لإثبات حسن القول والفعل يشرع (د. عبد الرحمن الخضر) والي الخرطوم في تنفيذ برنامج كشف حقول الفساد مبتدئاً بألغام النفايات المترامية الأطراف في كل مكان وزمان. وزمان حينما لم يكن هناك فساد في نظام الحكومة - كما نظن - كانت الشركات تقوم مقام الولاية في التنظيف خلفنا وخلفها، وتتحمل كل ما شاءت لها الأوساخ من أوزار، وكانت العربات تحوم بسرينتها الملونة ليلاً تنبئنا في بدايات نومنا أن التنظيف قد بدأ! ولما ينتهي الصباح تكون النفايات منتشرة على الطريق بسبب سرعة العربات والرياح! وقد راح ذاك الزمان بحكم التغييرات السياسية العادية وجاء أوان أن تقوم الولاية بمهام تنظيفها بلا معين، اللهم إلا في ما يخص المناطق الثلاث الخاصة بالصفوة والأماكن الوزارية والاعتبارية. فهذه تقوم عنها الشركات الخاصة، لهذا انتبهوا في الولاية أن الخرطوم تلك المدينة العاصمة النموذجية عقب سنوات من الآن تقع في حكم الوسخة بما تمتلك من خاصية الاحتفاظ والانتشار للأوساخ البشرية والصناعية والهوائية إلخ.. وبالتحقق والتحقيق اتضح أن الشركات فاسدة كما عملها بالنفايات! وتنفي الحكومة الآن عنها صفة الفساد بكل ما تؤتى من مساحيق تنظيف بغية أن يعرف الناس أنها تحاول ولها في ذلك شرف تستحقه، لهذا تنتفض بكامل هيئاتها ونقاباتها ونياباتها بالبحث عن هدف فاسد لإطلاق صفارة الجزاء عليه. وكل جهة تسعى لأن تكون هي الأرنب في هذا السباق السريع جداً - ولا عزاء للسلاحف هنا ولو بالحكمة ! - وبذكائه المعروف وسرعته الحاسمة ولا ريب سرعته اتخذ السيد الوالي الموقف الأدق والمناسب للمكان الصحيح حيث تؤكل الكتف، فخطب في الناس عبر الإعلام أنه سيحل اللجان الشعبية - بدعة الكتاب الأخضر الليبي ! - وسينزل الخبز المدعوم للبطون خلال أسابيع قليلة، والأهم سيقوم بالتنظيف وسيبدأ أولاً بشركات النظافة التي وسخت الخرطوم وكنزت مالاً متسخاً - وللأجنبي تعبير جميل في ما يتعلق بالمال المتسخ حيث يوصف به مال الرشوة سبحان الله ! - ونحن لا يهمنا البحث عن كنوز البحر المخفية تحت أسماء مستعارة لن تفضي التحقيقات فيها إلى شئ، لكن بالطبع يهمنا البحث عن الأوساخ تحت الأكياس والخيران والمباني وإزالتها حتى لا تفضي إلى الأمراض والروائح الكريهة. فما أكرهنا عليه طوال السنوات الماضية ولم ينفك الناس من الشكوى فيه كتابة وصراخاً ونكاية هو دفع رسوم النفايات للمحليات والتي فسادها أوقع من الشركات الخاصة! فالمتحصلون لتلك الرسوم هو مأمورون وليس كما يحاول "المتنفذون" الأعلى جعلهم كباشاً للتضحية الوظيفية، فمن الذي يراجع كعوب الفواتير الخارجة تحت ختم وزارة المالية للمحلية المعنية؟ أليس هناك مسؤول عنهم؟ كبير متحصلين أو ضابط إداري أو ربما ضابط صحة؟! وأين تذهب كل تلك الأموال لتظل الأوساخ على ما هي عليه حتى شهر قادم؟! إن قدم التغيير بالتظاهر موضة العواصم العربية لن ترتديها أحذيتنا لسبب بسيط جداً أن التغيير ليس في النظام بقدر أنه في اختراقه لنا في حياتنا كما أريد له. فإذا أردنا ان نغير يجب أن نبدأ بأنفسنا أولاً بأن نضع النفايات في أماكنها المخصصة بالتراضي بين سكان الحي، أن نرفض تماماً تحصيل رسوم نفايات متروكة بلا تنظيف، أن نتخذ موقفاً موحداً باحترام مساحات غيرنا وعدم التوغل بالأوساخ بحكم أننا مسنودون من نظام أو لدينا قريب في الحكومة كما يفعل كثير من الأهالي في الأحياء. وفي حي النبي الكريم (محمد صلى الله عليه وسلم) وردت قصة اليهودي الذي ينفق وقته في إحاقة الأذى لبيت الرسول الكريم عليه السلام كل يوم. وهو بيديه الكريمة يزيلها عنه بلا إساءة أو حديث، حتى جاء يوم لم يجد الأوساخ أمام بيته وبسؤاله علم أن اليهودي مريض فعاده مطمئناً على صحته! - والقصة معروفة منذ بداياتنا التعليمية لمعنى الإسلام السمح وبنهايتها السعيدة بإسلام اليهودي الفظ - . فمتى سنستيقظ بصباح نظيف لا توجد فيه أوساخ على باب بيوتنا وشوارعنا وحينا؟! حسنا، ولن نسأل عن المحلية طبعاً يا سيدي الوالي!!