تعرفت إليه في العام 1976م وأنا ألتحق بالعمل مخرجاً بالتلفزيون القومي، حيث كان د. صغيرون المدير العام لتلفزيون السودان. طلبت إلينا إدارة الموظفين مقابلة المدير العام، كنا ثلاثة: موسى محمد علي، محمد الأسد وشخصي كأول دفعة جامعيين تُضاف إلى أسرة التلفزيون وعندها شاهدت وعرفت الراحل د. أحمد الزين، لأول مرة، كأني أعرفه منذ سنوات، هدوء، تركيز، ذكاء، حديث من القلب إلى القلب، وصايا ومعلومات تعيننا في عملنا الجديد، التشديد على خلق القدوة الحسنة والقيادة المرنة سيما ونحن سنعمل مخرجين من مهامنا قيادة الفريق الفني بكل تعقيداته. حدثنا عن المصداقية، وحدثنا عن أهمية العمل التلفزيوني في وقت كانت فيه الفضائيات في رحم الغيب، حدثنا عن تلفزيون السودان وعراقته وانطلاقته في مطلع الستينيات، وحدثنا عن أفكاره في تطوير الكادر البشري بالتلفزيون القومي وتلفزيون الجزيرة عن طريق العون الألماني للتلفزيون الريفي والتعليمي. هذه المحاضرة القيمة الموجزة كانت فاتحة علاقتي به وصديقي محمد الأسد. كان الراحل جاداً في عمله ومحاسبة العاملين وهو نفسه صديق لكل العاملين دون استثناء بعد أن تيقنوا من سماحة طبعه وطيبة قلبه ويكفي أن على رأس إدارة البرامج كان الأستاذ محمد طاهر ونائبه حسن عبد الوهاب. قواسم مشتركة وأحداث بعينها جمعتني بالراحل قررت أن أسطِّرها هنا لعل أن يكون فيها شيء من السلوى والعزاء للنفس تجاه الفقد العزيز.. بعد أن ترك هو التلفزيون، وتركت أنا السودان كنت أزوره كلما حضرت إلى السودان بمكتبه بجامعة الخرطوم، وفي مرة وجدته حزيناً يختزن مرارة سألته: ما بك يا دكتور؟ بعد أن صمت طويلاً ألمح لي بما يفيد تعرضه إلى ظلم من ذوي القربى من إخوتنا بالتلفزيون ذلك المرفق الذي كان قد وضع بصمته بين جدرانه في يوم من الأيام، ولما كان من أهل جامعة الخرطوم فقد شهد التلفزيون في عهده في الفترة من (1975 إلى 1981م) حركة غير مسبوقة في مجال البحث العلمي والتدريب الداخلي والخارجي، فقد أنشأ الراحل وحدة متخصصة للبحوث تتبع لمدير التلفزيون باسم السكرتارية الفنية وعلى رأسها الأستاذ عبد الله آدم خاطر، وذهبت أرتال المخرجين والمصورين والمهندسين والبرامجيين والفنيين في دورات تدريبية متخصصة إلى ألمانيا الاتحادية «سابقاً» وبريطانيا وهولندا ومصر وذلك بالاستفادة من البرتوكولات الثقافية بين السودان وتلك الدول وللأسف فإن معظم أولئك الذين استفادوا من ذلك التدريب والتأهيل العالمي هم خارج التلفزيون الآن. ترك الراحل التلفزيون في مطلع الثمانينات مفضِّلاً العودة إلى التدريس بجامعة الخرطوم وخاصة الدراسات الإضافية المتوسطة والعليا ولم يقطع صلته بالتلفزيون بل أقام جسراً أكاديمياً للدراسات العليا والمتوسطة لأعداد كبيرة من العاملين بالتلفزيون والإذاعة للارتقاء بالمستويين الفكري والأكاديمي مما إنعكس أداءً راقياً ومتميزاً في تلك الفترة. كان د. أحمد مهتماً بالفنون وخاصةً السينما والتشكيل، كان ديمقراطي الفكر، كان يؤجل استمرار صدامه بالآخرين، فقد كان متسامحاً حبوباً وإنساناً بكامل المعنى. أنعي هنا د. أحمد لكل طلابه وزملائه وأصدقائه. أنعيه للدكتور صلاح الدين الفاضل ود. الطيب ود. قرنبع وبروف شمو ود. خليل المدني، ود. الرضية آدم. أنعيه لآل الرفاعي، أنعيه لمحمد الأسد وكباشي وكباشي الآخر، وعبد الله آدم خاطر. أنعيه لعمر دفع الله وجعفر عباس وسيف الدين علي وعوض قرهوب. أنعي د. أحمد الزين صغيرون إلى الشعب السوداني، وأدعو له بالمغفرة والرحمة الواسعة. إعلامي - مخرج تلفزيوني