تكرهه أو تحبه، هو الدرع الواقي الوحيد لأن يكون طفلك مقترباً من صفوف العافية، ومفارقاً معسكرات المرض. فالتطعيم لم يعد ترفاً تمشي إليه الأم الأكثر فراغاً من العمل المنزلي أو زيارات الجارات وأعمال الحنة ومستلزماتها. بل هو واحد من ملزمات الأبوة والأمومة.. ولكن ليس كأن تختار له أفضل روضة ناطقة باللغة الإنجليزية، أو أكبر لعبة تطابق مواصفات الماركات العالمية كما يشاهدها على (سبيس تون) أو (إم بي سي3) أو أجمل زي للعيد - وأحلى عيد ميلاد - إنما أن تختار له كيف يحيا بشكل صحي. فالصحة حينما كانت تعرف بأنها تاج على رؤوس الأصحاء، يريده المرضى، كانت لا علاقة لها بالتطعيم إطلاقاً بشكل تاريخي، يبين متى قيلت هذه الجملة، ومتى جاء اللقاح ليغير مسألة الحفاظ على الأجساد سليمة برؤوس لا تتعاطى من التاج دون بقية لباس العافية! وذلك بحصول الفرد في فترته العمرية الأولى التي تتشكل فيها خيوط دفاعه المناعي، على اللقاح الذي يعزز مقدرته على مقاومة الأمراض المعنية. فحفظنا عبر صوت السيدة الفنانة (سمية حسن) ستة أمراض تخص تلك الفكرة باعتبارها الأشد وطأة على جسد الطفل والأكثر فتكاً بالأرواح وهدماً لتيجان الرؤوس. وعرفنا أن رأس الحية في تلك السلسلة المرضية هو الشلل - بحسب معرفتي - حيث لا شفاء منه أبداً فإما أن يقتل وإما أن يشل الطفل فيصبح لا حول له ولا قوة. لكن قوة القدرة الكامنة في المصل بمحاربته لا تفوقها جميع محاولاتنا لحماية الأطفال بمنعهم من اللعب في الأتربة وإبعادهم عن كل الميكروبات وتنظيفهم بالمطهرات والمعقمات - حتى تصبح رائحتهم كبلاط المستشفيات! لهذا تنفق وزارة الصحة عبر برنامجها الموسع للتحصين كل ما لديها من قدرات وعقول لتنفيذ حملات تتعلق دائماً بتنشيط الجرعات السابقة للشلل وملحقاته من أمراض، لأسباب ترتبط بالوافد من الأنفاس والنفوس. فطبياً إن حالة شلل واحدة يمكنها أن تغرق في عدواها الآلاف بسرعة انتقاله وخبثه في الاختباء خلف هشاشة الخلايا المستقبلة بعدم وجود مصل وقائي يحميها. والحمية الوظيفية التي يمارسها العاملون ببرنامج التحصين الموسع عبر كل هذه الحملات - بدأت حملة أخرى بالأمس وحتى الثامن والعشرين من هذا الشهر - والناشطون في مجال صحة الطفولة والأمومة بشكل رسمي أو طوعي، تتركز تماماً في تعاطيهم للخروج والدخول ببرامج منتظمة يومياً لمحاولة صناعة ما يكفي من التيجان لرؤوس الأطفال والأمهات - حيث إن مؤشر وفياتهن يرتفع بقلق أيضاً نسبة لمرض التيتانوس القاتل!- عبر تجميع الحقن والحبوب في أطراف وأفواه الأطفال، وبالحصول كل مرة على امتياز لقاح جديد (حالياً الروتا للإسهالات) ومحاولات صناعة شراكات فاعلة للتمكن من استجلاب ونشر لقاحات أكثر للقضاء على وبائيات أكبر. وبتفعيل الإعلام الإيجابي ليكون داعماً للفكرة إنسانياً وليس حكومياً. وهو كحكم الضرورة الذي يجب أن يحفزنا نحن لنتخلص من فائض الشحوم والدهون في العقول والأولويات ونتبع ذات الحمية، لكن باختلاف مقاسات الأحذية، فمن يمتلك مصنعاً للوجبات الخفيفة للأطفال يستطيع أن يشتري لهذا المشوار حذاءً أغلى من الذي يكتب في صحيفة يومية! ومن يمتلك حق البث الفضائي يستطيع أن يرتدي حذاءً أوسع من مقدم برامج أو معد فقير الفكرة.. ومن يمتلك فائض وقت ورأساً يستطيع أن يقنع كثيرين جداً من هذا الشعب بأن الحصول على التطعيم المجاني وبفتح الأبواب لحملات التطعيم التنشيطية، هو حق ييسر للطفل أن يمشي مرفوع الرأس باللقاح الصحيح الذي يجعل زينته ترصع خلاياه وكرياته البيضاء وجهازه المناعي بتيجان العافية، ليكون ملكاً/ أو ملكة لكن من غير تاج!