المخدرات.. من الفراعنة حتى محمد صلاح!    خطف الموزة .. شاهدها 6 ملايين متابع.. سعود وكريم بطلا اللقطة العفوية خلال مباراة كأس الأمير يكشفان التفاصيل المضحكة    بالصور.. معتز برشم يتوج بلقب تحدي الجاذبية للوثب العالي    لولوة الخاطر.. قطرية تكشف زيف شعارات الغرب حول حقوق المرأة    روضة الحاج: فأنا أحبكَ سيَّدي مذ لم أكُنْ حُبَّاً تخلَّلَ فيَّ كلَّ خليةٍ مذ كنتُ حتى ساعتي يتخلَّلُ!    مدير شرطة ولاية القضارف يجتمع بالضباط الوافدين من الولايات المتاثرة بالحرب    محمد سامي ومي عمر وأمير كرارة وميرفت أمين في عزاء والدة كريم عبد العزيز    توجيه عاجل من"البرهان" لسلطة الطيران المدني    حركة المستقبل للإصلاح والتنمية: تصريح صحفي    جبريل إبراهيم: لا يمكن أن تحتل داري وتقول لي لا تحارب    برقو الرجل الصالح    مسؤول بالغرفة التجارية يطالب رجال الأعمال بالتوقف عن طلب الدولار    مصر تكشف أعداد مصابي غزة الذين استقبلتهم منذ 7 أكتوبر    لماذا لم يتدخل الVAR لحسم الهدف الجدلي لبايرن ميونخ؟    أسترازينيكا تبدأ سحب لقاح كوفيد-19 عالمياً    مقتل رجل أعمال إسرائيلي في مصر.. معلومات جديدة وتعليق كندي    توخيل: غدروا بالبايرن.. والحكم الكارثي اعتذر    النفط يتراجع مع ارتفاع المخزونات الأميركية وتوقعات العرض الحذرة    النموذج الصيني    غير صالح للاستهلاك الآدمي : زيوت طعام معاد استخدامها في مصر.. والداخلية توضح    مكي المغربي: أفهم يا إبن الجزيرة العاق!    الطالباب.. رباك سلام...القرية دفعت ثمن حادثة لم تكن طرفاً فيها..!    موريانيا خطوة مهمة في الطريق إلى المونديال،،    ضمن معسكره الاعدادي بالاسماعيلية..المريخ يكسب البلدية وفايد ودياً    ثنائية البديل خوسيلو تحرق بايرن ميونيخ وتعبر بريال مدريد لنهائي الأبطال    شاهد بالصورة والفيديو.. خلال حفل مصري حضره المئات.. شباب مصريون يرددون أغنية الفنان السوداني الراحل خوجلي عثمان والجمهور السوداني يشيد: (كلنا نتفق انكم غنيتوها بطريقة حلوة)    شاهد بالفيديو.. القيادية في الحرية والتغيير حنان حسن: (حصلت لي حاجات سمحة..أولاد قابلوني في أحد شوارع القاهرة وصوروني من وراء.. وانا قلت ليهم تعالوا صوروني من قدام عشان تحسوا بالانجاز)    القبض على الخادمة السودانية التي تعدت على الصغيرة أثناء صراخها بالتجمع    الصحة العالمية: نصف مستشفيات السودان خارج الخدمة    إسرائيل: عملياتنا في رفح لا تخالف معاهدة السلام مع مصر    الجنيه يخسر 18% في أسبوع ويخنق حياة السودانيين المأزومة    تنكُر يوقع هارباً في قبضة الشرطة بفلوريدا – صورة    الولايات المتحدة تختبر الذكاء الاصطناعي في مقابلات اللاجئين    كل ما تريد معرفته عن أول اتفاقية سلام بين العرب وإسرائيل.. كامب ديفيد    زيادة كبيرة في أسعار الغاز بالخرطوم    معتصم اقرع: حرمة الموت وحقوق الجسد الحي    يس علي يس يكتب: السودان في قلب الإمارات..!!    يسرقان مجوهرات امرأة في وضح النهار بالتنويم المغناطيسي    وزير الداخلية المكلف يقف ميدانياً على إنجازات دائرة مكافحة التهريب بعطبرة بضبطها أسلحة وأدوية ومواد غذائية متنوعة ومخلفات تعدين    (لا تُلوّح للمسافر .. المسافر راح)    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    العقاد والمسيح والحب    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرئيس عمر البشير في حوار اللحظة التاريخية عن السودان وقضايا الساعة:
نشر في الأهرام اليوم يوم 22 - 05 - 2011

يقف السودان على مشارف لحظة تاريخية حاسمة وحافلة بعشرات التساؤلات حول المصير والمستقبل والانعكاسات والتداعيات.. تساؤلات بحجم الهواجس والقلق من تاريخ لا يرحم ومن واقع ضاقت فيه الخيارات عندما غاب أو تغيب الجار الشقيق الأكبر قسراً، فكان الخيار الصعب تجنباً للأصعب.. يقترب السودان من لحظة انفصال جنوبه عن شماله وساحته ترزح تحت وطأة إشكالات تنخر في جسد هذا الإقليم أو ذاك، فيما الوطن العربي تجتاحه ثورات التغيير من مشرقه حتى مغربه.
في هذه اللحظة الحاسمة جاء حوار صحيفة(الشرق) القطرية مع فخامة الرئيس السوداني عمر حسن البشير، فكان حديثه شاملاً وجريئاً وصريحاً وصادقاً، أماط فيه اللثام عن كثير من الأمور التي تشغل بال المواطن السوداني وتستأثر باهتمام المواطن العربي.. لقد تحدث فخامته بلغة القائد المسؤول عن كل الأمور بدون مواربة فكان الحوار تاريخياً بحجم اللحظة التاريخية في السودان.
يحدد الرئيس البشير 9 يوليو موعداً لمرحلة فاصلة سيدخلها السودان مع انفصال الجنوب واستقلاله عن الشمال بعد مئة عام من الوحدة.. وهو انفصال واقع لا محالة ولا تراجع عنه، لكنه مكلف وله أثمان باهظة وأبرزها خسارة عائدات النفط الجنوبي التي كانت رافداً مهماً للاقتصاد الوطني، فضلاً عن القضايا العالقة التي ما زالت قيد الحوار مثل ترسيم الحدود والعملة وإقليم أبيي.
السودان هذه الأيام منشغل - كما يقول الرئيس البشير - بتصفية تركة السودان القديم لإنجاز عملية الانفصال، وهي تركة ثقيلة قد لا تنتهي قبل موعد الانفصال، ولذلك ستستمر انطلاقاً من حرص الشمال على دعم الجنوب بالإمكانات والخبرات والحفاظ على أفضل العلاقات معه.. لكن الرئيس يحذر من أن الأمر سيأخذ منحى آخر فيما حاول الجنوب فرض أمر واقع بشأن أبيي، مؤكداً رفضه لأي حل يقضي بضم أبيي إلى الجنوب، معلناً استعداده لخوض حرب لأجل هذا الهدف.
أما احتمال أن يتحول الجنوب إلى قاعدة للغرب وإسرائيل فإن الرئيس البشير لا يستبعده، مطلقاً نصيحة وتحذيراً في آن واحد، فالنصيحة تقول إن مصلحة الجنوب في العلاقات الجيدة مع الشمال، أما التحذير فهو أن الجنوب سيكون الخاسر الأكبر فيما لو تحول إلى شوكة في خاصرة السودان.
الحوار مع الرئيس البشير كان بحق حوار اللحظة التاريخية وهذا نصه؛ ننشره في «الأهرام اليوم» بالتزامن مع صحيفة«الشرق»القطرية.
{ فخامة الرئيس، قبل أن نبدأ بالحوار نبارك لكم تدشين مشروع السجل المدني وهو ما يعد إنجازاً جديداً للسودان الشقيق..
- نشكر لكم بدايةً هذا اللقاء.. السودان كما تعرفون يمتلك حدوداً مفتوحة على كل الدول، وتداخل قبلي قديم خاصة في غرب أفريقيا، حيث تجد كل القبائل لها تواجد هناك، كون السودان كان في القديم يمثل طريق الحج، والكثير من هذه القبائل عندما تصل إلى هناك تستقر في تلك المنطقة.
الآن حتى أفراد القوات الافريقية الموجودة بالسودان باتوا يشجعون أهلهم للهجرة إلى السودان، فدارفور التي يتحدث العالم أنها غير آمنة هي بالنسبة لهم آمنة جداً ويأتون بأهلهم للاستقرار بها، هذا الأمر جعل أي شخص يأتي من غرب السودان يجد له أصولاً في تلك المناطق، وقد يدعي أنه مولود بالسودان، وقد يأتي بوثائق تثبت أن له أقارب وأبناء عمومة، فوجود هذا السجل المدني مهم جداً.
نحن كانت لدينا مشكلة قبل انفصال الجنوب في ما يتعلق بالسجل المدني، لأن البطاقة العائلية تغلق لما الشخص يتوفى، لكن في الجنوب الشخص لا يموت، فإذا مات وهو طفل فإنه عندما يصل سن الزواج يتم تزويجه، وإذا توفى تورث زوجاته لأبنائه.. وهكذا، فمعنى أن الوفاة لا تغلق السجل المدني في الجنوب، الآن بالطبع انحلت بعد الانفصال.
السودان مع نبض الشارع
{ فخامة الرئيس.. تسارع الحديث في الوطن العربي خلال الأشهر الماضية عن الإصلاحات السياسية، وشهدت العالم العربي ثورات في أكثر من دولة.. أين هو موقع السودان بالنسبة للإصلاحات السياسية؟
- لو دققنا في كل دولة شهدت هذه الأحداث لوجدنا أن هناك أسبابا حقيقية لتحرك الشارع، وربما أهم عنصر هو بعد القيادة عن نبض الجماهير في كل شيء، سواء قضاياهم الداخلية أو الاقليمية أو الدولية، فالانفصام هو الذي خلق حالة من التذمر والغليان، وهنا أضرب مثالاً بسيطاً عندما حدثت أحداث غزة والعدوان الإسرائيلي على غزة في نهاية 2008 كان الشارع العربي كله عنده موقف واحد وهو الوقوف إلى جانب أهل غزة وتقديم الدعم لهم، لكن في المقابل الكثير من الأنظمة العربية كان لديها موقف مغاير تماماً لشعوبها، بدليل أن هذه الأنظمة رفضت حتى عقد قمة للتشاور حول ما يدور في غزة، فهذا نموذج واحد لحالة الانفصام بين الشعوب والانظمة.
نحن في السودان ظللنا في تقييم مستمر، كان آخره الانتخابات التي جرت العام الماضي تحت رقابة دولية وإقليمية ومحلية، والجميع أكد على نزاهتها وشفافيتها والحرية التي تمت خلالها، الشعب السوداني من المهم لديه التعبير عن نفسه، ويقول ما لديه.
{ إذن هل نستطيع القول إن السودان بمنأى عن هذه الثورات؟
- لا يمكن القول إن السودان محصن تحصيناً تاماً، وبالمناسبة فإن السودان أول من خرج شعبه لتغيير النظام، وكان ذلك في أكتوبر 1964 حيث خرجت الجماهير وانحازت لها القوات المسلحة وتم تغيير النظام، وفي أبريل 1985 تكرر نفس المشهد، فالشعب السوداني عندما تكون هناك أسباب موضوعية للنزول إلى الشارع يقوم بذلك.
نحن لا نقول إننا محصنون، لكن نحن نقول إننا لسنا بعيدين من نبض الجماهير ومتاح أمام الجميع التعبير عن آرائهم في مختلف وسائل الإعلام بالداخل والخارج إيجاباً أو سلباً تجاه الحكومة.. لدينا دستور يتيح الحريات ويكفلها للجميع، لدينا حرية تنظيم الأحزاب، حيث لدينا أكثر من 80 حزب.
{ هل هي أحزاب فاعلة أم مجرد ديكور؟
- ليست جميعها فاعلة، عندما فتحنا باب تسجيل الأحزاب تم تسجي العديد من الأحزاب، لكن عندما جاءت الانتخابات اتضح أن الكثير من هذه الأحزاب مجرد لافتات وليست احزاب حقيقية، لكن لديها عضوية ولها دورها وتملك حرية التعبير والتنظيم والانتخاب والمشاركة في كل المجالات
مرحلة جديدة
{ في ما يتعلق بالإصلاحات السياسية فخامة الرئيس.. إلى أين وصلت هذه الأصلاحات.. هل هناك إصلاحات جديدة تعتزمون القيام بها خلال المرحلة المقبلة؟
- نحن داخلون مرحلة جديدة بعد 9 يوليو القادم، وهو الموعد المحدد لقيام دول الجنوب، وهي مرحلة جديدة بعد الانفصال.. ثم أننا الآن في حوار مع القوى السياسية، والإصلاح يبدأ بالدستور، حيث سيتم التشاور مع هذه القوى حول الدستور الدائم للسودان خلال المرحلة المقبلة بعد 9 يوليو، وهذا ستشارك فيه كل القوى السياسية أو القوى المجتمعية، بمعنى ليس بالضرورة أن يكونوا بالأحزاب، لأن الحكومة عريضة جداً، وهناك أشخاص مؤثرون بالساحة، وهناك العلماء والمفكرون وأساتذة الجامعات، ليسوا بالضرورة منتمين للأحزاب.. هذا التشاور سينتج عنه إعداد دستور يعبر عن تطلعات وآمال الشعب السوداني، هذا بداية الاصلاح.
تصفية تركة السودان
{ كيف تسير خطوات استحقاق الانفصال؟
- العمل الاساسي تم وهو الاستفتاء، وخرجت النتيجة وقبلنا بها، وأصبح الأمر واقعاً، وفي 9 يوليو ستنشأ دولة في جنوب السودان، الفترة التي نحن بها الآن هي الفترة التي يمكن وصفها بأنها فترة تصفية تركة السودان القديم، فليس كل القضايا وصلنا لها إلى حل، فهناك قضايا معلقة جار الحوار حولها، مثل قضية أبيي وترسيم الحدود والقضايا الاقتصادية في ما يخص العملة والبترول وقضايا الجنسية وغيرها من القضايا المعلقة، وهناك لجان مشتركة تتحاور حول هذه القضايا، وسيستمر الحوار وما يتم الاتفاق عليه سيتم تطبيقه وما لم يتم الاتفاق عليه سيتم الاستمرار في الحوار بشانها
العودة للحرب
{ وماذا إذا ما حاولت الحركة الشعبية فرض أمر واقع حيال بعض القضايا المختلف بشأنها مثل قضية ابيي ؟
- هذا معناه العودة للحرب، فنحن لن نقبل فرض أمر واقع، ونحن أعلنا أنه إذا حاولوا فرض أمر واقع في أبيي مثلاً والادعاء بقرار منهم أنها جنوبية، ونحن قررنا أنها شمالية، إلى أن يتم حسمها عن طريق الاتفاق بين الطرفين.
{ وفي حال عدم التوصل إلى اتفاق؟
- ستظل شمالية لأنها هي أصلا جزء من الشمال، فالحدود بين الدولتين هي حدود 1/1/1956، والمكان الوحيد الذي فيه تغيير هي منطقة أبيي، فلابد أن يتم الاتفاق وحل بالتراضي بين الطرفين ونرفض أي حل يضم أبيي إلى جنوب السودان غير ذلك.
نصيحة لأهل الجنوب
{ البعض يرى أن الجنوب قد يكون شوكة في خاصرة السودان، أو أنه يتحول إلى قاعدة إسرائيلية.. في حال حدوث مثل هذا الأمر كيف سيكون التعامل مع هذه الدولة؟
- نحن ننصح إخواننا في الجنوب أن مصلحتهم في علاقات مع الشمال، فالترابط الموجود بين الطرفين لا يوجد بين أي دولتين أخرتين، فنحن كنا دولة واحدة لأكثر من 100 عام والآن أصبحنا دولتين، نشترك في أطول حدود، وأكبر تداخل اجتماعي قبلي واقتصادي هو بين الطرفين، وأي توتر في هذه العلاقة سيخسر الطرفان، والجنوب سيكون الخاسر الأكبر، فمصدر الدخل في الجنوب هو البترول، وهذا البترول لابد أن يمر عبر شمال السودان، وأي محاولة لنقله عبر إثيوبيا إلى جيبوتي أو كينيا، فإن عملية النقل ستكون مكلفة جداً، لأن الضخ سيكون لأعلى، بينما هو العكس باتجاه الشمال، حيث سيكون باتجاه انسياب المياه، فالمياه تأتي من الجنوب نحو الشمال، وبالتالي فإن الانحدار الطبيعي هو شمالاً، وبالتالي سيكون أقل تكلفة، كما أن بناء المنشآت اللازمة سيكون على حساب الدولة، فشركات البترول لن تتحمل التكلفة، وبمجرد أن يكون هناك إنتاج تجاري تكون التكلفة بالكامل على الدولة، والجنوبيون حتى يشيدوا منشآت ستكون بتكلفة عالية جدا، وعملية الضخ اليومي ستكون بتكلفة أعلى، والبترول كما نعلم هو ثروة ناضبة، قد يكون ما تبقى من البترول لا يكفي تكلفة المنشآت.
{ لكن قد يجدون دعماً غربياً أمريكيا فخامة الرئيس؟
- ليس هناك دعم لوجه الله ودون مقابل، فالدعم سيكون له ثمن.
قاعدة مناهضة للشمال
{ هل المقابل استخدام الجنوب كقاعدة لتحركات الدول الداعمة بالمنطقة؟
- احتمال وارد وكبير جداً، واحتمال دفع فواتير، نحن لا ننسى أن التمرد في الجنوب منذ بدايته كان مدعوماً تماماً من الغرب، دفعت فيه أموال طائلة جداً، ووجد دعماً سياسياً وعسكرياً قوياً، وبالطبع هذا ليس لوجه الله، إنما هي فواتير في النهاية تدفع، وفي الغالب فإن هذه الفواتير لن تكون في صالحنا نحن في الشمال، فاحتمال استخدام الجنوب كقاعدة لخلق مشاكل للشمال هي واردة، لكن بنفس القدر الجنوب سيكون خاسراً أيضاً.
{ إذا ما تم التوقيع على اتفاقيات تمثل إضراراً بالأمن القومي السوداني بين دولة الجنوب.. سواء مع دول غربية أو دول جوار أو أي أطراف أخرى.. ما هو موقفكم في هذه الحالة؟
- نحن موقفنا الثابت هو إقامة علاقات حميمية بين الطرفين، علاقات تعاون، موقفنا الثابت أن كل إمكانياتنا سنسخرها لدعم إخواننا لإقامة دولتهم بالجنوب، لأننا نعرف أنهم بحاجة إلى دعم كبير جداً، خاصة دعم فني وخبرات في بناء دولة، لأنه لا توجد دولة حالياً بالجنوب، فالحرب عطلت أي تنمية في الجنوب، وهذه الحرب بدأت عام 1955 أي قبل الاستقلال، واستمرت لمدة 17 عاماً، وتوقفت لمدة 10 سنوات ولم تحدث خلالها تنمية حقيقية في هذه الفترة، ثم بدأت الحرب بصورة أعنف من الحرب الأولى لأنها جاءت بإمكانيات وتسليح أكبر وأخطر، وبالتالي فإن الجنوب بحاجة إلى استقرار ومال ودعم فني وخبرات لبناء دولته، ونحن في الشمال الأقرب والأعرف بأوضاع الجنوب وعلى أتم الاستعداد لدعم إخواننا في الجنوب.
انتخابات كردفان
{ اتهمتكم الحركة الشعبية مؤخراً بالتزوير في انتخابات جنوب كردفان.. ما هو تعليقكم على ذلك؟
{ أولاً هذه الانتخابات جرت تحت رقابة إقليمية ودولية ومحلية، ثم أنها تديرها مفوضية مستقلة، ليس للحكومة أو وزارة الداخلية أي دخل فيها ولا تديرها، وشاركت في تكوين هذه المفوضية كل القوى السياسية الموجودة بالساحة وهي التي تديرها، وحتى تم الفرز على مستوى الدوائر والمراكز الخاصة بالاقتراع فإن مراقبي الحركة أنفسهم وقعوا على النتائج، ولما أظهرت النتيجة الكلية أن المؤتمر الوطني هو الفائز قالوا إنها مزورة، لكن كل النتائج الأولية والفرز الذي تم على مستوى المراكز ممثلو الحركة وقعوا عليه، والعملية الأخيرة التي تمت ما هي إلا تجميع للأصوات من الدوائر المختلفة، وهذه عملية تخص المفوضية فقط، وما كان مطلوباً أصلاً حضور ممثلي الأطراف، لأنها نتائج سبق أن وقعوا عليها بعد أن شاهدوها، وكون عملية الجمع النهائية أثبتت أن المؤتمر الوطني هو الفائز، فإن ذلك يمثل سلاح الخاسر دائما.
لا أعتراف بالمحكمة الجنائية
{ لكن فخامة الرئيس.. ربما البعض وضع علامة استفهام على قيام حزب المؤتمر الوطني بطرح أحمد محمد هارون مرشحاً وهو المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية.. فهل هو تحد للمحكمة؟
- نحن أصلاً غير معترفين بمحكمة الجنايات الدولية، وبالتالي أعمالها لا تسري علينا، وتعرف أن رئيس الجمهورية نفسه مطلوب للمحاكمة. أحمد هارون من الكوادر والطاقات العاملة، وكان والياً لهذه الولاية، أقنع مواطني الولاية من خلال عمله وإنجازاته، وكانت فترة ولايته تعد أكبر فترة حدث فيها استقرار وتنمية ضخمة جداً، وبالتالي فإن أحمد هارون قدم بناء على رغبة المواطنين.
{ الرئيس مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية.. هل هناك من جديد في هذه القضية؟
- القضية هي سياسية، ومدعي المحكمة الجنائية واضح أنه ليس قانونياً ولا مدعياًَ، إنما هو ناشط سياسي، لأنه يتنقل بين الدول ويعمل الندوات ويسافر لتعبئة الدول الافريقية وغيرها من الدول ضد السودان ورئيس السودان، وهذا ليس عمل المدعي، عمل المدعي داخل المحكمة، هو ناشط سياسي ومتحرك في الإعلام ويعقد الندوات والمؤتمرات الصحفية .
{ ألم يحدث في الفترة الأخيرة أي تواصل مع المحكمة ؟
- نحن رافضون لأي تعاون مع هذه المحكمة، وليس لدينا أية علاقة بها، نحن لسنا أعضاء في بروتوكول روما، هو تغول على السودان، وعمل سياسي بحت، وبالتالي نحن لا نتعامل مع المحكمة.
لن أترشح للرئاسة
{ فخامة الرئيس.. أعلنتم أنكم لن تترشحوا في الانتخابات الرئاسية القادمة، إلا أن مصادر بحزبكم المؤتمر الوطني قالت إن الخيار ليس بيد الرئيس إنما بيد الحزب.. هل إذا تم اختياركم لخوض الانتخابات القادمة ستوافقون؟
- في الانتخابات القادمة أكون قد أكملت (26) عاماً في الرئاسة، والعمر سيكون (71) عاماً، والعمر في فترة الحكم، وخاصة في حكم الإنقاذ، السنة ليست بسنة، فحجم التحديات والمشاكل التي واجهناها كبيرة، بالقطع أن (26) سنة في الحكم هي أكثر مما يجب.. سواء بالنسبة للشخص أو بالنسبة للشعب السوداني.
نحن نعمل على أن يقدم المؤتمر مرشحاً جديداً، فنحن لدينا حزب مطمئنون إليه جداً، لديه قاعدة وقاعدة شبابية تحديداً، فالحزب حزب شاب، ولدينا العشرات من الكوادر الشبابية المؤهلة للترشح لرئاسة الجمهورية.
بالنسبة لي فإن قرار عدم الترشح للرئاسة قرار نهائي، وفترة السنوات الأربع القادمة كافية لترتيب الأوضاع داخل الحزب لتقديم قيادة جديدة في الانتخابات القادمة.
الحكم ليس نزهة
{ لكن هناك من اتهمكم بأن إعلانكم عدم الترشح ما هو إلا مناورة؟
- أقول لك إن الحكم في السودان ليس نزهة، هو بكل المقاييس أمانة ثقيلة جداً، ولو راقبت الفضائيات فإن السودان حاضر باستمرار، ولا يمكن ان تمر نشرة إخبارية دون أن يكون للسودان خبر فيها، وهذا حجم التآمر على السودان.
السودان بحد ذاته بحاجة إلى طاقات من الشباب خلال المرحلة المقبلة، فمن المهم تجديد الطاقات لقيادة هذا البلد إلى الأمام.
استئصال الفساد
{ فخامة الرئيس، أنشأتَ مفوضية للمحافظة على المال العام، لكن إلى الآن هناك شكاوى من وجود مخالفات وبؤر فساد.. كيف يسير عمل هذه المفوضية أولاً وكيف يمكن - ثانياً - استئصال بؤر الفساد؟
- أولاً نؤكد أن لدينا من المؤسسات والقوانين القائمة الآن للحفاظ على المال العام ما ليس موجوداً بأي بلد في المنطقة، فمثلاً لدينا المراجع العام لحكومة السودان، وهو المراجع الوحيد في المنطقة العربية والأفريقية الذي سنويا يقدم تقريره أولاً للبرلمان، لا يقدمه لا لرئيس الجمهورية ولا إلى مجلس البرلمان، وعندما يناقش هذا التقرير أمام البرلمان فيه تجاوزات أو ما يمكن تسميته بالمخالفات الإدارية أكثر من كونها تجاوزات، وهذه المخالفات تصحح على المستوى الإداري، وفي بعض المرات في ما يتعلق بالميزانية مثلا تكون المخالفة بأن تم صرف من بند إلى بند، والميزانية بعد أن يجيزها البرلمان الحكومة ليس لديها الحق في تغيير الصرف من بند إلى بند إلا بالرجوع إلى البرلمان مرة أخرى، في الغالب فإن تقرير المراجع العام يتحدث عن مثل هذه التجاوزات، لكن كلها يسميها الاعتداء على المال العام، فالتسمية نفسها تشعر أن هناك هجوماً حدث على المال العام، لكنها في الغالب تمثل مخالفات إدارية كما أشرت لكم بذلك، أو في عدم الالتزام باللوائح المحاسبية والمالية.
في بعض الحالات التي يكون فيها قضايا جنائية تظهر في التقرير وبعد أن يناقش التقرير في البرلمان تحول مباشرة إلى وزارة العدل التي لديها نيابة تسمى نيابة المال العام التي تتولى مثل هذه القضايا، إذا ما وجدت قضايا تستحق المضي فيها قضائياً ترفعها إلى القضاء الذي يقوم بدوره بالمحاكمة.
هذه السلسلة وهذه الإجراءات الموجودة عندنا لا نراها بأية دولة بالمنطقة، بأن هناك مراجعاً عاماً وتقريراً يقدم إلى البرلمان ويناقش بكل شفافية، وفي النهاية محاسبة البرلمان إما محاسبات إدارية أو إصلاحات إدارية، أو في النهاية قضايا تذهب إلى النيابة ومنها إلى القضاء، والقضاء حكم بالفعل في عدد من القضايا التي بها مخالفات وتعدي حقيقي واختلاسات اوتجاوزات حصل منها مكاسب شخصية لجهة ما.
كذلك لدينا إدارة مكافحة الثراء الحرام، وهي إدارة قوية جداً، وتختلف قوانين الثراء في السودان عن قوانين الدول الأخرى، ففي تلك الدول إذا ثبت أن هنالك شخصاً ارتكب المخالفات التي مكنته من الاستيلاء على المال، هنا يدخل تحت بند الثراء الحرام، لكن ما هو لدينا بالسودان أن هناك مادة تسأل: من أين لك هذا؟ ليس هناك أي تهمة.. ليس هناك أية بينة بأن الشخص قد أخذ مالاً عاماً لنفسه، لكن هناك علامات وآثار الثراء غير المبرر أو غير المنطقي الذي ظهر على الشخص المسؤول في الدولة أو في أي موقع قيادي بالدولة، هنا يُساءل: من أين لك هذا؟ إما أن يثبت مصدر هذا المال أو أنه مال عام حصل عليه بطريقة غير مشروعة، رغم أنه ليس هنالك أي تهمة محددة أو مخالفة بناء عليها تمت المحاسبة. ونؤكد أن الحرية متاحة في الإعلام وغيره من المنابر لتناول هذه القضايا.وأنا أرى أن الفساد في الدول يمكن تقسيمه إلى (3) أقسام، القسم الأول هو فساد المسؤولين الكبار الذين يقومون بتوقيع العقود نيابة عن الدولة ويأخذون عمولات، ونحن حتى هذه اللحظة نتحدى أية جهة تدعي أن هناك مسؤولاً حكومياً سودانياً قد أخذ رشوة أو عمولات رغم أننا وقعنا أعداداً ضخمة من مشاريع الطرق والسدود والكهرباء وغيرها في مختلف القطاعات.
النوع الثاني من الفساد هو فساد الموظفين الصغار مثل عملية اختلاس أو تقديم خدمة مقابل الحصول على منفعة أو عمولة أو رشوة، وفي هذه الحالة تمثل قضية جنائية، والكثير من الحالات التي تم القبض عليها أحيلت إلى القضاء وتمت محاكمتها، ورئيس القضاء في آخر تقرير أشار إلى أن هناك 32 قضية عرضت على القضاء، وهناك 30 قضية حسمت بالحكم، فيما تنتظر قضيتان للحكم.
إلا أننا نرى أن الفساد الخطير، الذي يهدد كيان الدولة، هو فساد المؤسسات الأمنية والعدلية، فهذا يكون فساداً محمياً، فلو حاول الناس محاربته سيجدون أن من خلف ذلك الفساد لديهم من الصلاحيات والسلطات التي تمنع المحاسبة، وهذا الفساد أيضا نحن بريئون منه.
عندما جاءت حكومة الإنقاذ إلى الحكم في العام 1989 كانت حسابات جمهورية السودان لم تقفل ولم تراجع لمدة 5 سنوات، نحن اليوم حسابات حكومة السودان تراجع سنوياً، وكما قلت فإن تقرير المراجع العام يقدم إلى البرلمان وليس إلى رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء.
الاستقرار الاقتصادي
{ فخامة الرئيس.. الثورات العربية التي حصلت في عدد من الدول أحد محركاتها كان الجانب الاقتصادي.. إذا سألنا عن الاقتصاد السوداني كيف يسير وفي أي اتجاه؟
- لا ننكر أننا نواجه مشاكل اقتصادية، لكن استطعنا أن نعمل نوعاً من الاستقرار الاقتصادي، ونحقق نمواً اقتصادياً بعد أن كان في عام 1989 - وهو تاريخ استلامنا الحكم - حسب تقرير صندوق النقد الدولي (سالب واحد)، وخلال سنوات الإنقاذ وبشهادة صندوق النقد الدولي وصل إلى (8) في المائة، واستطعنا كذلك تحقيق تنمية في مختلف القطاعات وبشهادة الجميع، وفي نفس الوقت استطعنا السيطرة على التضخم، لكن عندما حدثت الأزمة المالية العالمية، رغم عدم ارتباطنا الوثيق بمؤسسات التمويل العالمية الغربية التي كان لها أثر كبير على الدول المرتبطة بها، لكن تأثرنا، لأن أسعارنا وصادراتنا انخفضت بدرجة كبيرة جداً، وعائداتنا من البترول انخفضت بصورة كبيرة جداً، هذه الأزمة خلقت نوعاً من الشح في واردات العملة الأجنبية وهو ما أدى إلى ارتفاع التضخم من رقم (1) إلى الرقم (2).
هناك ارتفاع في أسعار السلع الغذائية في العالم، وهذا أيضاً كان له تأثيره وانعكاساته على السودان، وأقول إننا لسنا مبرأين، هناك مشاكل وهناك غلاء في الأسعار.
برنامج إنقاذ ثلاثي الأبعاد
{ هل هناك معالجات لمثل هذه المشاكل، خاصة في ما يتعلق بالحياة المعيشية اليومية للمواطن السوداني ؟
- نحن عملنا برنامجاً إسعافياً ثلاثياً، وسنواجه أمراً آخر، أنه بعد 9 يوليو سوف تفقد الحكومة عائدات النفط الجنوبي، ولمواجهة ذلك عملنا برنامجاً إسعافياً ثلاثياً لتلافي هذه الآثار، آثار العجز في الموازنة، وهذا يشكل خطورة، وهو ما يستلزم البحث عن كيفية سد العجز في الموازنة، كذلك العجز في الميزان الخارجي، وأحد الإجراءات لخفض العجز في الموازنة هو خفض الإنفاق الحكومي، وبدأنا بالفعل في إجراءات صارمة جداً في خفض الإنفاق الحكومي بنسبة 30 في المائة في عدد من المواقع، وهذا الخفض سيكون له تأثير على الخدمات المقدمة وعلى التنمية، لكن هذا أحد الإجراءات التي اتخذناها.
الخطوة الأخرى التي اتخذناها هي خفض الواردات وزيادة الصادرات لتغطية العجز في الميزان التجاري.
البرنامج بدأ بالفعل، وسيكون فيه نوع من الشدة، ولكن لأننا نصارح مواطنينا نقوم بإطلاعهم على مثل هذه الأمور أولاً بأول، ونضعهم في الصورة ونطلعهم على المشاكل والمعالجات التي تتم والنتائج المتوقعة.
قوانين جذب الاستثمار
{ ماذا عن الاستثمار واستقطاب المستثمرين.. هل هناك خطوات لجذب مزيد من الاستثمارات الاجنبية وماذا عملتم على هذا الصعيد؟
- نحن الآن نعيد النظر في قانون الاستثمار نفسه، ونخضعه حالياً لنقاش واسع جداً، حتى يكون قانوناً أكثر جاذبية وقانوناً ييسر للمستثمر الإجراءات أكثر، فنحن في ظل حكم اتحادي، هناك سلطة اتحادية وهناك سلطة ولائية، ولا نريد للمستثمر أن يضيع وقته ما بين السلطات، نحن الآن نعمل على إعداد قانون جديد.. شكلنا مجلساً أعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية، وعلى رأس العمل التنفيذي في هذا المجلس الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية، وسنلغي وزارة الاستثمار، لأن المجلس ممثل به كل الوزارات والولايات ذات العلاقة، وبالتالي فإن كل مشاكل الاستثمار سوف تحل لأن كل المعنيين بالاستثمار ممثلون في هذا المجلس، فهذه إحدى الخطوات لتشجيع الاستثمار.
كذلك وجهنا بأن تقوم الوزارات والولايات بتجهيز مشاريع، بحيث لا يقوم المستثمر بالبحث عن المشروع إنما تكون هناك مشاريع جاهزة ومدروسة ومشاكلها الأولية كلها محلولة، وترفع للمستثمرين سواء في المجال الزراعي أو التصنيع الزراعي أو التعدين والبلد غني جداً بالمعادن، وكذلك في مجال النفط.. هذه هي المجالات الأساسية، وهناك مجالات أخرى خدمية سواء مصرفية أو غيرها.
العلاقات مع دول الجوار
{ فخامة الرئيس.. إذا انتقلنا إلى ملف دول الجوار.. كيف هي علاقات السودان مع دول الجوار حالياً؟
- لقد اجتهدنا لتحسين علاقاتنا مع دول الجوار جميعها، إثيوبيا وإريتريا الآن العلاقات معهما ممتازة جداً، الحدود أصبح بها تبادل منافع، وبدأنا حتى بإلغاء تأشيرة الدخول للمواطنين مع هذه الدول، ومع تشاد وأفريقيا الوسطى لدينا اتفاقيات لحماية الحدود، ولدينا قوات مشتركة لمنع التفلت من الطرفين، وكانت هناك العديد من العصابات مستفيدة من سوء العلاقات تقوم بالنهب من السودان والدخول إلى تشاد، والعكس أيضاً، والمعارضة تتحرك عبر الحدود، الآن حدودنا ممتازة جداً، كانت لدينا إشكالية كبيرة جداً في حدودنا مع ليبيا بالذات، لأن كل الدعم الذي كان يأتي للمتمردين كان يأتي من ليبيا، الوضع في ليبيا الآن أثّر وخفف كثيراً من المشاكل التي كنا نعانيها، والتغيير الذي يحدث الآن في ليبيا سيكون له انعكاسات إيجابية، قطعاً التغيير الذي حدث في مصر كان لصالح السودان مائة في المائة، ويكفي أنه تم انتخاب الدكتور نبيل العربي أميناً عاماً للجامعة العربية، وهنا أود الإشادة بالتوافق العربي الذي حدث في اختيار الأمين العام الجديد، الذي نرحب به، ونشيد كذلك بالموقف القطري الذي اتسم بالحكمة في هذه القضية، كعادته دائما.ً
مصر والسودان
{ لوحظ أن أول زيارة خارجية لرئيس الوزراء المصري عصام شرف كانت للسودان.. ما هو مغزى ومدلول هذه الزيارة؟
- السودان هو العمق الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والاستراتيجي لمصر، فمصر دون السودان دولة ضعيفة جداً، مساحتها محدودة، عمقها غير مؤمن، وأضرب مثالاً على ذلك، ففي سنة 1967 في العدوان على مصر عندما ضربت المطارات المصرية تم نقل ما تبقى من القوة الجوية المصرية إلى السودان.. نقلت مراكز التدريب والكلية الحربية وخلافها إلى السودان.. القوات السودانية ظل لها وجود مستمر على الجبهة المصرية طوال سنين الحرب، مصر أمنها الغذائي بالسودان،.. الوضع الطبيعي أن تكون علاقات مصر مع السودان مقدمة على أي علاقة مع أي دولة اخرى أو أي طرف آخر، لكن نجد أنه في الفترة السابقة هذا الدور تعطل بل أصبح دوراً سالباً تجاه السودان، فأحد أسباب انفصال الجنوب هو عدم قيام مصر بدورها تجاه الأمن القومي السوداني الذي يمثل الضمانة الأساسية للأمن القومي المصري، فالرؤية التي انطلق بها العهد الجديد في مصر رؤية صحيحة مائة في المائة، وقراءة صحيحة تماما، وأن أي أمن سواء أكان غذائياً أو مائياً أو عسكرياً.. ليس هناك غير السودان.
الأوضاع العربية
{ كيف تنظرون فخامة الرئيس إلى الأوضاع القائمة حالياً في كل من ليبيا واليمن وسوريا؟
- بالنسبة لليبيا نرى أن الفترة طالت وكنا نأمل أن تحسم في وقت اسرع، لأن ما يحدث تدمير وتخريب وتعطيل للحياة في ليبيا، بالرغم من أننا قلنا إن هذا شأن ليبي، لكن لارتباطنا بالشعب الليبي وقربنا منه وتأثرنا بالأوضاع فيها، نأمل أن يحسم الموقف في ليبيا وأن تدعم عملية الاستقرار، لأن البلد بحاجة إلى عملية بناء وتعمير بصورة ضخمة جداً، استمرار الحرب يمثل عبئاً على الشعب الليبي، والحلفاء يتدخلون اليوم في ليبيا بالتاكيد بمقابل، وسوف يقدمون فاتورة بالذي صرف والذي لم يصرف، والذي سوف يدفع الثمن هو الشعب الليبي، والتدمير الذي حدث بحاجة إلى إعادة بناء وهذا تكلفته عالية جداً. مطلوب إعادة ترتيب الأوضاع في ليبيا وبناء مؤسسات الدولة، لأنه لم تكن هناك مؤسسات للدولة، كانت هناك فوضى، وهذا سيأخذ وقتاً وإجراء طويلا، وأي تأخير سيترتب عليه المزيد من المشاكل، فنتمنى أن يتم التغيير بأسرع وقت ممكن.
أما بالنسبة لليمن فإننا قلقون على الأوضاع فيها، ومشفقون على هذا البلد، فالشعب اليمني شعب مسلح، وشعب قبلي، ومناطق وعرة جداً، فنحن نخشى على اليمن مصير الصومال، لأن القبائل الآن تتسلح، على الرغم من أن الحركة إلى الآن حركة سلمية، حتى مع الخسائر البشرية التي وقعت لا زالت حركة سلمية، نحن نخشى أن تتطور إلى حركة مسلحة، وإذا تطورت إلى حركة مسلحة فإن اليمن يكون قد ضاع، واليمن إذا ضاع فإنه سيكون بؤرة عدم استقرار للمنطقة كلها، وكل الدول سوف تدفع ثمن ذلك، وإذا كانت الكثير من الدول تدفع اليوم ثمن عدم الاستقرار بالصومال فما بالكم باليمن.
بالنسبة لسوريا نحن نعتبرها دولة مواجهة، قوتها والاستقرار فيها مهم جداً، الحادث حاليا فيها هو إإضعاف لسوريا بكل المقاييس، وبالتالي إضعاف لموقفها كونها دولة مواجهة.
نحن من جانبنا اتصلنا بالإخوة في سوريا، وقدمنا لهم مجموعة مقترحات لكيفية تجاوز الأزمة، وهم قدروا ذلك، وقاموا بتنفيذ بعضها لكن هناك جزء كبير جدا لم يتم تنفيذه من الأشياء التي نصحناهم بها، ولا زلنا ننصح الإخوة في سوريا بالمضي في خط الإصلاح وإتاحة الفرصة للمواطنين، وسنستمر بالعمل مع الإخوة في سوريا والتواصل معهم، وفي نفس الوقت أيضا متواصلون مع الإخوة في اليمن، وأرسلنا أكثر من وفد لليمن، ودعمنا المبادرة الخليجية وشجعنا الأطراف المختلفة للقبول بها، لأننا نبحث عن مخرج، لأنه في النهاية فإن المنتصر سيكون الشعب اليمني والخاسر سيكون الشعب اليمني، ليس طرفاً، ليس الرئيس وليس الشعب، نحن نتحدث عن اليمن وعن الشعب اليمني.
قائمة الإرهاب
{ علاقاتكم فخامة الرئيس مع أمريكا.. هل من جديد في ما يتعلق بهذا الملف؟
- نستطيع القول إن هناك هدوءاً في هذه العلاقات إلى حد كبير، لا نقول إنها تحولت إيجابا لكن أقل سوءاً.
{ ألا توجد محاولات لرفع اسم السودان من قائمة الإرهاب؟
- نعم هناك محاولات، وهناك حوار يبحث في واشنطن والحوار مستمر، والطرف الأمريكي أكد أنه بدأ إجراء من خلال المبعوث الامريكي السابق والمبعوث الحالي ومن خلال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، هؤلاء يتحدثون عن بدأ الإجراءات لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، وفي النهاية رفع العقوبات المفروضة على السودان، نحن ننتظر تلك الخطوات.
العلاقات القطرية السودانية
{ إذا تحدثنا فخامة الرئيس عن العلاقات القطرية السودانية.. كيف تنظرون إلى هذه العلاقات وكيف تستشرفون مستقبلها؟
- علاقات قطر والسودان علاقة نموذجية لثبات العلاقة، فالأوضاع والدنيا تتغير حولنا، لكن العلاقة بين البلدين تظل علاقة تعاون وثيق جداً، وتشاور مستمر، وما كنا نتحرج - نحن في السودان - من أن أدق قضايانا الداخلية نشرك فيها إخواننا في قطر، فهذا المكان الذي نتحدث فيه شهد سهرات لسمو الأمير ولرئيس الوزراء، كانوا يسهرون معنا في قضايا داخلية، عندما حدث خلاف بيننا وبين د. الترابي كانوا يسهرون معنا في هذا المكان حتى يؤدوا صلاة الفجر، وكانوا في حركة مجيئاً وذهاباً بيني وبين د. الترابي، هذا الموقف يظهر مدى العلاقة التي تربط بيننا.
كذلك هذه العلاقة النموذجية انعكست في المعاملة الراقية والطيبة التي يجدها السودانيون بالدوحة، وأقول إن السودانيين في قطر اليوم ولاؤهم لقطر أكثر من السودان، لماذا، للمعاملة الطيبة والحميمية والثقة التي يجدوها والمواقع التي يتبوأونها في قطر، كل ذلك يدل على مدى عمق هذه العلاقة.
في كثير من الاحيان نكتشف أننا في السودان وقطر متطابقون في الكثير من القضايا الخارجية دون أن نعلم وقبل أن نتشاور فيها، فنجد أنفسنا في اتفاق تام، وموقفنا موقف واحد كأننا قد سبق أن جلسنا وتحاورنا واتفقنا على ذلك. التواصل المستمر فيما بيننا جعلنا قريبين من بعضنا البعض.
{ كيف ترون الجهد القطري في مختلف الملفات العربية؟
- نقدر عالياً ونثمن جداً الدور القطري في مختلف الملفات العربية، وأذكر في القمة العربية في دمشق كان الانقسام واضحا في الموقف العربي، بدليل أن عدداً من الدول لم تحضر تلك القمة، فتقدمت باقتراح بتشكيل لجنة من (3) دول لديها قبول في الساحة، ولديها مقدرة في الحركة، من أجل رأب الصدع في الصف العربي، فاقترحت الجزائر واليمن وقطر، فقال لي سمو الأمير نحن لسنا على قدر ذلك، فقلت له أنتم أكبر من ذلك، وبالفعل لم يمض شهران حتى تم حل الأزمة اللبنانية التي استعصى حلها على جميع الأطراف بما فيها نحن في السودان عندما كنا نرأس القمة العربية، الأزمة اللبنانية انحلت في الدوحة.
الإخوة في قطر لديهم صبر عال جدا، الآن في ملف دارفور وما واجهتهم من مشاكل كثيرة إلا أنهم مصرون على المضي في إنجاح هذه المفاوضات، ونأمل أن تستمر قطر في هذه الأدوار الإيجابية التي تخدم قضايا الأمة العربية.
ملف دارفور
{ ماذا عن ملف دارفور.. متى نتوقع أن يكتمل ويتم التوصل إلى حل نهائي؟
- إذا استطعنا تحجيم التدخلات الخارجية نكون قد حققنا نجاحاً، ففي أحيان كثيرة نكون على وشك الاتفاق والتوقيع لكن يحدث تخريب من قبل بعض الجهات الخارجية، والموعد الذي حددناه مارس من العام الماضي، أي قبل الانتخابات التي جرت في أبريل العام الماضي، وكانت الأمور ماشية والقراءة تقول إنه يمكن أن نصل إلى اتفاق، ولكن تأجل ذلك لشهرين ثم شهر ثم (3) أشهر.
للأسف معظم الحركات تحت سيطرة وهيمنة أطراف اخرى، وليس لديها حرية الحركة، وبالتالي هم سبب تعطيل الوصول إلى الحل النهائي، أطراف خارجية تعطل التوصل إلى حل، وحركات غير جادة للتوصل إلى سلام، مستمتعة بوضعها الحالي، شخص مثل عبد الواحد نور يعيش في الفنادق بينما أهله يعيشون في المعسكرات وهوغير مبال بمعاناتهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.