متى يسترد هذا الشعب وعيه ويضع حداً لدعاوى كثيفة يطلقها نفر من بني جلدتنا من حين إلى آخر ويزعمون أشياء لا تستقيم والأركان التي يقوم عليها ديننا الحنيف ولا يسندها منطق الأشياء ولا يقبلها صاحب عقل. وللأسف تجد هذه الدعاوى طريقها إلى الصحف ووسائل الإعلام فيتسع رتقها وتصطاد بسطاء كثر تحملهم صحافتنا إلى أصحاب تلك الدعاوى فتهلك أموالهم وأرواحهم وتفسد عقائدهم. لم يستقر لوعي أمتنا مقام منذ (بئر القضارف) وحتى (بئر الفتح) وما بين البئرين تنهض فاجعة وتهبط أخرى وما أن نخرج من واحدة وحصادنا منها الندم وليس شيئاً سواه حتى ننجرَّ إلى ثانية وثالثة ورابعة دون أن نتعظ. تذكرون (شائعة السلام) الشهيرة وكيف أنها ذبحت الحياء العام في بلادنا ولم يعد بعدها من وازع يمسك عن أفواهنا الكلام البذيء والفاحش وسط محارمنا وفي حضرة أطفالنا وقد عمرّنا مع هذه الشائعة شهراً كاملاً ثم انقشعت غشاوتها بكل يسر دون أن يحرك أحد ساكناً تجاهها أو نلقي القبض على الساحر أو السحرة كما كان يقول لسان حال جهلنا وهو ينشر سمومه ويتحدث عن الأرقام الفلكية للضحايا (المسحورين) وتذكرون وقتها كيف كانت صحافتنا تناصر جهلنا وهي تنقل عن المجهول أخبار انحطاطنا وغياب وعينا. وتذكرون الكلاب الضالة وكيف أنها أضلّت وعينا وأعمت بصيرتنا حتى صرنا نلهث خلف كلاب نلتقط صورها على صفحات صحفنا وتحتها أسطر قليلة توجز في الوصف بكلمات تفتح الباب واسعاً لنتخيل الكلاب وكأنها أسود وفيلة نزلت إلى أحيائنا ومدننا تلتهم العشرات فيتحول الخوف إلى سلعة تروِّج لها وسائل إعلامنا حتى يسكن أطفالنا وربما شبابنا. وتذكرون المواكب التي انطلقت تبحث عن الشفاء في مناطق عدة من بلادنا وفي أزمان متتابعة ولكنها للأسف لم تشفِ أحداً، بل قتلت العشرات وساءت حالة المئات ولا تزال دعاوى العلاج والشفاء تتردد أصداؤها وصار العشب الواحد يعالج عشرات الأمراض وانبرى للرقية من هو ليس براقٍ وتداخلت علينا الأشياء ولم نعد نستبين الصالح من الطالح. بإحدى الصحف وفي الأسبوع الفائت قرأت خبراً لأحد الشيوخ، وهو شاعر غنائي، يزعم فيه أن شجرة تبلدي بمنزله ينبعث منها ضوء في أوقات متفرقة من اليوم وأن فروع الشجرة نبتت بما يشبه تشكيل حروف كلمة الجلالة وربط الشيخ ذلك بعلاج الأعشاب والطب النبوي الذي يمارسه. ويقول الشيخ أنه فوجئ عند الثالثة فجراً بضوء شديد يغطي كافة أرجاء فناء الدار واكتشف أن الضوء ينبعث من الشجرة. وعلى ذات الصعيد فإن إمام المسجد المجاور تناول أمر الشجرة في جمعتين ناصحاً بوضع (زير ماء) أسفلها ليشرب منه الناس. انتهى الخبر. نحن لسنا ضد العلاج بالإعشاب، إن تم ذلك عبر أسس علمية صادرة من المجلس الطبي السوداني ووزارة الصحة، ولكن نحن ضد بعض الدعاوى التي قد تحوِّل صاحبها من معالج إلى شيخ تتنزل البركة منه ويعتقد فيه الناس، وما أخشاه بعد هذا النشر أن يتزاحم الناس أمام (الزير) الذي اقترحه إمام المسجد وأن تتصاعد مبيعات الشاعر المعالج ويكثر زبائنه، معتقدين لا متعالجين. الدين ليس في حاجة لمثل هذه الدعاوى وقد تجاوز الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة مثل هذه الصدف التي نلهث خلفها وتجد صدًى عندنا حين يتراجع وعينا وتتصاعد وتيرة جهلنا. قطع الإعجاز العلمي لديننا الحنيف مدى بعيداً وقد صار نموذجا لتجديد وسائل الدعوة ودخل الإسلام عبر هذه البوابة الآلاف من العلماء الغربيين حين وجدوا تطابقاً بين نظرياتهم العلمية والقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. أما نحن ما زلنا نغرق في شجرة تبلدية هذا وشجرة جوافة تلك ورسومات تظهر هنا وهناك. أمسك الشجر فيبدو أن الموضة هذه المرة (شجرتي وشجرتك) وتذكرون الشيخة التي خرجت علينا قبل أيام وهي تزعم أن ثمار شجرة الجوافة بمنزلها (المؤجر) كلها بحجم واحد ومكتوب عليها اسم الجلالة. وبالرغم من ذلك رحلت من هذا المنزل المبارك، كما تدعي، وقد طالبتها بأن تدلني عليه لإيجاره ولكنها لم تفعل.