أصبحت كلمة الثورة تعني الآن في مصر ثورة 25/ يناير 2011م التي فجّرها الشباب ثم انخرط فيها الشعب بكامل فئاته وما زالت مستمرة. وكان من المحطات المهمة في مسيرة هذه الثورة إجبار الرئيس حسني مبارك على التنحي في 11/فبراير الماضي، ثم تحديد إقامته في شرم الشيخ ثم حبسه فترة أسبوعين تم تجديدها على ذمة التحقيق. وقبل 25/يناير كانت كلمة الثورة تعني في مصر ثورة 23/يوليو 1952م، وهي أصلاً انقلاب عسكري نفذّه الضباط الأحرار وحاز على تأييد غالبية الشعب، خاصة بعد تأميم قناة السويس عام 1956م، وكان من الإنجازات المهمة التي حققتها هذه الثورة إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية. ومن الغريب أن الرئيس السابق محمد حسني مبارك الذي جاء إلى الحكم في أكتوبر 81 مستنداً إلى شرعية ثورة 23/يوليو 1952م وحرب أكتوبر 73 شرع في هدم هذا الإنجاز الكبير المتمثل في إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية بالعمل على توريث الحكم لابنه جمال. وقبل 23/ يوليو 1952م كانت الثورة في مصر تعني ثورة 1919م حين هب الشعب المصري ضد الاحتلال البريطاني وأصبح الأزهري المحامي الخطيب سعد زغلول واحداً من أهم رموز تلك الثورة وقادتها وارتفعت شعبيته هو وحزب الوفد وقد كان رئيسه وأحد كبار مؤسسيه إلى الدرجة التي كان يقال فيها لو رشح الوفد حجراً لفاز. ثلاث ثورات لها قدرها الجليل ومكانتها العالية في مصر والعالم العربي وحظيت الأخيرة أي ثورة 25/يناير بإعجاب عالمي غير مسبوق وقدمها البعض على ثورة فرنسا التي اندلعت عام 1789م وعلى الثورة الشيوعية التي قادها في روسيا عام 1917م لينين ورفاقه. واهتممنا هنا في السودان اهتماماً خاصاً بالثورات الثلاث بحكم علاقتنا الأكثر خصوصية مع مصر، فقد كان المعلمون السودانيون يتابعون من خلال الصحف والمجلات ثورة 19 وكانوا ملمين بأدق تفاصيلها وكان بعضهم يحفظون خطب سعد زغلول ومكرم عبيد ورفاقهما. وكان السودانيون في الخمسينيات والستينيات يتابعون معجبين وناقدين أخبار ثورة 23/يوليو وقائدها جمال عبدالناصر وكانوا يسمعون ويستمتعون بخطبه المذاعة في الراديو. ثم تابعوا هذه الثورة الأخيرة من خلال الفضائيات، وليس ذلك كثيراً على مصر أم الدنيا، وأم التاريخ. لقد كان الانقلاب العسكري الذي حدث في يوليو 52 مختلفاً بتأثيراته عن كل الانقلابات التي حدثت قبله وعن تلك التي وقعت بعده. والثورة المصرية الشعبية عام 1919م، والثورة الحالية، ثورة 25/ يناير كلتاهما تحظيان بدرجة عالية من التميز والتأثير وهو أعلى في حالة ثورة 25/ يناير التي ما زالت مستمرة في محيط مكتظ بالأهوال والمخاطر والمجهول.