} معركة السودان في جنوب كردفان لم تنته بعد، بمجرد فوز مرشح السودان أحمد محمد هارون على منافسه مرشح الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو بفارق ضئيل أسهم فيه عاملان؛ الأول تراجع نسب الاقتراع في مناطق غرب كردفان إلى أقل من (58%) من السجل الانتخابي لتلك المناطق، التي لم ينتبه إليها المسؤولون في حملة هارون، وقد كانت الإشارات واضحة في ظل ضعف التسجيل، وبالرغم من ذلك لم تتحرك حملة هارون لتلافي ذلك، أما العامل الثاني فهو عمليات التزوير الواسعة التي مارستها الحركة الشعبية في المناطق المختارة، التي أغلقتها في وجه المراقبين ومارست فيها كافة أساليب التهديد والحجز والاعتداء، فجاءت نسب الاقتراع في بعض المراكز متجاوزة للعدد المحدد، ولم ترصد بطاقات تالفة في بعض المراكز، وهي بهذه الجزئية تتسم بمقدار من الوعي يتجاوز مناطق مثل الخرطوم والمدن الكبرى في بلادنا، وتتفوق كذلك على انتخابات المحامين والصحفيين والقوى الحديثة. } بعملية رياضية فإن مولانا أحمد هارون فاز على الحلو مضافاً إليه عمليات التزوير الواسعة التي مارستها حملته الانتخابية ولذلك فإنهم عندما يتحدثون عن عمليات تزوير في هذه الانتخابات فإنهم صادقون في ما يقولون، فهم الذين مارسوا التزوير وهم أدرى دون غيرهم بما فعلوه في هذه الانتخابات، وقد كانوا ينتظرون تفوق الحلو بهذه الطريقة التي قلصت الفارق إلى درجة مقلقة ومزعجة، وكان يمكن أن يتكرر ما حدث في النيل الأزرق لو لا لطف الله بهذا البلد. } حملة هارون لم تحترم منافسها عندما أسقطت عن هاجسها الطريقة التي تباشر بها الحركة الشعبية، التي لا تخرج أبداً عن نسبة تصويت (100%) تنجزها فصائلها المسلحة التي تصوّت نيابة عن شعب المناطق المختارة، وهي ذات الطريقة التي خاضت بها الحركة الشعبية الانتخابات في جنوب السودان، وفي محليتي الكرمك وباو بالنيل الأزرق، وخاضت بها استفتاء جنوب السودان وأحرزت بها نسبة اقتراع اقتربت من النمرة الكاملة، ولذلك كان على حملة هارون أن تضع ابتداءً في صندوق الحركة (105) آلاف صوت هي كل ما يشمله السجل الانتخابي للمناطق التي تسيطر عليها، ولكن اتجهت ترتيبات حملة هارون إلى وسيلة ضبط الاقتراع عبر المراقبين وقد نجحت هذه الوسيلة في ضبط التسجيل نوعاً ما، ولكنها أخفقت في عملية الاقتراع وكان عليها أن تتحسب لذلك وتعمل على تنشيط الاقتراع بمناطق نفوذها التي تدنت إلى مستويات لم تكن متوقعة، كما أن الثقة الزائدة لحملة هارون كان من الممكن أن تكلفها خسارة منصب الوالي في مواجهة عمليات التزوير الواسعة التي تمت في مناطق نفوذ الحركة. } المعركة الحقيقية في جنوب كردفان بدأت بعد أن تكشف حجم الجهد الذي ينتظر حكومة هارون وينتظر البلاد بأجمعها وهي رحلة عودة من مشوار طويل في الاتجاه الخطأ خدمته تعبئة سلبية وعنصرية بغيضة لها جيش لم يسرح بعد وقيادات لها مصالح لن تتنازل عنها (بالساهل) وللحركة الأم في الدولة المجاورة أجندة لن تتركها أبداً وهناك مناطق تسمى مختارة ما زالت مغلقة في وجه التغيير الذي يمكن أن تبادر به حكومة هارون في نسختها الجديدة، وهناك الشيوعيون الذين بدأوا يخططون لركوب مركب قطاع الشمال والسيطرة عليه لخدمة مشروعهم السياسي والعسكري، وهناك الكثير من التحديات التي ما زالت تشكل واقعاً صعباً يحتاج إلى أفكار وخطاب ثقافي يمتص التعبئة السلبية ويدفع بكل الطاقات المتوفرة في اتجاه بناء جبال النوبة على نحو من التكامل مع بقية أطراف الوطن ومناطقه ومركزه، بالإضافة إلى إطلاق مشروع تنموي يعزز الثقة الموجودة ويهيئ الأوضاع ليسمع الناس هناك كلاماً مغايراً لما كانوا يسمعونه. } يجب أن تنتهي سنوات حكم هارون القادمة وجبال النوبة قد طوت حالة التنافر والاستجابة لشعارات الحركة الشعبية العاطفية الجوفاء التي فشلت في تقديم أي شيء لإنسان جبال النوبة ولن يتأتى ذلك إلا بخطط إستراتيجية وأفكار كبيرة وإرادة سياسية نافذة ووعي أحسبه متوفراً لدى الوالي أحمد هارون فالمعركة الأساسية داخل دماغ إنسان جبال النوبة.