هاتفتني صديقتي فجر الاثنين بصوت باكٍ أزعجني كثيراً وحديث غير مترابط، تتخلله آهات وسكوت وشرود، أفزعتني، وطار النوم من عيني، رغم أنني لم أنم إلا ساعتين فقط وأنا أتابع وأقلب القنوات الفضائية حول وضعية أهل ليبيا وما يفعله القذافي بهم ثم يعود عبر الإذاعات ليتحدث عن زنقة زنقة وحارة حارة وحائط حائط، متخيلاً أنه يحمي أهل ليبيا من بعض العناصر المخربة، حسب وجهة نظره التي تستبعد أن الليبيين قالوا له (لا)، وكفانا تسلطاً ونريد تحرراً والنهوض بالبلاد من خلال الثورات الشبابية التي انتظمت في العالم العربي لتنعتق من براثن الديكتاتورية. صديقتي المفضلة شتت كل أفكاري وحلمي الذي بدأنا نعيشه من أجل أوطان تتنفس حرية وتسعى للانفتاح العالمي لبداية جديدة، سألتها بعد أن هدأت واستقرت كثيراً: ماذا هناك؟ وهل من مكروه ألم بها هي وإخوانها ووالدها بعد أن فقدت والدتها بعد صراع طويل مع السرطان اللعين ووقوف الطب عاجزاً أمام هذا الداء الخطير وصارت تعاني الأمرين، خاصة وأنها بنت واحدة أمام عدد من الأولاد. ماذا هناك؟ قالت لي بأنها في زيارة لوالدتها، تدعو لها وتقرأ لها آيات من القرآن، فقلت لها ما زال الوقت باكراً، فاخبرتني بأنها لم تنم حتى أذان الفجر فخرجت، خاصة وأن كل القنوات العربية رغم الأحداث ظلت حريصة على إطلاق التهاني والتبريكات لكل الأمهات في العالم. قالت لي: خرجت وأنا أتقلب طوال الليل في الفراش وأتذكر والدتي والفراق الذي نعيشه بدونها. أخبرتني بأنها فقدت روحها ونفسها وأضحت حياتها لا معنى لها وصارت تتمنى الموت في اليوم (مئة مرة) أفضل من أن تعيش في هذا العذاب. قلت لها: رحمة الله فوق كل شيء وإن الحياة ستستمر بلا شك وإن إرادة الله فوق كل شيء، ولا بد من أن نستقر وندعو لها بالرحمة وأن نسعى لأن تكون هناك صدقات جارية لها تنفعها، بدلاً من البكاء الذي يعذبها أكثر مما يفيدها. ذكرتها بأن إخوانها ووالدها في حاجة إليها وأن نجاحها ونجاح إخوانها هو عنوان بأن والدتها قد نجحت في المسيرة. تعلقها بوالدتها طبيعي ولكن لا بد من أن تسير الأمور بشكل إيجابي. عيد الأم عنوان عريض لوفاء لكل الشعوب والأسر، وتحديداً لدور الأم الذي لا ينكره أي إنسان ولعله يحمل مضامين ومعاني وقيماً كبيرة لأية امرأة سهرت وتعبت وربت وعانت وهي تؤدي دوها على أكمل وجه، من دون كلل أو ملل، بل ابتسامة عريضة في وجهها الصبوح لتزيل عنا كل نكد وتعب وأمل بحياة قادمة أحلى وأنضر. اهتمام السودانيين على وجه التحديد أعجبني كثيراً، ويوم الاحتفال نفسه تحدثت مع عدد من المسؤولين لعقد برامج والإعداد لها ففوجئت بأنهم على ارتباط بوالداتهم للاحتفال، سعدت جداً وعلت ابتسامة على وجهي وأنا أرى هذا الوفاء والاهتمام بنساء معجونات بالحنان والطيبة والحب. غادرت إلى محلات متعددة، ومنها أماكن الحلويات لأجد صفوفاً من الناس في انتظار أخذ حلويات للاحتفال بعيد الأم، ما أجمل أن أرى ذلك وما أجمل أن أرى الاهتمام الزائد بالأم وإعطائها جزءاً بسيطاً مما قدمته لنا!!. أمي الغالية نوارة قلبي وحياتي وسعادتي وسندي في الحياه ونور عيني.. عيد سعيد عليك وعام جميل عليك وأتمنى لك الصحة والعافية، أن تظلي نوارتي لآخر يوم في عمري وعيد سعيد لكل الأمهات في السودان والعالم من حولنا، وباقه حب لأمهات الشهداء الصابرات والأمهات الكادحات، والرحمة والمغفرة لكل الأمهات اللائي رحلن عن دنيانا وندعو صادقين أن تكون الجنة مثواهن بإذن الله.