{ تراخت أواصرنا مع أرحامنا أو كادت وضعفت علاقاتنا الاجتماعية مع ذوي القربى والأهل، وحججنا في ذلك ممجوجة وضعيفة، معظمها نعلقه على شماعة (المشاغل) واللهاث وراء متطلبات الحياة التي لا تنتهي وعجلتها التي تدور فتدوس على أعمارنا وكل التفاصيل الحميمة والنبيلة بها. وأحياناً تكون تلك القطيعة لأسباب تتعلق بالخصام والمشاكل و(اللوم) والبغضاء، وهي أمور سالبة تعكس شر نفوسنا وسوادها والحقد الذي ملأها واستشرى فيها حتى أصبح يتحكم في سلوكنا وعلاقاتنا. { فلماذا نحسد بعضنا البعض للحد الذي يدفعنا لعدم الرغبة في التواصل أو التلاقي؟ ولماذا نقطع رحماً أمرنا الله أن نوصله وجعله سبحانه وتعالى منه وبعض اسمه المقدس؟ { سيجد بعضكم عدة أسباب لتبرير غيابه الطويل عن مواصلة أرحامه، وسيعلل آخرون أنفسهم بالأماني والنوايا السليمة والرغبة الأكيدة في التواصل غير أن (القدم ليهو رافع)، وآخرون سيؤكدون أنهم من البارين بأهلهم فقط استبدلوا الزيارة المباشرة وأعفوا أنفسهم من تكبد مشاقها باستخدامهم المتواصل الراتب لتقنيات العصر الحديث، ذلك الهاتف المحمول الساحر الذي قرّب المسافات وسهّل المصاعب ولكنه سرق الكثير من إنسانيتنا وجعلنا نركن للكسل والتواكل، ملقين على عاتقه عبء القيام بالكثير من الواجبات وتصريف معظم أمورنا الحياتية اليومية على كافة الأصعدة، المهنية منها والاجتماعية، وهو بهذا يكون خليطاً ما بين النعمة والنقمة ولكنه رغم ذلك يبقى مهماً وفاعلاً وضرورياً. { لقد كنا حتى وقت قريب كلما حالت ظروفنا دون تبادل الزيارات نترقب المناسبات الاجتماعية ونحرص عليها على اعتبار أنها سانحة طيبة للتلاقي والتواصل، الآن.. أصبحت كل المناسبات طاردة، وبها العديد من المشاكل وتتشعب فيها الخلافات ويعتبرها البعض من ذوي النفوس المريضة فرصة لتصفية الحسابات. { سيؤكد معظمكم أن هذه مبالغة، وسأؤكد لكم أن الأمر وإن لم يبلغ حد الظاهرة بعد والحمد لله إلا أنه واقع ملموس يحدث للكثيرين. وبهذا أصبحنا نجد في أنفسنا نفوراً من التجمعات الأسرية، أفراحاً كانت أم أتراحاً، ويأتي أحدنا على عجل لتأدية واجب المجاملة فقط ثم يسارع بالمغادرة حرصاً على سلامة أعصابه ومعنوياته. فالبعض قد تفرغ تماماً (للعكننة) على الآخرين، وامتهن الغمز واللمز والمطاعنة حتى فقدت صلاتنا معظم حميميتها وصدقها ونقاءها. لم يعد الأقارب سوى عقارب، ينهشون لحمك، يحسدونك عند النجاح، و(يشمتون) فيك عند الابتلاء، لم نعد نجدهم عند الحاجة ولا نتكئ عليهم في المحن ولا نعتمد عليهم في الملمات والأفراح ولا نرجوهم المساعدة أو المؤازرة، لقد أصبحت بعض العلاقات الأخرى مثل الصداقة والزمالة والجوار أكثر فاعلية في حياتنا، نعوّل عليها عند الضرورة، ونستنجد بها عند الحاجة. أما أولئك الأرحام، فقد جفت الرحمة من قلوبهم، وأصبحت مجرد كلمة تقال، يتبادلون النفاق الاجتماعي ونفوسهم كدرة تجاه بعضهم البعض، تغلب على قلوبهم الغيرة وتفتقر نفوسهم إلى الخير، لا سيما النساء فهن فقد أصبحن والعياذ بالله نمامات حاقدات يسعين للمشاكل ويبرعن في افتعال الخلافات التي تكون سبباً في القطيعة و(مسك الكراع)، ثم يتفنن بعد ذلك في توسيع دائرة الخلاف برواية قصص محكمة الإخراج الدرامي ليجعلن من أنفسهن ضحايا ويبررن ما آل إليه الحال من قطيعة للرحم، فهلا رحمتن أرحامكن يرحمكن الله. وحسبنا الله ونعم الوكيل. { اتقوا يوماً يدعو فيه الرحم على من قطعه.. اتقوا الله).