{ تكاد تغتالك الحيرة والدهشة، وأنت تقرأ في الأخبار عدد وعتاد وحجم الدول الأطلسية التي تُشارك الآن في الحرب على نظام الجماهيرية الليبية، والنتيجة لا شيء ذا بال يُذكر على الأرض سوى بعض «التناكر» المحروقة التي تعرضها قناة الجزيرة من وقت لآخر. { وقائمة باهظة من الدول الكبرى تشترك في هذه الحرب الجوية، من بينها الولاياتالمتحدةالأمريكية، فرنسا، بريطانيا، إيطاليا، هولندا، بلجيكا، الدنمارك، ورومانيا وبلغاريا والقائمة تمتد لتشمل دولة قطر، الإمارات العربية المتحدة «البغل المتابعة الخيل» كما يقول مثلنا السوداني! { وربما القصة يُلخّصها الشاعر الفيتوري، السفير الليبي السابق، السوداني الجنسية المصري الهوى والدراسة، عربي الشعر والتقاطيع الأدبية، الفيتوري الذي أنشد يوماً بأن «الغافل من ظن أن الأشياء هي الأشياء»! { أسابيع بحالها تمر على حرب حِلف النيتو والدول الأطلسية، على كتائب العقيد القذافي التي بالكاد يقودها أبناؤه وبعض مئات المرتزقة، ولا شيء يُذكر ويُحسم على الساحل والصحراء، وبدأ كما لو أن الغرب يستمتع بلعبة «القط والفار» التي تعرضها الفضائيات هذه الأيام، كتائب القذافي تسترد البريقة وتذهب باتجاه أجدابيا، البريقة تسترد الثوار، أو قل الثوار يتسوّرون البريقة ويزحفون باتجاه أجدابيا! { وحلف الأطلسي يعلم أن معالم الحياة ومقوماتها تندثر وتتراجع كل يوم في مدينة مصراتة التي تضم في أحشائها نصف مليون مواطن، لكن هذا الحلف حتى كتابة هذا المقال مجرد «متفرج كبير» على مشهد هذا الموت الجماعي الذي تتعدد أسبابه الآن في الجماهيرية، فمن لم يمت ببعض ضربات الأطلسي «الطائشة» مات بفعل قناصة ومرتزقة القذافي وكتائبه، غير أن بعضهم يموت وهو ينزف في الطرقات ولا يجد من يسعفه والمُسعفون إلى المستشفيات البائسة تخذلهم الكوادر الطبية وشح الإمدادات الدوائية، فمن لم يمت بالسيف مات بغيره! { وأغلب الظن أن الغرب لا يريد حسم هذه المعركة حتى يضمن البدائل، الغرب الآن مرتبك بفعل هذه الصيحات التكبيرية والتهليلية التي تندلع بطول البلاد وعرضها تكبيرات الساحل المدوية وتهليلات الصحراء المروّعة، وعجب لهذا الدين الذي لم يستوعبه الغرب حتى الآن، فبعد أربعين عاماً من عمليات «تجفيف منابع التديُّن» التي نفّذها القذافي وأشرف عليها الغرب في الجماهيرية، الدين يبعث من جديد، فالآن لا ترفع طوبة ولا حجر ولا مدر إلا وتنبعث من تحتها صيحات التكبير! {فالغرب لم يخرج من بيته الكبير وحلفه الشهير لاستبدال رجل قال (بعضمة لسانو) منذ أيام، إن الغرب وإسرائيل سيدفعون ثمن رحيلي عن حكم الجماهيرية، إنه العقيد القذافي صاحب أعظم وأكبر عطاء عربي قُدِّم لدولة الكيان الصهيوني، فالعقيد القذافي الذي عرض خدماته وبذل عطاياه بسخاء لكل الثورات العالمية من أمريكا اللاتينية إلى الجيش الأيرلندي، إلى حركة العدل والمساواة، لم يقدم شيئاً ولو يسيراً لحركات المقاومة الفلسطينية، بل لقد ظل وفياً ونصيراً للدولة العبرية، فعلى الأقل إسرائيل الآن تُشارك بذخائرها وخبراتها وإمدادها اللوجستي لإنقاذ الرجل الذي، أن لم تثبت بعد جذوره اليهودية، فقد ثبتت أشواقه وميوله وتحالفاته الصهيونية! { غير أن أعظم جريرة ارتكبها العقيد القذافي هي بعثرته لأموال الأمة الإسلامية، فالجماهيرية الليبية تصدر منذ عقود طويلة أكثر من مليون برميل نفط يومياً فضلاً عن الغاز. فمئات المليارات من الدولارات التي يبددها العقيد وأبناؤه في اللاشيء كان يمكن أن تكون سنداً لقضايا هذه الأمة المركزية لكنها في معظم الأحيان قد ذهبت لأعداء الأمة. { فدعك من الإخوة الفلسطينيين أو السودانيين الأقربين، فهذه النعمة لم تظهر على خمسة ملايين مواطن ليس هم سكان الجماهيرية. حيث صنّف المواطن الليبي بأنه «أفقر مواطن أغنى دولة في العالم». {لكننا، نعيب زماننا والعيب فينا، وما لزماننا عيب سوانا. فنحن الذين ذهبنا لأعدائنا لكي يخلصوننا من عدونا والأعداء يومئذ أخلاء أو قُل الأخلاء الأعداء وكان المأمول أن تكون لجامعتنا العربية أو مؤتمرنا الإسلامي «قوات ردع أممية» لتقوم بمثل هذه المهام.. { فعلى الأرجح أن «الحلف الأطلسي» سيتفرّج على المشهد الليبي لأكبر فترة ممكنة حتى تُنهك كل القدرات الليبية وتنطفئ كل التكبيرات الإسلامية، ومن ثمّ يضع الجماهيرية تحت الرعاية والرحمة الدولية، ولن يترك الغرب هذه الثورات الهائلة تحت يد الإسلاميين .. والله أعلم.