يتميّز السودان ومنذ القدم بالعديد من الثقافات والمورثات إضافة للعادات والتقاليد، كل هذا أسهم كثيراً في تميُّز المرأة السودانية على نطاق واسع بين الشعوب الأخرى،حيث عُرفت بارتداء الثوب السوداني، وتخضيب الأنامل والقدمين بالحناء، بجانب أنها عُرفت بعادة (المُشاط) وهو تضفير الشعر بأشكال مختلفة. وكانت ولا زالت تمارسه على الرغم من ما طرأ عليه من تطوير بتغيير الكثير في أشكاله وأنواعه وطقوسه الشهيرة. «الأهرام اليوم» جلست إلى الحبوبة الخبيرة حاجة (أبو زلازل) لتحدثنا عن (المشاط) السوداني الجميل. فقالت: يُقال إنه بعد دخول المسيحية السودان وفي مملكة دنقلا ظهر المُشاط في شكل ما يُعرف ب«الفقيرية» وهي شق الشعر لأربع وتقسيمه وتضفيرالجزء الخلفي وتسريح أو تضفير جانبيه وذلك في شكل «صليب» أي أنها توضح أن المشطة السودانية أصلها آتٍ من الشمال. وكما يقول القدماء المشاط أخذ أيضاً من الفراعنة مثلما جاء السودانيون بالكثير من العادات والثقافات الفرعونية كالحناء والبخور والدلكة وغيرها من زينة المرأة .. وأبانت أنه بعد ذلك انتشر وكان لمعظم القبائل في السودان مشاط معيَّن يميز المرأة التي تنتمي للقبيلة المعينة مثله ومثل «الشلوخ».. وزادت الحبوبة أن من أسمائه وأنواعه القديمة «الشَّتَح» وهو تمتشّطه النساء في قبيلة الشنابلة. و«القُصة» عن العرب البقارة بجانب أشكال مختلفة منها (المساير) ولكنها صممت لتستعيد بعد أنواعه القديمة فلم تفلح. وأضافت أن «السودان قفل» وهي مشطة شهيرة لم تكن معروفة قديماً بهذا الاسم، بل أن المرأة التي يتوفى عنها زوجها كانت تمشِّط شعرها للوراء. فعُرِف ب(السودان قفل). وعن تزيين المشاط أوضحت زينب عبد الماجد أنه قديماً كان يُزيّن حسب القبيلة والمنطقة التي تتوفر فيها أنواع زينة الشعر. فأبانت أن مشاط الهدندوة يُزين بالحُلي والسُّكسُك، والبقارة يُزيَّن بالسُّكسك ويُدهن بما يعرف ب(العلكة) وهي تؤخذ من خلية النحل ويتم وضعها على رؤوس الشعر «الممشَّط» في مساحة صغيرة جداً. وقالت إنه يُستخدم في الرقص لديهم و(الشبَّال)، كما يعمل على حفظ الشعر من الجفاف والتساقط. وأضافت أن النساء في الغرب يُزيِّنَّ شعورهن «بالودع» كما يُعرف بمشاط الدهباية». وفي السياق عادت بنا الحبوبة «حجة» إلى أن طقوس المشاط في السابق كان لها برنامج حافل تُجهّز له متطلباته من الشعر المستعار مثل «الجورسي» وهو نوع من الحرير إضافة (للسلة) التي أتت حديثاً بعده. وأضافت أنه قديماً كان يُستخدم «صوف الأغنام» في المشاط. والتي تقوم بعملية المشاط تسمى (الماشّطة) وهي تكون محترفة وتجيد المُشاط بصورة جيدة وكانت لها مكانتها الاجتماعية بين النسوة والأسر، كما كان يُحتفى ويحتفل بها لأنها تُزيِّن الشعر وتُكرّم بالذبائح والهدايا القيِّمة. وإذا لم توجد يُجهَّز لها مالذَّ وطاب من الأكل كالشيّة والمرارة واللقيمات والشاي وتُهدى البخور والعطور والثياب عند عودتها لبيتها لأن المشاط كان يستغرق ما يُقارب الثلاثة أيام لتضفيره دقيقاً ومتراصاً.. من جانبها تقول الحبوبة بخيتة الأمين إن العروس السودانية قديماً كان شعرها يُمشَّط عكس الحاضر، وكانت تُجلب لها (ماشَّطة) متخصصة لتقوم بذلك في احتفال مُهيب يسمى «شق الشعرة» على أنغام الدلوكة والزغاريد وأغاني الفتيات وسط أجواء الفرح. وأوضحت حبوبة بخيتة أن (شق الشعرة) كان يستخدم فيه عود من الصندل بعد (بريه) مثل القلم لاستخدامه في شق الشعر وكانت تقدّم له الدعوات. وأضافت أن المقتدرين والأثرياء كانوا يشقون الشعر «بالذهب» بمرواد يشبه الذي يستخدم في الكحل ، وأكدت أن العروس تمتشط بالجورسي مهما كان شعرها طويلاً حتى يصل أسفل ظهرها.. وأوضحت أنه بعد مشاط شعر العروس يُزيَّن بقطع من الذهب أو يُغطى بطاقية من (الجنيهات وأنصاص الذهب) المعروفة لدى السودانيين مع (الفِدوْ والزُمام أبو رشمة) كما هو معروف في الجرتق السوداني وزينة العروس. وعن فوائد المشاط تقول ماما «عزيزة» إنه يطوِّل الشعر وذلك بعد دهنه بزيت (الكَرْكَار) المصنوع من (الودك) وهو شحم الضأن أو البقر بوضعه على النار وغليه بالعطور والروائح الجافة كالصندل والمحلب والقُرنفل وبالإضافة للزيوت النباتية مثل زيت السمسم والفول السوداني. وللمحافظة على الشعر الممشَّط وحمايته من الأتربة يجب تجديده كل فترة ليكون جميلاً. وفي إحدى صالونات التجميل «الكوافير» أضافت حنان «ماشَّطة» بأن المُشاط اختلف عن السابق وجاءت تشكيلات جديدة أغلبها وافدة من إثيوبيا، وظهرت بمسميات مختلفة منها (الشبكة، والبرش، والفراشة، والحبشي، المتاهة، والشتات)، مبينة أنها مرغوبة جداً لدى الفتيات والمتزوجات معاً. ويكون موسمها في الأعياد والمناسبات، وأن أسعارها تتراوح ما بين ال 20 إلى 60 جنيهاً تمشط بالشعر المُستعار و الملوَّن حسب الذوق وتقوم بجلبه الزبونة. من جهتها قالت عواطف محمد «ماشَّطة» إن للمشاط احتياجاته ومقوِّماته ومنها السرعة وتوفير الكاتلوجات التي تحمل أجمل وأشهر أنواع الماشطات وأشهرها «البوب مارلي» نسبة لملك البوب المغني، ومشاط البنسل الإفريقي والجاميكي. وقالت إن معظمها آتٍ من إفريقيا ومرغوب عند السودانيات. وتحسَّرت عائشة (ماشطة قديمة) للزمن الذي كانت تأتيها النساء في منزلها وقالت: الجديد والكوفيرات دثرتنا وأخيراً يلاحظ أن المشاط أضحى موجة منتشرة عالمياً خاصة في أمريكا وإفريقيا وأصبح الرجال يلجأون إليه خاصة لاعبي كرة القدم وأهل الفن وأبرزهم «دروغبا» وكانو واسنوب والمغني كريك ديفيد.