سقوط نظام العقيد معمر القذافي يصب في مصلحة كثير من الدول ومنها السودان الشمالي الذي عانى كثيراً من شطحات القائد الأممي وعمالته وشذوذاته. نعم من مصلحتنا هنا في السودان الشمالي أن يسقط هذا النظام الذي دعم وأيَّد وآزر حركة الدكتور جون قرنق منذ بداياتها في النصف الأول من ثمانينيات القرن الماضي، ثم في ما بعد بعض الحركات الدارفورية المسلحة. وهو مستعد لأن يفعل كل ما يخطر على البال وما لا يخطر عليه لأجل زعزعة الاستقرار في السودان الشمالي. وهو لا يصدر في ذلك من تلقاء نفسه وإنما ينفِّذ إرادات وأجندات قوى أخرى عالمية وإقليمية، وفي المقدمة منها الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل. وهناك جانب ذاتي في الموضوع، فالعقيد القذافي يعرف أن الشعب السوداني رغم فقره أكثر حيوية ومعرفة من كثير من شعوب المنطقة في شقيها العربي والإفريقي، ومن سوء حظه أنه لا يستطيع أن يحكم هذا الشعب. وفي أواخر ستينيات القرن الماضي ومطلع سبعينياته أيام ميثاق طرابلس واتحاد الجمهوريات العربية، وعندما تأكد للعقيد القذافي أن الخصوصية السودانية لا تسمح في ذلك الوقت بانجراف السودان في تلك المشاريع، فإنه شعر منذ تلك اللحظة أن من أولويات مهامه أن يُضعف السودان وأن يزعزع استقراره وما أكثر تآمراته (وبلاويه) خلال العهد المايوي الذي انتهى في أبريل 85.. وعندما وصل حلفاؤه وأصحابه إلى الحكم بعد انتخابات مايوم 86 فإنه بدلاً من أن يساعدهم في بناء نظام سياسي مستقر، أرهقهم بضرورة الانحياز إلى مواقفه وسياساته في تشاد وغيرها. لقد دفع العقيد لأولئك الحلفاء والأصدقاء ولم يكن ما دفعه لوجه الله ولا لوجه الإسلام والعروبة والجوار الإفريقي، لكنه دفع لهم أيام ضعفهم ومنافيهم واغتراباتهم، ثم لمّا عادوا حكّاماً للسودان كان ينبغي أن يشكروا العقيد القذافي بتنفيذ إراداته وإملاءاته. ولمّا انهار نظام أولئك الحلفاء والأصدقاء في 30 يونيو 89 كان العقيد القذافي عاجزاً تماماً عن إنقاذ حلفائه وأصحابه ومساعدتهم لاسترداد حكمهم. إن سقوط نظام (ملك ملوك) إفريقيا يخدم مصالح الشعب هنا في السودان الشمالي كما لم يخدمها سقوط أي نظام آخر في الدول المجاورة، وفي نفس الوقت فإن هذا السقوط شأن ليبي بحت. ومن هنا فإننا نتمنى ومن القلب أن ينجح الشعب الليبي في الإطاحة بحاكمه العجيب المشبوه السفاح (الحرامي) الذي لم يقتصر أذاه وضرره على ليبيا وحدها، وإنما شمل كل الإقليم والسودان على وجه أخص.