأدنى للمعاش لقسمين أو ثلاث أقسام (معاش) و(منحه) و(دعم) لأكل أموال اليتامى بالباطل. ونحيي جهود الاتحاد العام لمعاشات الخدمة المدنية الذي يتحمل أعباء الدفاع عن الحد الأدنى للمعاشات المدنية جميعها.