{ ونقرأ في أخبار الحوادث التي شقيت بها صحافتنا السودانية، أو قُل التي شقى بها بعض الزملاء الأعزاء الذين أفضت بهم هذه المهنة إلى معاقرة (يوميات الجريمة) والشرطة. { نقرأ منذ أيام حكاية مدهشة مؤلمة وتدعو للضحك والرثاء والبكاء في وقت واحد، ومن البلية ما يُضحك! تقول تلك الحكاية المختزنة في سطور شحيحة، أن أحدهم قد عاد من فترة اغتراب طويلة، ليجد بعض الأطفال يلهون في بيت شقيقته غير المتزوجة، ولما علم أنهم أولادها لم يملك غير أن يذبحها كالشاة! { انتهت القصة .. والقصة التي لم تبدأ بعد وصحيح أن القصة مؤلمة، مؤلمة جداً، ولكن الذي أكثر منها إلاماً، هو التساؤل المقلق، لماذا تُنشر أصلاً مثل هذه القصص؟ السؤال هنا موجّه للعقلية التي تُدير (ثقافة الجريمة)، ولائحة المستهدفين بهذا السؤال تبدأ بمؤسسة الشرطة التي تُملِّك الصحف ملف هذه اليوميات، ثم تمتد لمحرري صحف الجريمة وصفحاتها، هل تُنشر مثل هذه الجرائم المؤلمة للتسلية، أم لأنها (أخبار شباك)؟ أم تُنشر لأجل المعالجة؟. { وأتصور أن القوم يهدفون إلى المعالجة ومعافأة المجتمع السوداني، ولئن كان ذلك كذلك، فأتصور أن القصة لم تبدأ بعد، القصة الحقيقية التي أفردت من أجلها الشرطة (هذا الغسيل القذر)، والذي كان لو أنه يضعنا جميعاً، شرطة ومحررين وقراء، يضعنا في قائمة (الذين يسعون لتشيع الفاحشة في الذين آمنوا). { إذن.. القصة التي انتهت لم تبدأ بعد، بحيث أن المعالجة الحقيقية تبدأ باستنطاق حزمة من الاختصاصين، فهذا الرجل المغترب كان يبني في أرصدته المادية (قشة قشة)، وفي المقابل أن (شرفه) الذي تركه وراء ظهره كان يُنقض غزْلة غزْلة، فلما بلغ رصيده المادي ذروته، ففي المقابل قد اكتمل انهيار بيت شرفه، المال مقابل الشرف، غير أن المفارقة المدهشة، أو قل المفارقة المفزعة، تكمن في أن أموال الدنيا كلها ليس بإمكانها أن تُقيم له (بيت العز والشرف المنهار). فالمال يمكن أن يصنع بيتاً متعدد الطوابق، لكنه يعجز في أن يسترد بعض الشرف، فالشرف أغلى من المال، لهذا قد يخسر الذين يسكبون المال ويفقدون الشرف. لكن صاحبنا هذا لم تقف خسارته الفادحة في (شرف الدنيا) وعزتها وسترتها، فالمال الذي صنعه بليل الأسى ومُر الذكريات لايمكن أن يعوِّضه هذه الخسارات الفادحة! { (مؤسسة الملاذات، الجناح الفكري)، تجتهد في أن تملأ هذه الفراغات التي خلّفها نشر هذه (الجراح)، تجتهد في إقامة عمليات التطبيب والتحريض لسد كل الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى انهيار (بيت العز والشرف)، وذلك بالعلم بمآلات الأشياء، والعلم يرفع بيتاً لاعماد له والجهل يهدم بيت العز والشرف و... و... { فبطل هذه القصة، صاحب الرصيد المادي الباهظ، قد ارتكب جريمتين باهظتين، الجريمة الأولى، لما ظن أن المال هو كل شيء، فترك أهله وراء ظهره بلا مرشد وبلا رقيب وبلا هدى وكتاب منير، فهو السبب في الجريمة الأولى التي أثمرت هؤلاء الأطفال الذين لاذنب لهم. ثم بدلاً من أن يوجِّه هذا السلاح لنفسه، إذا أراد حساباً وعقاباً، فهو قد ارتكب جريمة قتل بشعة أيضاً يُسأل عنها في الدنيا والآخرة. فلا سلمت الجرة ولا كُتبت للعجل الحياة، بحسب فلسفة البصيرة أم حمد التي قالت يُذبح العجل ثم تُكْسر الجرة. { ولا أملك في خاتمة هذا المقال إلا أن أُوجِّه نداءً لمؤسسة الشرطة، فلئن كانت لامحالة فاعلة، أعني أن كانت هي ماضية في طريق (نشر غسيل المجتمع)، فليكن ذلك لأجل الاصلاح والتطبيب والاقلاع، على أن تستصحب بعض القضايا المحبطة، لمعنويات المجتمع ببعض الرؤى والنصائح من أهل المدينة والمجتمع والقانون والحياة. { مخرج .. وإلا فالستر أولى، والستر قيمة دينية شاهقة، فمن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة.