ثمة اتهام يمسك بتلابيب السلطة الرابعة في السودان، وهي التي ما فتئت تكيل الاتهامات لغيرها، بحكم وظيفتها في التبصير بمواطن الخلل ومنزلقات العمل العام، ثم بحكم دورها الأساس في التجسير ما بين المواطن والمسؤول، من ناحية نقل معاناة المكتوين وتحقيق الالتفاتات الممكنة صوب المسائل العالقة أو القضايا العادلة، ريثما تتفتق عبقرية القادة عن ناجع الحلول. عودٌ على بدء؛ فإن أجهزة الإعلام السودانية، بنظر الكثيرين قد اضطلعت بدور سلبي إزاء المسألة الدارفورية. وبحسب بعض المراقبين، فإن هذا الدور اكتنفته شبهات النأي عن المهنية، وفي لغة أشد فظاظة؛ فقد تم نعت المواقف الإعلامية من قبل المراقبين المشار إليهم عاليه ب(اللا أخلاقية) حيال التعاطي مع الأزمة الإنسانية في الإقليم، عبر الانحياز لأحد أطراف الصراع، سواء كانت الحركات المسلحة أو الحكومة السودانية، مما أسهم بصورة ملموسة في تأزيم القضية. رابطة إعلاميي وصحافيي دارفور نظمت في الأسبوع الماضي ندوة بعنوان (الإعلام في دارفور بين الحرب والسلام)، تحدث فيها حديث العارفين رئيس القسم العربي بهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)؛ لقمان أحمد، مستفيضاً في تشريح الأزمة الإعلامية في محازاة الأزمة الدارفورية. لقمان طالب خلال الندوة، الصحفيين بلعب دور إيجابي والتعامل بشكل موضوعي مع الأزمة، وتخطي المرارات والأضرار وإسقاط إحساسهم من الآثار الجانبية للحرب، مضيفاً أن إبراز الحقيقة هو أمر مهم جداً في التعامل مع القضية، والابتعاد قدر الإمكان عن (صب الزيت علي النار). وزاد: «ليس في مصلحة الصحافي أن يوصف بأنه آفة الأخبار وليس ناقلاً أميناً»، قبل أن يشدد على ضرورة النظر إلى خطورة المعلومة والتعرف عليها ومعرفة مدى تأثيرها. وانتقد لقمان الصحفيين من أبناء دارفور، وقال إن تناول أبناء دارفور من الصحفيين طغى عليه الانحياز إلى جانب الحركات المسلحة دون المهنية، مبيناً أن هنالك جانباً عمق من الأزمة، وهو غياب الانتشار وغياب الإعلام الوطني في الوصول إلى مناطق الأحداث ونقل الحقائق ومعالجتها، وهذه واحدة من العوامل التي عمقت قضية الحر ب، فضلاً عن غياب التنمية البشرية بالإقليم. رئيس القسم العربي بال(بي بي سي) أشار إلى أن هنالك عدداً كبيراً من القوات الأجنبية من دول مختلفة، الأمر الذي اعتبره سينعكس على النشاط الاجتماعي والاقتصادي، وغيره من الأنشطة، وطالب أجهزة الإعلام بضرورة عكس خطورة هذه القوات، فضلاً عن الحديث عن عمليات حفظ السلام، متسائلاً: «وهل هنالك سلام ليتم حفظه؟»، قبل أن يستدرك بأنها أسئلة لم نتمكن من الحصول على إجابات عليها، هي وتساؤلات أخرى من شاكلة: هل استطاع الإعلام أن يقيّم جميع أطراف الأزمة؟ وهل تمكنا من أن نقيّم هذا الأمر بعمق ونعكسه للجهات التي تريد المعرفة؟ لقمان عرج في حديثه كذلك إلى مسألة جهل الرأي العام داخل السودان وخارج الإقليم بحقيقة ما يحدث في دارفور، مستفسراً عن المسؤول عن تنوير هذا الرأي العام؟ قبل أن يؤكد على أن الدور الذي يقوم به الرأي العام له تأثير على تغيير الحال إلى الافضل أو إلى الأسوأ، وزاد: هو بالتأكيد تقوم به أجهزة الإعلام، «ما لم يكن هنالك إدراك من جميع قطاعات الشعب لحقيقة ما جرى من انتهاكات في دارفور من الصعب أن تعالج الأزمة». لقمان نبه إلى أن هنالك خطأ ارتكبته أجهزة الإعلام في دارفور وانجرفت إلى تيار الاستقطاب وتحولت الأقلام إلى الانحياز وغابت الحقيقة، وأضاف أن الإعلاميين والصحفيين فشلوا في تحديد الأولويات في التعامل مع القضية ونقلها للمسؤولين، وقال: ما لم تحدد الأولويات في التعامل، فمن الصعب أن يتمكن الصحفيون من أداء دور إيجابي، وتساءل: ما هي المصلحة التي ينشدها الصحفيون في دارفور؟. وأبان لقمان أن الحرب في دارفور مسحت الوجه القروي في دارفور وهو الذي كون تلك اللوحة الجميلة، والتساؤل الآخر من وجهة نظره: هل أدرك الإعلاميون والصحفيون من أبناء دارفور خطورة غياب الوجه القروي عن مستقبل إقليمهم الثقافي والاجتماعي والذي يعد أجمل مقومات الحياة هناك؟. لقمان يرى أننا ما زلنا نمارس الإعلام بنفس الطريقة التي تعاملنا بها مع الأزمة في بداياتها، مطالباً بضرورة تحديد الأولويات وفعل شي يعطي رسالة إعلامية فاعلة داخل السودان، وأضاف أن السلام لا يتحقق بدون تحقيق الوئام الاجتماعي، مشدداً على ضرورة مساهمة أجهزة الإعلام في تحقيق الوئام الاجتماعي الذي سيقود إلى تحقيق السلام في دارفور، وطالب بضرورة تصحيح المسار الإعلامي في جميع جوانبه، وزاد أن الرسالة الإعلامية التي تعي مصلحة المنطقة ومصلحة إنسانها هي رسالة الإعلام الحقيقية. ضرورة الوصول لأكبر قطاع يتلقى الرسالة الإعلامية الإيجابية، وضرورة الحديث عن خطورة ظاهرة النزوح واللجوء التي أفرزتها الحرب، والعمل على معالجتها بطرق علمية، هي مفاتيح عملية في هذا الصدد – بحسب لقمان، فهنالك (5) ملايين شخص ضاعوا في قضية دارفور، فضلاً عن أنهم سيسهمون في خلق جيل ضائع للظروف التي عاشوها في أطراف المدن ومعسكرات النازحين واللاجئين. من وجهة نظره كإعلامي أن ما حدث في دارفور هو أمر داخلي، مشيراً إلى أنه (حدث تمرد والحكومة أخطأت في التعامل مع التمرد)، فالقتل والتشريد الذي تم في دارفور في فترة (7) أشهر فقط، وهذا هو الأمر الذي أتي بالقوات الأجنبية، فما يحدث في السودان له تأثير على الاقتصاد العالمي وهذا هو مدخل التدويل، فهذه القوى تريد تحقيق السلام والاستقرار في دارفور، وأضاف قائلاً: «يجب أن نكون عمليين ونبتعد عن نظرية المؤامرة»، فقضية دارفور -بحسب لقمان - صنعها السودانيون أنفسهم ولا علاقة لها بالغرب، قبل أن يضيف أن حرية الإعلام هي مدخل مهم لمعالجة القضية، وممارسة العمل الإعلامي – من وجهة نظر رئيس القسم العربي ب(بي بي سي) - الذي يحظى بالمهنية، يمكن أن تسهم في حل قضية دارفور، مطالباً بضرورة ممارسة ضغط على الحكومة بالكلمة لتحقيق السلام والاستقرار، وكذلك الضغط على جميع أطراف الصراع، مع ضرورة توحيد الأهداف. وقال لقمان إن الوصف من غير رؤية هو جريمة وهذا ما حدث في قضية دارفور، مشيراً إلى أن عدم نزول الصحفيين والإعلاميين إلى أرض الواقع في دارفور عمق من القضية، وطالب بتشجيع الصحفيين على زيارة دارفور ومعرفة الواقع بها وعكسه.