وبينما السكون يغطي على سواحل البحر الأحمر رنّ جهاز الهاتف في أحد المنازل المتاخمة لحي (سلالاب) الذي يقع على ساحل مدينة بورتسودان، كانت الساعة تقترب من السابعة والنصف مساء الثلاثاء، تلقت أسرة المواطن عيسى أحمد هداب أو (عيداب) كما يطلق عليه مكالمة منه يطمئنهم على أحواله ويخطرهم بمواعيد وصوله للمنزل، لم يكن الرجل ذو الملامح الشرقاوية يدرك أنه بهذه الأهمية والخطورة لتتبع خطواته دولة كإسرائيل وتلقي عليه من طائراتها ثلاثة صواريخ، وبعد نصف ساعة فقط وفي تمام الساعة الثامنة مساء ودقيقتين قصف الطيران الإسرائيلي السيارة (السوناتا) التي كان يقودها (هداب) وعلى يمينه شخص آخر يسمى جبريل برجوب، فاحترقت جثتاهما بالكامل لدرجة التفحم، لم تكن الأسرة تعلم مصيره ولا مصير صاحبه حتى صباح اليوم التالي عندما أبلغتهم الأجهزة الرسمية بما جرى، الشئ الذي أصابهم بالفزع والدهشة، ولكن بالرغم من ذلك سادت حي (سلالاب) حالة من الحذر ولم يشاهد المواطنون أي سرادق عزاء. تضاربت الروايات بخصوص ما جرى، ولكن أقربها للصحة هو ما أعلنه شهود عيان ل(الأهرام اليوم)، وهو أن السيارة التي تم استهدافها كانت تسير بسرعة اعتيادية، وعلى بعد (5) أمتار منها كانت تطوي الأسفلت سيارة أخرى، لكن المثير في الأمر أن سائق السيارة الأمامية شاهد عملية الاحتراق في (المرآة) الزجاجية كأنه يشاهد فيلماً أمريكياً، ولم يلتفت مباشرة فقد حسب الصوت مجرد انفجار في الإطار، ولكن بعد ذلك أدرك أنها عملية هجوم عسكري بعد أن رأى النيران تشتعل، لم تصب أي من السيارتين الأمامية أو الخلفية بأي ضرر، مما يعني أن التصويب كان دقيقاً، وقد أدرك شهود عيان أن السيارة المستهدفة كانت مراقبة ومطاردة منذ عصر اليوم. وبعيد أن تمت مراجعة سجلات السيارة السوناتا لدى الشرطة اتضح أن صاحب العربة هو نفس الشخص الذي أوردنا اسمه أعلاه، وفي الحال تم تشكيل لجنة تحقيق من المباحث والتحقيقات الجنائية وجهاز الأمن والمخابرات الوطني لتولي التحري في الحادث، وتم إغلاق الطريق المؤدي لمكان الحادث، وأخذت عينة من الجثث لمعرفة هوية الشخصين وطبيعة السلاح الذي استخدم في تدمير العربة، وهل ثمة صواريخ أخرى لم تنفجر. المعلومات الأولية غير المؤكدة أشارت إلى أن أحد المتوفين على علاقة بقضية تجارة الأسلحة، وأنه من الشخصيات التي ترصدها إسرائيل منذ فترة وهو يعمل في تهريب الأسلحة، مع العلم أن إسرائيل ترصد مجموعة من الأشخاص بأسمائهم يعملون في تجارة تهريب الأسلحة لقطاع غزة بعضهم عرب وبعضهم أفارقة - بحسب ما أوردت الصحف الإسرائيلية - وبالرغم من أن الحادثة كانت على بعد (15) كيلومتر من مدينة بورتسودان ومع المدخل الرئيس لشارع المطار إلا أن المعلومات أشارت إلى أن السيارة لم تكن قادمة من المطار، ولم يكن من بداخلها في انتظار قادم مجهول جاء محمولاً على طائرة سودانير التي هبطت في ذات الوقت على مدرج مطار بورتسودان، وإنما كانت السيارة قادمة بالبر بعد عملية مطاردة استمرت لساعات. مصادر الصحيفة أشارت إلى أن الجثث المتفحمة لم تسلم إلى ذويها وهي تقبع في مشرحة بورتسودان بعد أن أخذت منها عينة للفحص أرسلت للخرطوم. نائب رئيس المؤتمر الوطني بولاية البحر الأحمر محمد طاهر حسين قال ل(الأهرام اليوم) إنها المرة الثالثة التي تستهدف فيها إسرائيل أبناء شرق السودان، وأضاف أن الاعتداء مرفوض ومستنكر وهو اعتداء على دولة ذات سيادة، ولكن مجرد الحديث عن أن الأشخاص المستهدفين ينتمون إلى حركة حماس أو إيران فهو أمر غير صحيح، ومضى حسين إلى أن هنالك شخصيات تقوم بعمل إستخباري لصالح إسرائيل، وقال إنهم يتواجدون في الساحل، وأعرب عن قلقهم من انتشار تجارة الأسلحة في الإقليم، ولكنه استدرك قائلاً: (البحر الأحمر معبر للسلاح وليس سوقاً له)، وأضاف أن واجبهم يحتم عليهم مكافحة تجارة السلاح، ودعا السلطات لتطويق الخناق على تجار السلاح في المنطقة، وقال إن مثل هذه العمليات غير المبررة تهدد أمن المواطنين وتثير الرعب وسطهم، ونبه إلى أن إسرائيل بهذا العمل الهمجي تكون قد أعلنت الحرب على السودان، وزاد بأنه لا يتوقع أن يتكرر مثل هذا الهجوم، نافياً بشدة أن يكون أهل بورتسودان يعملون في تجارة السلاح. وقال إنهم لا يعرفون السلاح وانما يسمعون به مثل غيرهم، ولكن كل مناطق الساحل مستباحة، واستغرب كيف بسيارة صغيرة أن تهرب السلاح إلى غزة، وقال إنه لا توجد أدلة تشير إلى أن الأشخاص الذين تم استهدافهم أمس الأول لهم علاقة بتهريب السلاح إلى قطاع غزة وختم حديثه بأن هذا الهجوم وحد الجبهة الداخلية لأبناء الشرق جميعهم مؤتمر وطني ومؤتمر بجا وأحزاب أخرى. رواية أخرى قالت بأن الرجلين اللذين قتلا في الهجوم كانا يرتديان أزياء أبناء الشرق، وكانت السيارة التي يملكها أحدهما في طريقها من ولاية كسلا إلى مدينة بورتسودان حيث يقطن أحدهما، ولكن وسط فيض الروايات المتقاطعة تبقى الحقيقة الكاملة كامنة في طي المجهول حتى وأن تكشفت المعلومات الأولية بخصوص الضحايا.