كان خبراً يستحق أن يحتل الصفحات الأولى من صحف الخرطوم في بداية العام الماضي، عندما قام مني أركو مناوي كبير مستشاري رئيس الجمهورية وقتها، بزيارة خاصة إلى والد عبد الواحد محمد نور في منزل الأسرة في حي «الكنجومية» بمدينة زالنجي، لكن الزيارة أهملت تغطيتها داخلياً رغم أنه ظل حدثاً صحفياً نقله مراسلو الصحف والوكالات العالمية، بينما ظل النبأ عند المحللين مؤشراً على بدء التقارب بين الرجلين. وبعيداً عن ما بين مناوي وعبد الواحد، منذ أن افترقا قبل مؤتمر حسكنيتة الشهير في 2005 الذي أدى إلى انشقاق حركة تحرير السودان لتصبح حركتين؛ الأولى برئاسة مناوي والثانية ترأسها عبد الواحد نور، ورغم أن الحكومة كانت تنتقد وقتها - بدبلوماسية خشنة - وجود عبد الواحد في باريس، وتراه عقبة أمام سلام دارفور لرفضه المفاوضات؛ إلا أن هذا لم يمنع مناوي من وضع زيارة أسرة رفيقه التاريخي في الحركة رغم الاختلاف مع عبد الواحد، ضمن برنامج زيارته إلى دارفور في ذلك الوقت، دون أن يخشى في ذلك غضب رئاسة الجمهورية، وإنما يضع نصب عينيه الحفاظ على شعرة معاوية مع رافضي أبوجا، وعلى رأسهم عبد الواحد نور، في حين أن أبوجا كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة. لم يجد الرجلان كبير عناء في عودة العلاقات بينهما عندما اشتركا مرة أخرى في نقطة الخلاف الرئيسي ضد الحكومة، اجتماعات واتصالات مكثفة نشطت مؤخراً بين العاصمتين الأوغندية كمبالا والكينية نيروبي توجت باتفاق وتحالف أعلن أمس الأول، ركز بصورة رئيسية ولأول مرة، علانية، على أن حل أزمة دارفور لا يتم إلا بحل أزمات السودان بتغيير جذري في كافة المناحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية، في تحول إستراتيجي في أولويات الحركات. فكان أخطر ما جاء في البيان هو إعلان أن الهدف من التحالف بين الحركتين، العمل المشترك وتنسيق الجهود السياسية والعسكرية لإسقاط الحكومة وإعادة بناء السودان على أساس ديمقراطي ليبرالي حقيقي إلى جانب فصل الدين عن الدولة. والتوقيت الذي أعلن فيه اتفاق الطرفين، وجاء متزامناً مع مساعي الوساطة في مفاوضات الدوحة لتحديد قيد زمني لتوقيع اتفاق سياسي لحل الأزمة؛ له دلالاته ومعانيه، أكدها عبد العزيز سام المستشار القانوني لمناوي وهو يكشف عن مشاورات وتنسيق واسع مع قوى المعارضة السياسية بالداخل، للمشاركة في خطط إسقاط الحكومة، وقال ل(الأهرام اليوم): «ليس ضمن أجندتنا أي حوار مع الحكومة وهدفنا الإستراتيجي إسقاطها»، ووصف اتفاق مناوي وعبد الواحد بالمهم وأضاف: «سنقف صفاً واحداً مع القوى الوطنية لإسقاط الحكومة». وتأكيداً لهذا الموقف، أشار البيان إلى سعي الطرفين من أجل وحدة السودان وتأمين حقوق المواطنين بما يحقق الوحدة الطوعية، في إشارة إلى استبعاد المطالبة بفصل إقليم دارفور، وتقرباً من المشاركة في حل إشكاليات السودان بإسقاط الحكومة والعمل مع المعارضة التي من أولوياتها المحافظة على وحدة ما تبقى من السودان. ووفق مراقبين فإن اتفاق مناوي وعبد الواحد الذي قيل إنه جاء بدعم وتأييد من المبعوثين الأمريكيين، سيضعف اتفاق الدوحة القادم إذا ما تم ويقوي الاتجاه الرافض للتفاوض، ويدير دفة الصراع في دارفور إلى نواح أخرى أكثر تعقيداً تتعلق بإشكاليات قد يطول أمد حلها. يرى د. صلاح الدومة أستاذ العلوم السياسية، أن التحالف بين الرجلين جاء نتيجة لضغوط خارجية، وقال ل(الأهرام اليوم): «هناك ضغوط لتجميع الحركات المسلحة للوصول إلى سلام»، وأضاف: «هما أيضاً أدركا أن في اتحادهما قوة خاصة أن الحركتين في الأصل حركة واحدة أدى انشقاقها إلى ضعف شقيها مما أعجزهما عن تحقيق الإنجازات وأضعف خطابهما مع الفئة المستهدفة سواء أكانت الحكومة أم المجتمع الدولي أم المتضررين من النزاع في دارفور»، وأضاف: «الحكومة السودانية أيضاً اعتادت ألا تتعامل إلا مع الأقوياء»، وألمح الدومة أيضاً إلى تأثير المتغيرات الإقليمية في المنطقة كدافع لتحالف الحركتين. عموماً تحالف مناوي وعبد الواحد الذي سعى إليه الكثيرون في السابق وصولاً إلى اتفاق سلام، حدث أخيراً وفق خيارات الحرب وإسقاط الحكومة.. فيما لا تزال دارفور في مربع الأزمة.