هرب وزير البترول الليبي شكري غانم إلى تونس وقبله هرب مسؤولون كبار في النظام الليبي واستقال آخرون. وتحسن الموقف العسكري للثوار الليبيين المنتفضين منذ فبراير الماضي ضد العقيد معمر القذافي وأولاده وزمرته ومرتزقته. ويبدو من متابعة ما يجري في ليبيا أن الخناق أخذ يضيق عليه وأن الأرض بما رحبت لم تعد تتسع له وأن اختفاءه من المسرح أصبح مسألة وقت لن يطول. والذي يحير في موضوع القذافي والرؤساء الآخرين الذين ثارت ضدهم شعوبهم، سواء الذين أجبروا على التنحي من أمثال الرئيسين التونسي زين العابدين بن علي والمصري محمد حسني مبارك أو أولئك الذين ما زالوا متشبثين بالحكم من أمثال الرئيسين اليمني علي عبدالله صالح والسوري بشار الأسد، الذي يحير كثيراً وفي مقدمته أنهم جميعاً كانوا أصغر من شعوبهم وكانوا أكثر هشاشة من (الطرور)، وكانوا ساذجين أو أنهم كانوا يتصورون أن شعوبهم ما زالت لديها قابلية تصديقهم.. فالرئيس المصري السابق من معتقله في مستشفى شرم الشيخ الدولي يفكر في مخاطبة الشعب المصري معتذراً طالباً العفو، منتهى الهوان والجبن والتشبث بالحياة بأي ثمن، وهو موقف لا يليق بمن حكم مصر ثلاثين عاماً روّج إعلامه خلالها بأنه كان صاحب الدور الأكبر في حرب أكتوبر 73. وكم هو مثير للرثاء أن ينحنى صاحب الضربة الجوية الأولى، فالمقاتل الحقيقي يظل حتى في أحلك الأوقات مرفوع الهامة بطلاً أبياً مفعماً بالكبرياء. وثمة نظام جار لإسرائيل التي احتلت بعض أرضه في حرب يونيو 67 وكانت له محاولة لاسترداد الأرض أو لتحريك الموقف بحرب محدودة في أكتوبر 1973م. ثم منذ ذلك التاريخ لم يصوب جيشه طلقة واحدة نحو العدو ثم لما ثار الشعب ضده وهتف بتغييره سمح للفلسطينيين وبعض مواطنيه بالذهاب إلى الحدود الإسرائيلية هاتفين بالعودة إلى الوطن الذي أجبروا على النزوح منه مرتين في عام 1948م أي عام النكبة وفي عام 1967م الذي هو عام النكسة. وهي مسرحية باهتة سيئة الإخراج أظهرت عجز ذلك النظام وسذاجته وهشاشته وأضحكت عليه العالم وجعلته يزداد استخفافاً به. وسوف ينفّض المزيد من كبار المسؤولين من حول العقيد القذافي الذي أُتيح له في العصر الحديث ما لم يُتح لغيره بحكم بلد فاحش الغنى قليل السكان لأكثر من أربعين عاماً وكانت النتيجة تبديداً أخرق لثرواته وفظاظة غير مسبوقة في التعامل مع الشعب استنكرها وأدانها العالم بمختلف شعوبه.