ماذا يريد إنسان السودان العادي غير أن يعيش حياة كريمة بكل أبعاد ومعاني هذه الكلمة؟ على مستوى تجارب البشرية عرف العالم نظامين أساسيين للحكم هما: النظام الرأسمالي والنظام الاشتراكي. وأمريكا هي نموذج النظام الرأسمالي، وهو النظام الذي يقوم على قاعدة القطاع الخاص. والاتحاد السوفيتي «سابقاً» كان نموذجاً للاشتراكية القائمة على قاعدة ملكية دولة العمال الديكتاتورية لوسائل الإنتاج، وهي المرحلة الأدنى للمرحلة الأعلى، وهي المجتمع الشيوعي ومعناه أن تصبح كل الأشياء .. الأرض والمصانع ملكاً مشاعاً، ويعمل الناس بشكل مشترك دون أي جهاز خاص ودون تقاضي أجور، وإنما في سبيل الصالح العام، هكذا يقول لينين. وبالطبع فقد انهار النظام الاشتراكي «بعد 75 سنة» من قيامه دون أن يدخل مرحلة الشرعية. أما النظام الرأسمالي فهو الآخر لم يُحقق الحياة الكريمة بمعناها العميق للسواد الأعظم في إطار دولته، سواء أكان هذا النظام علمانياً أو دينياً، ديكتاتورياً أو ليبرالياً. وفي عالمنا العربي لم تستطع حكوماته كافة أن تحقق لغالب سكان أي دولة من دوله الحياة الكريمة في أسمى تجلياتها. واليوم حيث تتفجّر في عديد من دول العالم العربي ثورات شعبية، فما ذلك إلا نتيجة طبيعية لتراكم مظالم وغبائن وأخطاء وخطايا وقهر سنوات طوال، حيث ما عاد ممكناً أن يكظم الناس غيظهم في صدورهم، وإنما لم يكن بُدٌ من الانفجار حيث بلغ الغليان أقصى مداه، ولسوف يتوالى مع الأيام. ولكن ماذا بشأن وطننا السودان؟ هو في الأساس واحد من الدول الغنية بمواردها وهي الحقيقة التي ظلّ الصراع الحزبي منذ الاستقلال يُغيِّبها عن أبصار وعقول الشعب، بل ومنهم من يذهب به الضلال والتضليل حد نفي وجود أي ثروات طبيعية ذات شأن يُذكر، خاصة النفطية والمعدنية وعلى رأسها الذهب، ومن يغالط في ذلك فليذهب إلى دار الوثائق القومية ويتصفّح صحف ما بعد الاستقلال ليتيقَّن من الحقيقة. على أن السودان أخذ يشهد في السنوات الأخيرة، أو بالأحرى في عهد الإنقاذ، خطوات ملموسة على طريق التنمية ولكن تغلُب عليها سمة النمو الرأسمالي. وكان ذلك استهلالاً بخصخصة كثير من مؤسسات القطاع العام، وهي الفترة التي شهدت إنجاز استخراج النفط وتصديره، والتوسُّع المصرفي، ودخول شركات عربية، وبشكل خاص في مجال التنمية العقارية ولكل هذا مثلما بدأ ظهور شرائح غنية، إلا أن دائرة الفقر أخذت في الإتساع أكثر من أي عهد سابق. ليت كل القضايا القائمة في السودان، بإيجابياتها وسلبياتها أن تُطرح على بساط مؤتمر قومي تاريخي يُشارك فيه الشرفاء من كل الأحزاب، إلى جانب أهل التخصُّص من أساتذة بالجامعات والخبراء في كل المجالات، واتحادات المزارعين والعمال والرعاة والكوادر النسائية اللائي أصبح دورهن اليوم في الحياة العامة أفضل من دور كثير من الرجال. ولن يكون صعباً أن يتوصل هذا المؤتمر القومي إلى صياغة برنامج حقيقي تلتزم به الحكومات القادمة التزاماً صارماً للسير بالبلاد على طريق التنمية لا بالقطاع الخاص وحده صانع الفوارق الاجتماعية الكبيرة وصراعاتها المتوقعة، ولكن بتحديد دوره بقوانين لا تترك له الحبل على الغارب، هذا إلى جانب القطاع العام المُلزم بقوانين صارمة أيضاً تجعله يصب في المصلحة العامة، لا مصلة إداراته ولا مصلحة القطاع الخاص كما يحدث مثل هذا الفساد في كثير من الدول. فثروات السودان الطبيعية جاهزة للاستثمار اليوم قبل الغد، ولا نحتاج إلى إراقة دماء، ولا تمزيق وطن ينبغي أن يعيش حياة كريمة. وحتى في أمريكا - رغم سنوات عدائها الطويل للسودان - ها هو الكونغرس يجيز لعدد من شركاتها النفطية العمل في السودان، وما ذلك إلا لأن السودان رقم اقتصادي حقيقي يعرفه العالم كله. محطات قصيرة: { خبراء العالم يتنبؤون بأن سعر برميل النفط قد يصل إلى مائتي دولار مع تصاعد الثورات الشعبية في العالم العربي، خاصة في دوله المنتجة للنفط. { تطربني -إلى حد النشوة - التحقيقات الصحافية والمقابلات الصحافية، على صفحات «الأهرام اليوم» لجمال أسلوبها، ودقة معلوماتها وجدتها، وكذلك جديتها. { التصحُّر في زحفه الكاسح على مساحات شاسعة جداً من أراضٍ، ولكن والحمد لله هناك ثمرات كثيرة ما تزال تتدفق من الريف إلى الخرطوم ومنها: (النبق واللالوب والحُمبُك والقِضيم والصمغ والقُنْقُليس). فيا أيتها المحليات أتصور أن تُباركي جهد باعته في الأسواق، من كبار وشباب وصبية، حيث يقضون اليوم بطوله تحت الشمس وهم من الصبر في غاية. { ما دام باقان أموم هو المفكر والقائد الأوحد للحركة الشعبية، لن يُضار الشمال وإنما الجنوب هو الذي سيدفع ثمن سياسات هذا الأموم.