عبدالرحمن إبراهيم عبدالله ولتوضيح الأمر نعود إلى ما ذكره الأمريكيون بأن المعلومات التي قادت للتعرف على مكان بن لادن تحصلوا عليها من معتقلين في معتقل غوانتناموا، ونعلم أن معتقلي غوانتناموا مكثوا بعيدين عن العالم منذ العام 2001م وآخرهم أُعتقل في العام 2003م بمعنى أن المعلومات التي بحوزتهم تعتبر منتهية الفائدة للأجهزة الاستخباراتية بشكل كبير، حين نعلم لاحقاً أن المنزل الذي إدعت الإدارة الأمريكية مقتل بن لادن فيه تمّ تشييده في العام 2005م ويرجح أن إنتقال بن لادن إليه جاء قبل أقل من تسعة أشهر. أما المسألة الأهم فهي ما ذكره مسؤلون أمريكيون أن تعليمات القوات المنفذة للعملية هي قتل بن لادن وليس اعتقاله، وهذا خطأ استخباري لا نتوقع أن تقع فيه CIA التي تسعى للحصول على أي معلومات عن الإرهاب وتنظيم القاعدة بأي ثمن ومهما يكلفها، فلا يعقل أن تكون خطتهم مبنية على إتلاف هذا الكنز المعلوماتي الثمين الذي يمكن أن يحصلوا عليه بالقبض على بن لادن حياً، خاصة وأنه حتى الآن لا تزال بعض تفاصيل تفجيرات 11 سبتمبر غائبة عن المخابرات الأمريكية، والغريب في هذه العملية هو غياب أي دور لأجهزة الأمن الباكستانية رغم أن إسلام أباد تصنف من العواصم المخلصة ومنذ وقت مبكر في التعاون مع واشنطون في مكافحة الإرهاب إلا أنها لم تشارك في أي مرحلة من هذه العملية بل لم تكن لها معلومات أصلاً حول وجود بن لادن بأراضيها وهذا يؤكد أن أمريكا لا تريد شهوداً على مسرحيتها الهوليوودية رغم أن الباكستانيين هم أصحاب السيادة على أراضيهم ولم يكن لهم شرف المعلومية بالأمر. وثمة أمر آخر يدعو للشك والاندهاش في آن واحد وهو طريقة الدفن الجديدة التي أبتكرها الأمريكيون لدفن جثمان بن لادن برميه في بحر العرب - هل هو نوع من الانتقام الشديد والتشفي من عدوهم اللدود؟ أم لإخفاء الجثمان المزعوم؟ كل الدلائل تؤكد أن هذا الجثمان وإن كان لبن لادن فإنه ليس لشخص قُتل حديثاً. لكن السؤال المحوري لماذا أخفت أمريكا مقتل أسامة بن لادن وأعلنته فجأة في هذا التوقيت، فهناك أكثر من احتمال لكن أقواها أن العالم سيشهد انسحاب كامل وقريب للقوات الأمريكية من العراق وأفغانستان بحجة أن هذه القوات قد حققت أهدافها بتدمير تنظيم القاعدة والخلايا الإرهابية وقتل زعيم القاعدة، وهذه الخطوة هي جزء من نشاط وخطوات ممنهجة مؤخراً تهدف لتحسين صورة المؤسسات الأمريكية وأجهزتها الأمنية بعد الاخفاقات التي لازمت ووجودها في المنطقة بدون جدوى، في ظل خسائر متكررة في الأرواح والمعدات، وخسائر أخلاقية نتيجة للقتل المتكرر خطئاً في صفوف المدنيين في أفغانستان بواسطة هذه القوات الأمريكية. وهناك توتر أو شعور داخلي ظلّ يلازم الإدارة الأمريكية بكل مؤسساتها العسكرية والدبلوماسية والسياسية منذ الإعلان عن مقتل بن لادن، بأن روايتهم غير قابلة للتصديق لذلك بذلوا مجهوداً كبيراً وواضحاً لتأكيد الرواية، وذكروا أنهم ربما يعرضوا أجزاء مصورة للعملية وأنطلقت حملة علاقات عامة واسعة دبلوماسياً وإعلامياً لتمرير رواية واحدة متفق عليها، بما في ذلك ردود أفعال بعض الدول والقيادات الدولية والمنظمات، وهنا نقف على التصريحات التي صدرت من تركيا والتي كانت مثار استغراب من سرعتها واتجاهها، ولكن إذا علمنا أن مدير جهاز المخابرات الأمريكية (CIA) قام بجولة سبقت هذه العملية ب48 ساعة في المنطقة ومن بين العواصم التي زارها كانت أنقرة، لعرفنا حجم العمل الدبلوماسي الذي بذله الأمريكيون قبل الإعلان عن مقتل بن لادن، إلا أن الاستثناء الذي ورد بتناول الغارديان لا يعدو أن يكون مجرد إمتعاض من المخابرات البريطانية التي تمّ تجاهلها من قبل شريكتها الأمريكية CIA في الحرب على الإرهاب. ومن هنا يجب إعادة تحليل كل التسجيلات الصوتية والمرئية التي صدرت باسم زعيم تنظيم القاعدة بن لادن – فأمريكا استخدمت تهديد القاعدة لصالح مخططاتها الدولية وداخل المجتمع الأمريكي واستنسخت المخاوف والتهديدات لتبرير تدخلها في سياسة الدول واقتصادها وانتهاك سيادتها وتحجيم إنطلاق وانتشار المد الإسلامي ونشاط الجمعيات الإسلامية في الغرب وجعل المجتمع الأمريكي يرضخ للابتزاز مقابل دعاوي تهديد الأمن القومي – فهل يا ترى إذا اكتشف الشعب الأمريكي كذب قيادته وزيف دعاوي مكافحة الإرهاب أن نشهد (جمعة غضب) في واشنطون.