مساحة من الحوار على شرف ذكرى 6 أبريل «الانتفاضة الشعبية»، جمعتنا بالأستاذ إدريس البنا؛ نائب رئيس مجلس رأس الدولة السابق، عضو التجمع الوطني في ذاك الزمان، حوار تطرفنا فيه لعالم الأمس واليوم من حيث تداعيات السياسة , تناولنا فيه راهن العمل المعارض والدعوات للتغيير، ونقّبنا فيه حول تاريخ انتفاضتي السودان، الرائد في رفع شعار التغيير والسابق للربيع العربي بعقود طويلة. كما تطرقنا فيه لعمل توثيقي حول اندلاع الهبّة الشعبية في أبريل، وأسباب الفشل التي حاقت بثورتي السودان من قبل. هذه القضايا وغيرها كانت محور أسئلتنا لنائب رئيس مجلس قيادة الثورة السابق.. معاً نطالع إفاداته: { ماذا تقول عن اعترافات اللواء «م» عبد الرحمن فرح وردود الصادق المهدي عليه؟ - لا أفهم لا منطقاً ولا جدلاً الحديث الذي انطلق الآن بين عبد الرحمن فرح والسيد الصادق المهدي حول مسألة أصلاً لم نسمع بها ونحن في رئاسة مجلس قيادة الدولة أو في السلك السياسي عموماً. فمجلس رأس الدولة في الديمقراطية الثالثة كمسؤول عن السيادة وقائد أعلى للقوات المسلحة، لم يسمع إطلاقاً بمُخطَّط يستهدف اغتيال قرنق ولم يكن هذا هو مسلك الديمقراطية الثالثة ولا نهجها. { هل الديمقراطية التي عُرِف بها الصادق المهدي وشخصيته تشبه هذا القول؟ - هذه ليست من طبائعة التي نعرفه بها ولا جزء من تركيبته، فهو لا يعرف الاغتيالات، بل وديمقراطي أكثر من اللزوم. { بالعودة إلى الوراء ولقياس درجة الديمقراطية عند الصادق المهدي وأنت كنتَ من المقرَّبين له فعندما جاءت مايو الحمراء أطلق الشيوعيون في الساعات الأولى لحكمهم شعار « لا تحفُّظ بل إعدام»! فهل بادلهم الصادق بعد ذاك نفس الضغينة؟ - لا.. بل عاملهم معاملة كريمة طوال فترة الديمقراطية الثالثة، ولننظر الآن لعلاقته بمحمد إبراهيم نُقُد القوية والحميمة، فلم يقف ضد الشيوعيين في يوم من الأيام، بل بالعكس عمِل على تشجيعنا على مقارعة ومصارعة الإسلاميين بعد أن شاركوا في حكم مايو بعد المصالحة الوطنية. ونحن كان مطلوب مننا أن نُعارض هذا الاتجاه. فالصادق المهدي حرص جداً على ألا يقع في خطأ وهو لا يعرف اللؤم. { باعتبارك رئيساً سابقاً للجنة المسيحية الإسلامية في نهاية الثمانينيات، كيف تنظر لدولة الجنوب القادمة من هذه الزاوية؟ - إلى الآن هذه اللجنة لو وجدت فرصتها فهي الأجدر بأن تحل مشكلات هذه البلاد، وأنا حتى الآن علاقتي بهذه الطوائف قوية جداً والقوة هنا مستوحاة من قُدسية الأديان خصوصاً الكنيسة الشرقية. {دولة الجنوب ستنطلق يوم 9 يوليو القادم. ماذا أنت قائل هنا؟ - 9 يوليو هو انفصال سياسي لكنه لن يكون انفصالاً جغرافياً وشعبياً، وتوقُعاتي أنه بالرغم من قيام الدولة إلا أن الوحدة قادمة في شكل من الأشكال. فما يقوله الآن ياسر عرمان ومالك عقار وغيرهم هي إشارات نحو الوحدة. { لقد ذكرت لنا في حوارات سابقة أن الحركة الشعبية ظلمت منصور خالد بل وهمَّشته. ما هي مدلولاتك على ذلك؟ - منصور خالد كان مرتبطاً بجون قرنق وعندما رحل الأخير حدث له تهميش واضح، فظهر الآخرون في المشهد السياسي وغاب ظهوره، والحركة الشعبية مضت كثيراً في طريق تهميش الآخرين لدرجة وصلت إلى حد تهميشنا نحن أيضاً وهي إلى الآن لم تُسجِّل أي وقفة ولا انتباهة للمجموعات التي أتت بقرنق للسلام بدايةً، فالتجمع الوطني الذي كُنا فيه وكان يضم د. خالد ياجي والواثق كمير وتيسير محمد أحمد وآخرين وهم أول من التقوا بقرنق وعُقدت العديد من اللقاءات أسفرت وقتذاك عن اتفاق كوكادام، فالرغبة في انفراد الحركة الشعبية جعلها تدير ظهرها للسياسيين الآخرين. ولكن أقول إن الظروف الحالية والقادمة التي سيواجهونها ستجعلهم يُغيِّرون من هذه النظرة التهميشية والاقصائية للآخرين. { كيف تنظر لموقف فاروق أبو عيسى من حيث المعارضة والوقوف في الخط الأمامي على الدوام هنا؟ - بالتأكيد هو عانى كثيراً من النضال في حياته منذ عهد الاستعمار ولم تكن له قناة حتى الآن، وما يُقلقني أنه مازال يسير في طريق النضال على الرغم من تقدُّم العمر، فأنا أقول له لا بد من استراحة قليلة للمناضل ولا بد من الهُدنة، وأقول له كما قلت سابقاً نحن وأنت هرمنا ولا بد من أن نسعى جميعاً للتصافح وجمع الناس. { كيف تنظر لعودة مبارك الفاضل لحزب الأمة ؟ - أنا أعتقد أن الخطوة هذه أولاً وأخيراً هي إيجابية بالنسبة لمبارك الفاضل، فأنا أعتقد أن العلاقة الأُسرية تُحتِّم ارتباط آل البيت الواحد، ولقد سعدتُ جداً بهذه العودة وكنا باستمرار ننشد ونأمل هذا التقارب، فمبارك الفاضل هو سياسي ذكي وليست له عنصرية بل هو قومي من الطراز المتقدم، ولذلك أقول أنه مُفيد لحزب الأمة والأنصار. { من ناحية عامة، كيف يستقيم أمر الديمقراطية والمؤسسية داخل الأحزاب والتي كانت مفقودة في الأداء الحزبي عموماً بالبلاد ولا زالت؟ - إذا وافق أهل المؤتمر الوطني على الحريات وفقاً لنُظُمنا القديمة فسينصلح حال الأحزاب هنا. { ما هي وجهة نظرك في حل مشكلة أبيي لا سيما وأنت كنت مشرفاً على أكبر اتفاقية تمت في السابق بين المسيرية والدينكا في ما يُعرف بالصلح الشهير؟ - الحل يكمن في ترك الأمر برمته للمسيرية والدينكا فهم الأقدر والأجدر على الوصول إلى حل دون أي تدخل محلي أو إقليمي أو دولي. { هل أبيي جنوبية أم شمالية؟ - أبيي قطعاً هي شمالية والكل يعرف هذه الحقيقة، وأدعوا الكل إلى أن يعودوا إلى ذاك الصلح الذي تم في العام 1988م بين المسيرية والدينكا في منطقة المجلد. { طالما نحن نتحدث معك أيضاً حول 6 أبريل الذي مضى فلماذا لم تمض المصالحة الوطنية في مايو كثيراً ولم تُطيل من عمر نظام جعفر نميري؟ - لم تكن هناك مصالحة وطنية بالمعنى المطلوب، بل كانت مصالحة فردية بدأت بجعفر نميري والصادق المهدي إلا أن نميري أخلّ بمضمون الاتفاقات وتمسَّك بموقفه وأجهزته السياسية التي يُمثِّلها الاتحاد الاشتراكي للدرجة التي جعلت الصادق المهدي يغادر قطار المصالحة مع مايو سريعاً. فنميري لم يكن جاداً في التصالح السياسي. { كيف تنظر للتغيير الذي تم في مصر «ثورة 25 يناير»؟ - أتمنى للتغيير الذي تم في مصر أن ينجح خاصة بعد التعديلات الدستورية التي تمت هناك ووافقوا عليها عبر الاستفتاء. { مشكلة الجنوب هل أفرغت التغيير الذي حدث بعد فترة حكم مايو من محتواه؟ - حقيقة الذي أضرَّ بغايات وطموحات ثورة 6 أبريل الشعبية والتي اقتلعت نظام مايو، هي الحرب الضروس التي شنَّها جون قرنق وحركته الشعبية في ذاك الزمان ولم يتوقف. { بعد نهاية نيفاشا هل تتوقع عودة الحرب من جديد؟ - نيفاشا أدت مهمتها ولا وجود لفكرة حرب بين الشمال والجنوب مرة أخرى. فكل المعطيات المحلية والإقليمية والدولية لا تُساعد ولا تشجِّع على ذلك. { ما هي النصائح التي تُريد إرسالها للقوى السياسية الآن؟ - حقيقة لا بد من سعى يستهدف استنهاض قوى المجتمع بكلياته، وهنا نكرر بل نقول مطلوب وبشدة تحريك الدعوات المخلصة من كرام الحادبين على الوطن، وأنا هنا على أتم استعداد للمشاركة والإسهام في هذه الحملة الوطنية القومية الجامعة التي يجب أن تُشارك فيها كل القوى السياسية والتيارات دون إقصاء أو إبعاد أو تهميش، وأن نتواثق جميعاً على ضرورة أن تسمو الوطنية فوق الحسابات السياسية، فلا نريد شكوكاً ولا شحناً عاطفياً مضاداً ولا محاولة للتباطؤ في مجابهة التحديات التي تواجه الوطن حتى نُمكِّن البلاد من العبور بنجاح، فمن مصلحة الجميع الإتفاق والحوار والتشاور في إطار دعم وتعضيد خطوة الدعوة للكلمة الجامعة كمقصد وغاية سامية ومن هنا أدعو القوى السياسية المعارضة لقبول دعوة الرئيس البشير للمشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة، فلا وقت للتمزُّق ولا التشتُّت ولا الخلاف دعماً لاستقرار البلاد.