الأستاذ محمد إبراهيم نُقد رقم كبير في سماء السياسة السودانية، كان لا بُد أن نجلس إليه ونحاوره بعد وقوع الحدث الكبير؛ الانفصال. التقينا به بقاعة الاجتماعات بدار الحزب الشيوعي وأمضينا معه نحو (40) دقيقة، لاحقناه خلالها بأسئلتنا الملحاحة، فكانت إجاباته ومقاطعاته ومداخلاته القوية العفوية تأتي هادئة أحياناً ومتذمرة ضجرة في أحيان أخرى، ولكنه كان واسع الصدر صادقاً كعهدك به أيها القارئ، لا تملك إلا أن تستقبل حديثه وإجاباته بكثير من الاحترام والتوقير، مهما اختلفت معه فيها. في السطور التالية تطالع الحوار، الذي شاركت في بعض أجزائه الزميلة نادية محمد علي. { أستاذ نُقد، أنتم تقع عليكم مسؤولية في ما يتعلّق بالانفصال، والآن عليكم مسؤولية ودور كبير ينتظركم في مرحلة ما بعد الانفصال... - (وقبل أن أُكمل السؤال قال بسرعة): - ما عندنا أيَّة مسؤولية في الانفصال، مسؤوليتنا شنو؟ نحن دعاة الوحدة. { أنتم أقررتم مبدأ تقرير المصير في اتفاقياتكم مع الحركة عندما كنتم في التجمُّع مثلاً؟ - والاتفاقية بين الحركة والحكومة ما فيها حق تقرير المصير؟! { الحكومة مسؤولة وأنتم مسؤولون عن وقوع الانفصال، كلكم تقع عليكم نفس المسؤولية لأنكم أقررتم حق تقرير المصير؟ - نحن والسيِّد محمد عثمان والصادق المهدي وعمر البشير؟ {نعم. - (ضاحكاً ممازحاً): الوحيد البريء هو أنتِ ورئيس تحرير جريدتك !. { ماذا عن مسؤوليتكم ودوركم في المرحلة القادمة يا أُستاذ نقد؟ هناك دور كبير يتوجب عليكم القيام به في القضايا العالقة «عشان ما تقوم مشاكل بين الشمال والجنوب»؟ - بهدوء وبطريقة حاسمة قال: «حتقوم مشاكل.. حتقوم مشاكل» (قالها مرتين) المشاكل حول المراعي في السودان منذ أن بدأ الزحف الصحراوي في السبعينات لن تنتهي في كل الحزام من البطانة ولغاية جنوب كردفان وجنوب دارفور. نحن بعد أن انفصل الجنوب نقول: «اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه». بعد أن انفصل الجنوب نريد بقدر المستطاع أن نحتوي مشكلة الحدود وحل المشاكل بين الدولتين. { في حوار كُنَّا أجريناه مع الدكتورة سعاد الفاتح حمَّلتنا عبره سلامها لك وقالت لك: «أقول مرة أُخرى يا نقد: اللهم انصر الإنقاذ بنقد». ماذا تقول للدكتورة سعاد؟ - زمان كانت تقول اللهم انصر الإسلام بنقد.. قولي لها «هسِّي خليتي الإسلام بقيتي على الإنقاذ»؟! (ثم ضحك ضحكته الطيِّبة وقال): في الجمعية التأسيسية أذكر أنها قالت لي: «أعجبني حديثك وقلت الله ينصر الإسلام بنقد» قولي لها خلاص خليتي الإسلام بقيتي على الإنقاذ؟! { أُستاذ نقد، هناك سؤال عن العمل العلني للحزب والعمل في الخفاء، هل يُمكن أن يجد الحزب نفسه مضطراً للعودة إلى العمل في الخفاء في مرحلة ما بعد الانفصال؟ - لماذا؟ { لأن الرئيس البشير أعلن أنه بعد الانفصال سيتم تطبيق الشريعة. - وطيِّب ماله. { الحزب الشيوعي عنده عداء مع الشريعة الإسلامية؟ - ما عندنا عداء مع الشريعة، عندنا عداء مع الناس الذين يستغلون الشريعة الإسلامية، نحن مولودون بالشريعة الإسلامية، بنتسمَّى بالشريعة الإسلامية، بنتزوَّج بالشريعة الإسلامية بنتوارث بالشريعة الإسلامية. لكن نحن ضد الناس البستغلوا الشريعة الإسلامية عشان يحكموا، وقبل كدا اتسلَّطوا علينا وأصدروا قراراً بحل الحزب الشيوعي في البرلمان مش كدا؟ { لماذا تمَّ حل الحزب الشيوعي؟ لأن... - (مقاطعاً بسرعة): «لا.. هم حَلُّونا؟! نحن إتحلّينا ليهم؟!».. (ثم ضحك ضحكته الطيِّبة) { أُستاذ نقد، الحزب الشيوعي معروف عنه أنه ضد تطبيق الشريعة؟ - نحنا ما ضد الشريعة، نحن ضد الحكم باسم الإسلام، الذي يأخذ الإسلام تغطية للمصالح الطفيلية والرأسمالية التي تريد أن (تلهف) قروش البلد وخيراته. نحن ضد هذا. { هل أنتم تتغيرون بعد كل فترة وفترة يا أستاذ؟ ففي حوار كنتُ أجريته مع الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي؛ يوسف حسين، كان قال لي إنكم ضد الشريعة ولن تسمحوا حتى للأحزاب بأن تطبِّق الشريعة؟ - ما ضد الشريعة.. ما ضد الشريعة (ثم قال): مَنْ؟ { الناطق الرسمي باسم الحزب؛ يوسف حسين؟ - والله يوسف حسين على كيفه يعني! خلاص.. هذه مسؤوليته هو! كيف يعني؟ حزب يريد أن يدعو للإسلام نقول له لا؟! أين حرية الرأي؟ { أُستاذ نقد، إذا رجعنا للحديث حول العمل في العلن والخفاء، عند مداهمة صلاح قوش لك في مخبئك في المرة الأخيرة، من الذي انتصر في هذا الموقف ومن الذي انهزم في تقديرك؟ هل تشعر أنك انهزمت؟ - لا... ما خلاص.. دي قصة انتهت خلوها للمرة الجاية. { هل كانت مفاجأة بالنسبة لك يا أستاذ؟ - بعد لحظة من الصمت قال: «لا.. هو أنا مختفي ليه؟!.. ما لأنه كانوا ملاحقِنِّي». { يقال إنك كنت في منزل أحد أقاربك.. هل كنت تتحرك بشكل عادي في البيت؟ - أكيد كنت قاعد في البيت.. لكن كثيراً ما كانوا يحركوني بالنهار. { هل تعرف من الذي وشى بك وأخبر ناس الأمن بمكانك؟ - يعني.. ما عارف ?. { من هو يا أستاذ نقد؟ - (صمت ولم يجب على السؤال). { إنسان مرتزق؟ - (بدا متردداً وهو يقول): لا.. ما بتكون كدا هي، لكن خلاص! الحصل حصل! { إنسان نيته حسنة يا أستاذ؟ فقط عنده فضول؟ - لا لا لا. { أنت زعلان منه؟ - (بعد أن صمت برهة قال): ما بستحق أزعل منه. { المداهمة كيف حدثت؟ هل فجأة وجدتهم أمامك؟ أم كنت مهيَّأً نفسياً لاستقبالهم في أيِّ وقت، أم؟ - (بعد لحظة طويلة جداً من الصمت قال): - طبعاً بالنسبة للناس المسألة تبدو دراماتيكية كدا، زي البتحصل في الأفلام. أصلاً عادةً بتحصل كيف؟ هناك أشكال مختلفة، واحد منها أن الناس في الحي يشعرون أن هناك شخصاً يدخل ويمرق من هذا المنزل، وهم ما متبينين من هو، هذا يثير فضول بعض الناس. الشكل الآخر يكون الشخص بطلع كتير.. أو يكون الشخص ما ملتزم بالضوابط يعني يدخل كتير ويخرج كتير. وهناك شكل آخر، هو أن يكون هناك شخص عرف المعلومة وباعها. { ما هو الشيء الذي حدث من هذه الحالات التي ذكرتها؟ - (ضاحكاً): واحد فيهم. { أنا أعتقد أن هناك شخصاً عرف المعلومة، وباعها؟ - ليس بالضرورة أن يكون باعها.. ربما يكون رمى الكلام والناس استلمته، أنا أرجَّح الثانية «شخص شكَّ في الزول الداخل مارق دا» شكَّه أثار فضول واحد من الناس.. أنا كنت أخرج بالنهار حتى أزيل أيِّة شبهة. { كنت تخرج بشكلك العادي ولبسك العادي؟ -آآي. { صلاح قوش زارك في الصباح أم المساء أم...؟ - جاءوا في الظُّهرية. { أنت كنت نائماً؟ - كنت صاحياً. { كيف دخلوا عليك؟ هل «دقُّوا» الباب؟ من الذي فتح لهم الباب؟ - هم كسروا الباب. { أنت ماذا فعلت؟ هل تفاجأت حين شعرت أن هناك من يقوم بخلع الباب؟ - طبعاً هذه ليست هي الطريقة التي يدخل بها ناس البيت. { ماذا فعلت أنت؟ هل ظللت جالساً في مكانك إلى أن كسروا الباب وحملوه ووضعوه جانباً وجاءوا إليك؟ - (صمت) { (ضاحكين ممازحين): سلموا عليك أم قبضوك طوالي يا أستاذ؟ رحبتَ بهم وسلمت عليهم وقدمت لهم الشاي؟ - (ضاحكاً): لا.. أحسن أجيب ليهم بيبسي! { أستاذ نقد، هناك شخصيات بارزة في الحركة الإسلامية استقطبتها الحركة من الشيوعيين؛ مثل عبد الباسط سبدرات، أمين حسن عمر، أحمد سليمان المحامي، هل بالإمكان أن تستقطب الحركة الإسلامية الأستاذ محمد إبراهيم نقد؟ ألا تشعر أن هناك تقارباً روحياً على الأقل بينك والحركة الإسلامية؟ - لا.. أنا مقتنع بالفكر الشيوعي.. أنا أجد نفسي أكثر في الحزب الشيوعي. { مِمَّن مِنْ العلماء المعاصرين يستقي الأستاذ محمد إبراهيم نقد معلوماته الفقهية؟ - هنا في السودان؟ { نعم. - ما محتاج ليهم.. هناك كتب؛ في القرآن وفي الثقافة الإسلامية راقدة مالية البلد.. ما عندي شيخ يعني. { شيخك الكتب يعني؟ - شيخي الكتاب ذاته.