أخيراً جداً وعقب ما يقارب العشر سنوات أعلنت أمريكا نهاية المسرحية التراجيدية الاستخبارية التي هزت العالم وكلفته عشرات الآلاف من قتلى حروب الإرهاب وكلفته كذلك ملايين المليارات التي أهدرت في هذه الحرب القذرة التي نفذتها بجدارة الاستخبارات الأمريكية التي ظلت تتلاعب بكل العالم، دوله وبشره، وتستخدمهم كفئران التجارب دون أن تطرف لها عين، وقبل أن نشرح قضية هذا التلاعب الاستخباري والفبركة التي أعلنت بها أمريكا مقتل الشيخ أسامة بن لادن لا بد من الرجوع أولاً إلى فك غموض أحداث (11 سبتمبر) التي ما زال العالم يقف مرتاباً لمعرفة «من وكيف» نفذت تلك الأحداث، فقد ذهبت الإدارة الأمريكية مباشرة وبعجلة مريبة ونيران الحادث ما زالت مشتعلة، ذهبت مباشرة إلى اتهام تنظيم القاعدة وشرعت مباشرة في إعلان الحرب على التنظيم وأماكن وجوده خلال يومين من الحادث ودون وقبل أن تفتح أي تحقيق، ويذكر الناس أن المخابرات الأمريكية أعلنت بعد يوم واحد من الحادث قائمة بها (11) شاباً قالت إنهم هم الذين نفذوا ذلك الهجوم بعدما يبدو أن (الجن) الذي يسمّع الملأ الأعلى قد قام بإخبار أمريكا والتأكيد لها بأيمان مغلظة أن أولئك الشباب هم من نفذوا تلك الهجمة!! وقد استغرب العديد من المراقبين وخبراء الاستخبارات هذه الكيفية التي تسبق سرعة الضوء والتي توصل بها الأمريكيون خلال يومين فقط لقائمة المتهمين، رغم أن كل المتهمين لقوا حتفهم في الحادث وكل الطائرات ومن فيها كانت غائصة داخل العمارات المدمرة، إلا أن هذه الغرابة والسرعة المتعجلة ليست غريبة إذا نظر للأمر من زاوية خداع الاستخبارات وكما سأشرحه في هذا المقال وفق التحليل الاستخباري لفك طلاسم أحداث (11 سبتمبر)، حيث يلاحظ من جانب آخر وبالتوازي مع اتهام أمريكا السريع لتنظيم القاعدة أعلن تنظيم القاعدة نفسه عبر عدد من المخاطبات التي بثت في الإعلام وبعضها صدرت من قائد التنظيم أسامة بن لادن أعلن تبنيه للأحداث، كما أن تنظيم القاعدة بث شريطاً يعلن فيه احتفاله واحتفائه بمجموعة ال(11) الذين سماهم منفذي (غزوة 11 سبتمبر)، ويلاحظ هنا أن أمريكا اتهمت تنظيم القاعدة بتنفيذ الأحداث وتنظيم القاعدة قبل الاتهام وتبناه بإصرار شديد ومعترفاً أنه فعلاً هو من نفذ تلك الأحداث، وهنا يتبادر سؤال هام للغاية في ظل الاتهام الأمريكي وفي ظل قبول تنظيم القاعدة للاتهام وهو كيف تمكن تنظيم القاعدة من تنفيذ هذه العملية الرهيبة والمعقدة التي نفذت بدقة وتقنية لا يمكن أبداً أن تتوفر لتنظيم القاعدة، مهما كانت درجة اختراقه للمجتمع الأمريكي ومهما كانت درجة ذكاء شبابه ودرجة جودة تنفيذهم للعملية، والإجابة على هذا السؤال سهلة جداً لمن يتتبع وسائل عمل المخابرات الأمريكية وأنشطتها «المسرحية» الكثيفة التي تقوم بها على طول العالم، وهذه الإجابة هي التي تعطي تفسيراً منطقياً لتبني طرفي النزاع «أمريكا والقاعدة» لأحداث 11 سبتمبر، والإجابة هي أن المخابرات الأمريكية التي هي أصلاً من أنشأت تنظيم القاعدة بدعم وتنسيق مع مخابرات بعض الدول العربية خلال فترة الحرب ضد الاتحاد السوفيتي في أفغانستان، وبالتالي وعبر هذه التنشئة الأمريكية للتنظيم تمكنت أمريكا بصورة مباشرة أو بمساعدة بعض أجهزة المخابرات العربية من معرفة طرق ووسائل عمل التنظيم، وبالتالي سهولة اختراقه، لذلك وكتفسير لأحداث 11 سبتمبر المعقدة فإن المخابرات الأمريكية قد تكون اكتشفت أن التنظيم دفع مجموعات من الشباب إلى أمريكا للتدرب على قيادة الطائرات بغرض تنفيذ «عمليات إرهابية بسيطة» تتمثل في اختطاف طائرات أو تفجيرات ثم قامت الاستخبارات الأمريكية باختراق هذه المجموعات وقامت بتطوير خطتهم الإرهابية البسيطة والتقليدية لتأخذ شكل الهجوم الكاسح والفظيع لمواقع استراتيجية أمريكية، حيث كانت المخابرات الأمريكية تهدف من تنفيذ هذا الهجوم إلى إظهار نفسها بمظهر الدولة التي تم الاعتداء عليها في عقر دارها ومن ثم الاستناد إلى هذا الهجوم كمبرر منطقي وأخلاقي لإعلان حربها على المسلمين والعرب ومن ثم السعي عبر هذه الحرب للسيطرة على كل ثروات العالم، وذلك تمهيداً لإعلان نفسها «امبراطورية عظمى» على كل العالم، وهذا ما يفسر صدور كتاب «نهاية التاريخ» للمؤلف فرانسيس فو كوياما، متزامناً مع تداعيات أحداث سبتمبر. لذلك ووفق هذا التحليل لأحداث سبتمبر ينبغي النظر إلى إعلان أمريكا مقتل بن لادن وما صاحبه من تقارير أمريكية فإن هذا الإعلان تشوبه أيضاً كثير من الريب والشكوك خاصة وأن الرواية الأمريكية بها كثير من الثغرات وضعف الحبك تشكك في صحة الرواية لأن بن لادن الذي نفذ العديد من العمليات الكبرى ضد المصالح الأمريكية بل حتى ضد أساطيلها الضخمة والمحروسة في البحر، كما حدث للباخرة الأمريكية (U.S CALL) في خليج عدن، ما كان لابن لادن أن يسوق نفسه إلى الشرك بهذه السذاجة التي أعلنتها أمريكا، لذلك فإن بن لادن قد يكون قتل فعلاً ولكن بين «أين وكيف ومتى» تتحرك الخدع الاستخبارية الأمريكية، وليس من المستبعد أن يكون بن لادن قد قتل قبل سنوات وتم الاحتفاظ به «كفزاعة» ضرورية وكتبرير منطقي لمواصلة الاستمرار في الحرب على الإرهاب أو قد يكون مات موتاً طبيعياً وتم الحصول على جثته بطريقة ما ومن ثم تم إخراج جثته الآن لزوم هذه «التمثيلية الساذجة»، خاصة وأن الرواية الأمريكية تتحدث عن إيجار بن لادن لمنزل محصن قرب إحدى الأكاديميات العسكرية الباكستانية، فهل بن لادن بهذه السذاجة لكي يترك مواقعه المحصنة في الجبال ويحضر الى «إسلام أباد» التي ينتشر فيها عملاء (CIA) أكثر من انتشار الفقراء الباكستانيين ويؤجر منزلاً فخماً مساحته (2 كيلومتر) ومحصناً بالأسلاك الشائكة وتوجد حوله حراسة وقرب أكاديمية عسكرية ينبغي أن تكون هي نفسها محروسة ومؤمنة مع ملاحظة أن المؤسسات العسكرية لا تقيم موقعاً قبل أن تتعرف على كل جيرانها، لذلك فإن الرواية الأمريكية تظهر بن لادن بسذاجة، دعك من تنظيم القاعدة الذي دوخ الاستخبارات الأمريكية والغربية، وأنا أظن أن المخابرات الأمريكية وبعد الحرب الطويلة على الإرهاب تفاجأت أن هذه الحرب أحدثت ردة عكسية كبرى للمخططات الأمريكية، حيث ساهمت هذه الحروب في رفع درجة الوعي لدى الشعوب العربية وساهمت بالتالي في إحباط كل مخططات الاستعمار الناعم الذي كانت تمارسه أمريكا ضد العرب والمسلمين وكان نتاجها سقوط أكبر نظامين عربيين في المنطقة العربية كانا يمثلان «حصان طروادة» في المنطقة العربية للاستعمار الجديد وما زال «سقوط الحصين مستمراً»، لذلك فإن أمريكا خسرت مخططاتها وخسرت هيبتها واحترامها وخسرت أموالها وهي الآن توشك على الانهيار، ولذلك فإن أمريكا وبعد دراسة جدوى اقتصادية وسياسية لعملياتها الاستخبارية، بدءاً من أحداث سبتمبر واحتلال أفغانستان والعراق ومطاردة القاعدة، وصلت إلى أن مخططاتها الاستخبارية قد باءت كلها بالفشل ودمرت الاقتصاد الأمريكي والغربي، وبالتالي أنا أظن أن إعلان مقتل أسامة بن لادن الآن وبهذه الصورة الدرامية هو بداية الإعلان لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وبداية لتغيير استراتيجيتها القديمة في الحرب على الإرهاب حتى توقف أمريكا المزيد من نزيف عملائها في المنطقة العربية.