السلطات السعودية تستدعي قائد الدعم السريع    راصد الزلازل الهولندي يحذر مجدداً: زلزال قوي بين 8 و10 مايو    (تاركو) تعلن استعدادها لخدمات المناولة الأرضية بمطار دنقلا والمشاركة في برنامج الإغاثة الإنسانية للبلاد    سعر الدولار مقابل الجنيه السوداني في بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الريال السعودي مقابل الجنيه السوداني من بنك الخرطوم ليوم الأحد    سعر الدرهم الإماراتي مقابل الجنيه السوداني ليوم الأحد    "الآلاف يفرون من السودان يومياً".. الأمم المتحدة تؤكد    انتفاضة الجامعات الأمريكية .. انتصار للإنسان أم معاداة للسامية؟    بوتين يحضر قداس عيد القيامة بموسكو    أول اعتراف إسرائيلي بشن "هجوم أصفهان"    وفاة بايدن وحرب نووية.. ما صحة تنبؤات منسوبة لمسلسل سيمبسون؟    برشلونة ينهار أمام جيرونا.. ويهدي الليجا لريال مدريد    وداعاً «مهندس الكلمة»    النائب الأول لرئيس الاتحاد ورئيس لجنة المنتخبات يدلي بالمثيرأسامة عطا المنان: سنكون على قدر التحديات التي تنتظر جميع المنتخبات    السعودية أكثر الدول حرصا على استقرار السودان    الفاشر.. هل تعبد الطريق الى جدة؟!!    ريال مدريد يسحق قادش.. وينتظر تعثر برشلونة    الأمعاء ب2.5 مليون جنيه والرئة ب3″.. تفاصيل اعترافات المتهم بقتل طفل شبرا بمصر    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة لها مع زوجها وهما يتسامران في لحظة صفاء وساخرون: (دي محادثات جدة ولا شنو)    شاهد بالصور والفيديو.. رحلة سيدة سودانية من خبيرة تجميل في الخرطوم إلى صاحبة مقهى بلدي بالقاهرة والجمهور المصري يتعاطف معها    غوارديولا يكشف عن "مرشحه" للفوز ببطولة أوروبا 2024    ريال مدريد ثالثا في تصنيف يويفا.. وبرشلونة خارج ال10 الأوائل    تمندل المليشيا بطلبة العلم    الإتحاد السوداني لكرة القدم يشاطر رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الأحزان برحيل نجله محمد    ((كل تأخيرة فيها خير))    الربيع الامريكى .. الشعب العربى وين؟    وصف ب"الخطير"..معارضة في السودان للقرار المثير    دراسة تكشف ما كان يأكله المغاربة قبل 15 ألف عام    مستشار سلفاكير يكشف تفاصيل بشأن زيارة" كباشي"    نانسي فكرت في المكسب المادي وإختارت تحقق أرباحها ولا يهمها الشعب السوداني    قائد السلام    بعد عام من تهجير السكان.. كيف تبدو الخرطوم؟!    شاهد.. حسناء السوشيال ميديا أمنية شهلي تنشر صورة حديثة تعلن بها تفويضها للجيش في إدارة شؤون البلاد: (سوف أسخر كل طاقتي وإمكانياتي وكل ما أملك في خدمة القوات المسلحة)    الأمن يُداهم أوكار تجار المخدرات في العصافرة بالإسكندرية    العقاد والمسيح والحب    شاهد بالفيديو.. حسناء السوشيال ميديا السودانية "لوشي" تغني أغنية الفنان محمد حماقي و "اللوايشة" يتغزلون فيها ويشبهونها بالممثلة المصرية ياسمين عبد العزيز    مؤسس باينانس.. الملياردير «سي زي» يدخل التاريخ من بوابة السجن الأمريكي    الموارد المعدنية وحكومة سنار تبحثان استخراج المعادن بالولاية    بعد فضيحة وفيات لقاح أسترازينيكا الصادمة..الصحة المصرية تدخل على الخط بتصريحات رسمية    راشد عبد الرحيم: يا عابد الحرمين    تعلية خزان الرصيرص 2013م وإسقاط الإنقاذ 2019م وإخلاء وتهجير شعب الجزيرة 2024م    بيان جديد لشركة كهرباء السودان    أمس حبيت راسك!    دخول أول مركز لغسيل الكلي للخدمة بمحلية دلقو    شركة توزيع الكهرباء في السودان تصدر بيانا    تصريحات جديدة لمسؤول سوداني بشأن النفط    دخول الجنّة: بالعمل أم برحمة الله؟    الملك سلمان يغادر المستشفى    جريمة مروّعة تهزّ السودانيين والمصريين    عملية عسكرية ومقتل 30 عنصرًا من"الشباب" في"غلمدغ"    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البشير : لسنا محصنين ضد الثورات لكن شعبنا يملك حرية التعبير..والجميع أكد على نزاهة الانتخابات وشفافيتها..(26) سنة في الحكم أكثر من ما يجب.. نتحدى أية جهة تدعي أن مسؤولا حكوميا اخذ رشوة..
نشر في الراكوبة يوم 22 - 05 - 2011

البشير يتحدث في حوار اللحظة التاريخية عن السودان وقضايا الساعة :
لسنا محصنين ضد الثورات لكن شعبنا يملك حرية التعبير
اجري الحوار في الخرطوم : جابر الحرمي:
يقف السودان على مشارف لحظة تاريخية حاسمة و حافلة بعشرات التساؤلات حول المصير والمستقبل و الانعكاسات والتداعيات .. تساؤلات بحجم الهواجس والقلق من تاريخ لايرحم ومن واقع ضاقت فيه الخيارات عندما غاب أو تغيب الجار الشقيق الأكبر قسرا فكان الخيار الصعب تجنبا للأصعب .. يقترب السودان من لحظة انفصال جنوبه عن شماله وساحته ترزح تحت وطأة اشكالات تنخر في جسد هذا الاقليم أو ذاك فيما الوطن العربي تجتاحه ثورات التغيير من مشرقه حتى مغربه ..
في هذه اللحظة الحاسمة جاء حوار «الشرق» مع الرئيس عمر البشير ، فكان حديثه شاملا وجريئا وصريحا وصادقا أماط فيه اللثام عن كثير من الأمور التي تشغل بال المواطن السوداني وتستأثر باهتمام المواطن العربي .. لقد تحدث عن كل الأمور بدون مواربة ، فكان الحوار تاريخيا بحجم اللحظة التاريخية في السودان .
يحدد الرئيس البشير 9 يوليو موعدا لمرحلة فاصلة سيدخلها السودان مع انفصال الجنوب واستقلاله عن الشمال بعد مئة عام من الوحدة .. وهو انفصال واقع لامحالة ولا تراجع عنه ، لكنه مكلف وله أثمان باهظة وأبرزها خسارة عائدات النفط الجنوبي التي كانت رافدا مهما للاقتصاد الوطني، فضلا عن القضايا العالقة التي مازالت قيد الحوار مثل ترسيم الحدود والعملة ومنطقة أبيي .
السودان هذه الأيام منشغل ( كما يقول الرئيس البشير) بتصفية تركة السودان القديم لانجاز عملية الانفصال ، وهي تركة ثقيلة قد لا تنتهي قبل موعد الانفصال، ولذلك ستستمر انطلاقا من حرص الشمال على دعم الجنوب بالامكانات والخبرات والحفاظ على أفضل العلاقات معه .. لكن الرئيس يحذر من أن الأمر سيأخذ منحى آخر فيما اذا حاول الجنوب فرض أمر واقع بشأن أبيي ،مؤكدا رفضه لأي حل يقضي بضم أبيي الى الجنوب ،معلنا استعداده لخوض حرب لأجل هذا الهدف .
أما احتمال أن يتحول الجنوب الى قاعدة للغرب واسرائيل فان الرئيس البشير لا يستبعده مطلقا نصيحة وتحذيرا في آن واحد فالنصيحة تقول ان مصلحة الجنوب في العلاقات الجيدة مع الشمال أما التحذير فهو ان الجنوب سيكون الخاسر الأكبر فيما لو تحول الى شوكة في خاصرة السودان .
لحظة الانفصال لم تحجب لهيب الثورات العربية في دول الجوار لكن الرئيس البشير يقول بثقة المدرك للواقع والمعطيات ان السودان ليس محصنا تحصينا تاما لكنه بعيد عن الثورات لأنه قريب من نبض الشارع ومتاح للجماهير حرية التعبير وابداء الرأي استنادا الى الدستور الذي يكفل الحريات للأحزاب التي يفوق عددها 80 حزبا، مشيرا الى أن الشعب السوداني يعبر عن نفسه بحرية وقد شهد العالم بنزاهة الانتخابات التي جرت العام الماضي .
ويضيف ان الاصلاح هدف دائم حيث المشاورات تجري مع جميع القوى السياسية والأحزاب والعلماء والمفكرين لاعداد دستور دائم يعبر عن تطلعات وآمال الشعب السوداني .
ولعل ابرز مقومات الاصلاح هو التجديد في الحكم وتداول السلطة ولذلك يعلن الرئيس البشير قراره النهائي بالعزوف عن الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة ، حيث ان 26 عاما في الحكم مدة أكثر مما يجب، كاشفا أنه يدعم ترشيح احد الشباب لان السودان غني بالكوادر الشبابية المؤهلة للحكم .
واذ يعترف الرئيس البشير بوجود مشاكل اقتصادية جراء الأزمة العالمية يؤكد أن الدولة أعدت برنامجا للانقاذ ثلاثي الأبعاد لمواجهة التداعيات الاقتصادية لانفصال الجنوب ابرز خطواته خفض الانفاق الحكومي بنسبة 30% وزيادة الصادرات لتغطية العجز في الميزان التجاري .
وتترافق هذه الخطوات مع مبادرة طيبة لجذب المستثمرين لانعاش الحركة الاقتصادية حيث أعلن الغاء وزارة الاستثمار قريبا، وتشكيل مجلس أعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية .
ويتحدث الرئيس البشير بكثير على قدرة السودان مكافحة الفساد، معلنا تحديه لأية جهة تثبت أن مسؤولا حكوميا مرتشيا ،مشيرا الى أن السودان يمتاز عن غيره من الدول بوجود تشريعات ومؤسسات تحمي المال العام حيث أن المراجع العام يقدم تقريره المالي سنويا للبرلمان .
وعندما يأتي الحديث الى ثورة 25 يناير المصرية والعلاقات مع مصر يتحدث الرئيس البشير بفخر كبير لان التغيير في مصر لمصلحة السودان مئة بالمئة ، خصوصا وان غياب مصر عن دورها المعهود قبل الثورة كان ابرز أسباب انفصال جنوب السودان . وذلك باعتبار أن الأمن القومي السوداني يمثل الضمانة الأساسية للأمن القومي المصري، مؤكدا ان العلاقات مع مصر تتقدم على علاقات السودان مع سائر الدول .
وأما التطورات في ليبيا فيرى فيها الرئيس البشير أنها خففت كثيرا من المشاكل التي عانى منها السودان، مبشرا بانعكاسات ايجابية للتغيير المرتقب في ليبيا ، لكن ما يجري في اليمن يثير هواجسه محذرا من أن ضياع اليمن لأنها ستتحول لبؤرة عدم استقرار في المنطقة . أما التطورات السورية فقد أعلن انه وجه جملة نصائح للقيادة السورية اخذت بجزء ولم تأخذ بالكثير منها، مؤكدا وجوب المضي بالاصلاح واتاحة الفرصة للمواطنين .
ولدى انتقال الحوار الى العلاقات القطرية السودانية يصبح للحديث طعم آخر فهو الحديث عن أهل الدار حيث يغدق الرئيس عبارات التقدير والثناء لقطر أميرا وحكومة وشعبا، منوها بدورها الداعم للسودان ولسائر القضايا العربية .
الحوار مع الرئيس البشير كان بحق حوار اللحظة التاريخية وهنا نص الحديث الذي تنشره (الصحافة) بالتزامن مع (الشرق القطرية ):
* فخامة الرئيس قبل أن نبدأ بالحوار نبارك لكم تدشين مشروع السجل المدني وهو ما يعد انجازا جديدا للسودان الشقيق؟
* نشكر لكم بداية هذا اللقاء .. السودان كما تعرفون يمتلك حدودا مفتوحة على كل الدول ، وتداخلا قبليا قديما خاصة في غرب أفريقيا حيث تجد كل القبائل لها تواجد هناك ، كون السودان كان في القديم يمثل طريق الحج ، والكثير من هذه القبائل عندما تصل الى هناك تستقر في تلك المنطقة .
الآن حتى القوات الأفريقية الموجودة بالسودان باتوا يشجعون أهلهم للهجرة الى السودان ، فدارفور التي يتحدث العالم أنها غير آمنة هي بالنسبة لهم آمنة جدا ويأتون باهلهم للاستقرار بها ، هذا الأمر جعل أي شخص يأتي من غرب السودان يجد له أصول في تلك المناطق ، وقد يدعي انه مولود بالسودان ، وقد يأتي بوثائق تثبت أن له أقارب وأبناء عمومة ، فوجود هذا السجل المدني مهم جدا .
نحن كانت لدينا مشكلة قبل انفصال الجنوب في ما يتعلق بالسجل المدني ، لأن البطاقة العائلية تغلق عندما يتوفى الشخص ، لكن في الجنوب الشخص لا يموت ، فاذا مات وهو طفل فانه عندما يصل سن الزواج يتم تزويجه واذا توفت زوجاته تورث لأبنائه .. وهكذا ، فمعنى أن الوفاة لا تغلق السجل المدني في الجنوب ، الآن بالطبع انحلت بعد الانفصال .
السودان مع نبض الشارع
* الرئيس .. تسارع الحديث في الوطن العربي خلال الأشهر الماضية عن الاصلاحات السياسية ، وشهد العالم العربي ثورات في أكثر من دولة .. أين هو موقع السودان بالنسبة للاصلاحات السياسية ؟
* لو دققنا في كل دولة شهدت هذه الأحداث لوجدنا ان هناك أسبابا حقيقية لتحرك الشارع ، وربما اهم عنصر هو بعد القيادة عن نبض الجماهير في كل شيء سواء قضاياهم الداخلية او الاقليمية او الدولية ، فالانفصام هو الذي خلق حالة من التذمر والغليان ، وهنا اضرب مثالا بسيطا عندما حدثت أحداث غزة والعدوان الاسرائيلي على غزة في نهاية 2008 كان الشارع العربي كله عنده موقف واحد وهو الوقوف الى جانب أهل غزة وتقديم الدعم لهم ، لكن في المقابل الكثير من الأنظمة العربية كان لديها موقف مغاير تماما لشعوبها ، بدليل ان هذه الأنظمة رفضت حتى عقد قمة للتشاور حول ما يدور في غزة ، فهذا نموذج واحد لحالة الانفصام بين الشعوب والأنظمة .
نحن في السودان ظللنا في تقييم مستمر كان آخره الانتخابات التي جرت العام الماضي تحت رقابة دولية واقليمية ومحلية ، والجميع أكد على نزاهتها وشفافيتها والحرية التي تمت خلالها ، الشعب السوداني من المهم لديه التعبير عن نفسه ، ويقول ما لديه .
* اذن هل نستطيع القول إن السودان بمنأى عن هذه الثورات ؟
* لا يمكن القول إن السودان محصن تحصينا تاما ، وبالمناسبة فان السودان أول من خرج شعبه لتغيير النظام وكان ذلك في أكتوبر 1964 حيث خرجت الجماهير وانحازت لها القوات المسلحة وتم تغيير النظام ، وفي ابريل 1985 تكرر نفس المشهد ، فالشعب السوداني عندما تكون هناك أسباب موضوعية للنزول الى الشارع يقوم بذلك .
نحن لا نقول إننا محصنون ، لكن نحن نقول إننا لسنا بعيدين من نبض الجماهير ومتاح أمام الجميع التعبير عن آرائهم في مختلف وسائل الاعلام بالداخل والخارج ايجابا أو سلبا تجاه الحكومة .. لدينا دستور يتيح الحريات ويكفلها للجميع ، لدينا حرية تنظيم الأحزاب ، حيث لدينا أكثر من 80 حزباً .
* هل هي أحزاب فاعلة أم مجرد ديكور ؟
* ليست جميعها فاعلة ، عندما فتحنا باب تسجيل الأحزاب تم تسجيل العديد من الأحزاب ، لكن عندما جاءت الانتخابات اتضح أن الكثير من هذه الأحزاب مجرد لافتات وليست أحزابا حقيقية ، لكن لديها عضوية ولها دورها وتملك حرية التعبير والتنظيم والانتخاب والمشاركة في كل المجالات.
مرحلة جديدة .
* في ما يتعلق بالاصلاحات السياسية فخامة الرئيس .. الى أين وصلت هذه الاصلاحات .. هل هناك اصلاحات جديدة تعتزمون القيام بها خلال المرحلة المقبلة ؟
* نحن داخلون مرحلة جديدة بعد 9 يوليو القادم وهو الموعد المحدد لقيام دولة الجنوب ، وهي مرحلة جديدة بعد الانفصال .. ، ثم اننا الآن نحن في حوار مع القوى السياسية ، والاصلاح يبدأ بالدستور حيث سيتم التشاور مع هذه القوى حول الدستور الدائم للسودان خلال المرحلة المقبلة بعد 9 يوليو ، وهذا ستشارك فيه كل القوى السياسية أو القوى المجتمعية ، بمعنى ليس بالضرورة أن يكونوا بالأحزاب ، لان الحكومة عريضة جدا وهناك أشخاص مؤثرون بالساحة ، وهناك العلماء والمفكرون وأساتذة الجامعات ليس بالضرورة ان يكونوا منتمين للأحزاب .. هذا التشاور سينتج عنه اعداد دستور يعبر عن تطلعات وآمال الشعب السوداني ، هذا بداية الاصلاح.
تصفية تركة السودان
* كيف تسير خطوات استحقاق الانفصال ؟
* العمل الأساسي تم وهو الاستفتاء ، وخرجت النتيجة وقبلنا بها ، وأصبح الأمر واقعا ، وفي 9 يوليو ستنشأ دولة في جنوب السودان ، الفترة التي نحن بها الآن هي الفترة التي يمكن وصفها بأنها فترة تصفية تركة السودان القديم ، فليس كل القضايا وصلنا لها الى حل ، فهناك قضايا معلقة جاري الحوار حولها مثل قضية أبيي وترسيم الحدود والقضايا الاقتصادية فيما يخص العملة والبترول وقضايا الجنسية .. وغيرها من القضايا المعلقة ، وهناك لجان مشتركة تتحاور حول هذه القضايا ، وسيستمر الحوار وما يتم الاتفاق عليه سيتم تطبيقه، وما لم يتم الاتفاق عليه سيتم الاستمرار في الحوار بشأنه .
العودة للحرب
* وماذا إذا ما حاولت الحركة الشعبية فرض أمر واقع حيال بعض القضايا المختلف بشأنها مثل قضية أبيي ؟
* هذا معناه العودة للحرب ، فنحن لن نقبل فرض أمر واقع ، ونحن أعلنا انهم اذا حاولوا فرض أمر واقع في أبيي مثلا والادعاء بقرار منهم أنها جنوبية ، ونحن قررنا أنها شمالية الى أن يتم حسمها عن طريق الاتفاق بين الطرفين .
* وفي حال عدم التوصل الى اتفاق ؟
* ستظل شمالية لأنها هي أصلا جزء من الشمال ، فالحدود بين الدولتين هي حدود 1/1/1956 ، والمكان الوحيد الذي فيه تغيير هو منطقة أبيي ، فلابد أن يتم الاتفاق وحل بالتراضي بين الطرفين ونرفض أي حل يضم أبيي الى جنوب السودان غير ذلك .
نصيحة لأهل الجنوب
* البعض يرى أن الجنوب قد يكون شوكة في خاصرة السودان ، أو أنه سيتحول الى قاعدة اسرائيلية .. في حال حدوث مثل هذا الأمر كيف سيكون التعامل مع هذه الدولة؟
* نحن ننصح اخواننا في الجنوب ان مصلحتهم في علاقات مع الشمال ، فالترابط الموجود بين الطرفين لا يوجد بين أي دولتين أخريتين ، فنحن كنا دولة واحدة لأكثر من 100 عام ، والآن أصبحنا دولتين ، نشترك في اطول حدود ، واكبر تداخل اجتماعي قبلي واقتصادي بين الطرفين ، وأي توتر في هذه العلاقة سيخسر الطرفان ، والجنوب سيكون الخاسر الأكبر ، فمصدر الدخل في الجنوب هو البترول ، وهذا البترول لابد أن يمر عبر شمال السودان ، وأية محاولة لنقله عبر أثيوبيا الى جيبوتي أو كينيا ، فان عملية النقل ستكون مكلفة جدا ، لان الضخ سيكون لأعلى ، بينما هو العكس باتجاه الشمال حيث سيكون باتجاه انسياب المياه ، فالمياه تأتي من الجنوب نحو الشمال ، وبالتالي فان الانحدار الطبيعي هو شمالا ، وبالتالي سيكون اقل تكلفة ، كما أن بناء المنشآت اللازمة سيكون على حساب الدولة ، فشركات البترول لن تتحمل التكلفة ، وبمجرد أن يكون هناك انتاج تجاري تكون التكلفة بالكامل على الدولة ، والجنوبيون حتى يشيدوا منشآت ستكون بتكلفة عالية جدا ، وعملية الضخ اليومي ستكون بتكلفة أعلى ، والبترول كما نعلم هو ثروة ناضبة قد يكون ما تبقى من البترول لا يكفي تكلفة المنشآت .
* لكن قد يجدون دعما غربيا أمريكيا فخامة الرئيس ؟
ليس هناك دعم لوجه الله ودون مقابل ، فالدعم سيكون له ثمن .
قاعدة مناهضة للشمال
* المقابل استخدام الجنوب كقاعدة لتحركات الدول الداعمة بالمنطقة ؟
* احتمال وارد وكبير جدا ، واحتمال دفع فواتير ، نحن لا ننسى أن التمرد في الجنوب منذ بدايته كان مدعوما تماما من الغرب ، دفعت فيه أموال طائلة جدا ، وجد دعما سياسيا وعسكريا قويا ، وبالطبع هذا ليس لوجه الله ، انما هي فواتير في النهاية تدفع ، وفي الغالب فان هذه الفواتير لن تكون في صالحنا نحن في الشمال ، فاحتمال استخدام الجنوب كقاعدة لخلق مشاكل للشمال أمر واردة ، لكن بنفس القدر الجنوب سيكون خاسرا أيضا .
* اذا ما تم التوقيع على اتفاقيات تمثل إضراراً بالأمن القومي السوداني بين دولة الجنوب سواء مع دول غربية أو دول جوار أو أي أطراف أخرى .. ما هو موقفكم في هذه الحالة ؟
* نحن موقفنا الثابت هو اقامة علاقات حميمية بين الطرفين ، علاقات تعاون ، موقفنا الثابت أن كل امكانياتنا سنسخرها لدعم اخواننا لاقامة دولتهم بالجنوب ، لاننا نعرف أنهم بحاجة الى دعم كبير جدا ، خاصة دعم فني وخبرات في بناء دولة ، لأنه لا توجد دولة حاليا بالجنوب ، فالحرب عطلت أية تنمية في الجنوب ، وهذه الحرب بدأت عام 1955 اي قبل الاستقلال ، واستمرت لمدة 17 عاما ، وتوقفت لمدة 10 سنوات ولم تحدث خلالها تنمية حقيقية في هذه الفترة ، ثم بدأت الحرب بصورة اعنف من الحرب الأولى لأنها جاءت بامكانيات وتسليح اكبر واخطر ، وبالتالي فان الجنوب بحاجة الى الاستقرار ومال ودعم فني وخبرات لبناء دولته ، ونحن في الشمال الأقرب والأعرف بأوضاع الجنوب وعلى أتم الاستعداد لدعم اخواننا في الجنوب .
انتخابات كردفان
* اتهمتكم الحركة الشعبية مؤخرا بالتزوير في انتخابات جنوب كردفان .. ما هو تعليقكم على ذلك ؟
* أولا ، هذه الانتخابات جرت تحت رقابة اقليمية ودولية ومحلية ، ثم أنها تديرها مفوضية مستقلة ، ليس للحكومة أو وزارة الداخلية أي دخل فيها ولا تديرها ، وشاركت في تكوين هذه المفوضية كل القوى السياسية الموجودة بالساحة وهي التي تديرها .
ولغاية ما تم الفرز على مستوى الدوائر والمراكز الخاصة بالاقتراع فان مراقبي الحركة أنفسهم وقعوا على النتائج ، ولما ظهرت النتيجة الكلية أن المؤتمر الوطني هو الفائز قالوا إنها مزورة ، لكن كل النتائج الأولية والفرز الذي تم على مستوى المراكز ممثلو الحركة وقعوا عليه ، والعملية الأخيرة التي تمت ما هي الا تجميع للأصوات من الدوائر المختلفة ، وهذه عملية تخص المفوضية فقط ، وما كان مطلوبا أصلا حضور لممثلي الأطراف ، لأنها نتائج سبق أن وقعوا عليها بعد أن شاهدوها ، وكون عملية الجمع النهائية أثبتت أن المؤتمر الوطني هو الفائز فان ذلك يمثل سلاح الخاسر دائما .
لا اعتراف بالمحكمة الجنائية
* لكن فخامة الرئيس ربما البعض وضع علامة استفهام على قيام حزب المؤتمر الوطني بطرح أحمد محمد هارون كمرشح وهو المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية .. فهل هو تحدي للمحكمة ؟
* نحن أصلا غير معترفين بمحكمة الجنايات الدولية ، وبالتالي أعمالها لا تسري علينا ، وتعرف أن رئيس الجمهورية نفسه مطلوب للمحاكمة. أحمد هارون من الكوادر والطاقات العاملة ، وكان واليا لهذه الولاية ، اقنع مواطني الولاية من خلال عمله وانجازاته ، وكانت فترة ولايته تعد اكبر فترة حدث فيها استقرار وتنمية ضخمة جدا ، وبالتالي فان أحمد هارون قدم بناء على رغبة المواطنين .
* الرئيس مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية .. هل هناك من جديد في هذه القضية ؟
* القضية هي سياسية ، ومدعي المحكمة الجنائية واضح انه ليس قانوني ولا مدعي ، انما هو ناشط سياسي ، لأنه يتنقل بين الدول ويعمل الندوات ويسافر لتعبئة الدول الأفريقية وغيرها من الدول ضد السودان ورئيس السودان ، وهذا ليس عمل المدعي ، عمل المدعي داخل المحكمة ، هو ناشط سياسي ومتحرك في الاعلام ويعقد الندوات والمؤتمرات الصحفية .. .
* الم يحدث في الفترة الأخيرة أي تواصل مع المحكمة ؟
* نحن رافضين أي تعاون مع هذه المحكمة ، وليس لدينا أية علاقة بها ، نحن لسنا أعضاء في بروتوكول روما ، هو تغول على السودان ، وعمل سياسي بحت ، وبالتالي نحن لا نتعامل مع المحكمة .
لن أترشح للرئاسة
* فخامة الرئيس أعلنتم أنكم لن تترشحوا في الانتخابات الرئاسية القادمة الا أن مصادر بحزبكم المؤتمر الوطني قالت إن الخيار ليس بيد الرئيس انما بيد الحزب .. هل اذا ما تم اختياركم لخوض الانتخابات القادمة ستوافقون ؟
* في الانتخابات القادمة أكون قد أكملت 26 عاما في الرئاسة والعمر سيكون 71 عاما ، والعمر في فترة الحكم وخاصة في حكم الانقاذ السنة ليست بسنة ، فحجم التحديات والمشاكل التي واجهناها كبيرة ، بالقطع أن 26 سنة في الحكم هي أكثر مما يجب سواء بالنسبة للشخص أو بالنسبة للشعب السوداني .
نحن نعمل على أن يقدم المؤتمر مرشحا جديدا ، فنحن لدينا حزب مطمئنين اليه جدا ، لديه قاعدة وقاعدة شبابية تحديدا ، فالحزب حزب شاب ، ولدينا العشرات من الكوادر الشبابية المؤهلة للترشح لرئاسة الجمهورية .
بالنسبة لي فان قرار عدم الترشح للرئاسة قرار نهائي ، وفترة السنوات الأربع القادمة كافية لترتيب الأوضاع داخل الحزب لتقديم قيادة جديدة في الانتخابات القادمة .
الحكم ليس نزهة
* لكن هناك من اتهمكم أن اعلانكم عدم الترشح ما هو الا مناورة ؟
* أقول لك الحكم في السودان ليس نزهة ، هو بكل المقاييس أمانة ثقيلة جدا ، ولو راقبت الفضائيات فان السودان حاضر باستمرار ولا يمكن أن تمر نشرة اخبارية دون أن يكون للسودان خبر فيها ، وهذا حجم التآمر على السودان .
السودان بحد ذاته بحاجة الى طاقات من الشباب خلال المرحلة المقبلة ، فمن المهم تجديد الطاقات لقيادة هذا البلد الى الأمام .
استئصال الفساد
* فخامة الرئيس أنشأت مفوضية للمحافظة على المال العام ، لكن الى الآن هناك شكاوى من وجود مخالفات وبؤر فساد .. كيف يسير عمل هذه المفوضية أولا وكيف يمكن ثانيا استئصال بؤر الفساد ؟
* أولا نؤكد أن لدينا من المؤسسات والقوانين القائمة الآن للحفاظ على المال العام ما ليس موجودا بأي بلد في المنطقة ، فمثلا لدينا المراجع العام لحكومة السودان وهو المراجع الوحيد في المنطقة العربية والأفريقية الذي سنويا يقدم تقريره أولا للبرلمان ، لا يقدمه لا لرئيس الجمهورية ولا الى مجلس البرلمان ، وعندما يناقش هذا التقرير أمام البرلمان فيه تجاوزات او ما يمكن تسميته بالمخالفات الادارية أكثر من كونها تجاوزات ، وهذه المخالفات تصحح على المستوى الاداري ، وفي بعض المرات فيما يتعلق بالميزانية مثلا تكون المخالفة بأن تم صرف من بند الى بند ، والميزانية بعد ان يجيزها البرلمان الحكومة ليس لديها الحق في تغيير الصرف من بند الى بند الا بالرجوع الى البرلمان مرة أخرى ، في الغالب فان تقرير المراجع العام يتحدث عن مثل هذه التجاوزات ، لكن كلها يسميها الاعتداء على المال العام ، فالتسمية نفسها تشعرك أن هناك هجوما حصل على المال العام ، لكنها في الغالب تمثل مخالفات ادارية كما أشرت لكم بذلك ، أو في عدم الالتزام باللوائح المحاسبية والمالية .
في بعض الحالات التي تكون فيها قضايا جنائية تظهر في التقرير بعد أن يناقش التقرير في البرلمان تحول مباشرة الى وزارة العدل التي لديها نيابة تسمى نيابة المال العام التي تتولى مثل هذه القضايا اذا ما وجدت قضايا تستحق المضي فيها قضائيا ترفعها الى القضاء الذي يقوم بدوره بالمحاكمة .
هذه السلسلة وهذه الاجراءات الموجودة عندنا لا نراها بأي دولة بالمنطقة ، بان هناك مراجعا عاما وتقريرا يقدم الى البرلمان ويناقش بكل شفافية ، وفي النهاية محاسبة البرلمان اما محاسبات ادارية أو اصلاحات ادارية او في النهاية قضايا تذهب الى النيابة ومنه الى القضاء ، والقضاء حكم بالفعل في عدد من القضايا التي بها مخالفات وتعدٍ حقيقي واختلاسات او تجاوزات حصل منها مكاسب شخصية لجهة ما .
كذلك لدينا ادارة الثراء الحرام ، وهي ادارة قوية جدا ، وتختلف قوانين الثراء في السودان عن قوانين الدول الأخرى ، ففي تلك الدول اذا ثبت أن هنالك شخصا ارتكب المخالفات التي مكنته الاستيلاء على المال هنا يدخل تحت بند الثراء الحرام ، لكن ما هو لدينا بالسودان أن هناك مادة تسأل من أين لك هذا ، ليست هناك أية تهمة .. ليست هناك أية بينة ،ان الشخص قد أخذ مالا عاما لنفسه لكن هناك علامات وآثار الثراء غير المبرر أو غير المنطقي الذي ظهر على الشخص المسؤول في الدولة أو في أي موقع قيادي بالدولة ، هنا يُسأل من أين لك هذا ، إما يثبت مصدر هذا المال او انه مال عام حصل عليه بطريقة غير مشروعة ، رغم انه ليس هنالك أية تهمة محددة أو مخالفة بناء عليها تمت المحاسبة.
أنواع الفساد
ونؤكد أن الحرية متاحة في الاعلام وغيره من المنابر لتناول هذه القضايا .
وأنا أرى أن الفساد في الدولة يمكن تقسيمه الى 3 أقسام ، القسم الأول هو فساد المسؤولين الكبار الذين يقومون بتوقيع العقود نيابة عن الدولة ويأخذون عمولات ، ونحن حتى هذه اللحظة نتحدى أية جهة تدعي أن هناك مسؤولا حكوميا سودانيا قد اخذ رشوة أو عمولات ورغم أننا وقعنا اعدادا ضخمة من مشاريع الطرق و السدود والكهرباء وغيرها في مختلف القطاعات .
النوع الثاني من الفساد هو فساد الموظفين الصغار الذي يتمثل في عملية اختلاس أو تقديم خدمة مقابل الحصول على منفعة أو عمولة أو رشوة ، وفي هذه الحالة تمثل قضية جنائية ، والكثير من الحالات التي تم القبض عليها أحيلت الى القضاء وتمت محاكمتها ، ورئيس القضاء في آخر تقرير أشار الى أن هناك 32 قضية عرضت على القضاء ، هناك 30 قضية حسمت بالحكم ، فيما تنظر قضيتان للحكم .
الا أننا نرى أن الفساد الخطير ، والذي يهدد كيان الدولة ، هو فساد المؤسسات الأمنية والعدلية ، فهذا يكون فسادا محميا ، فلو حاول الناس محاربته سيجدون أن من خلف ذلك الفساد لديهم من الصلاحيات والسلطات التي تمنع المحاسبة ، وهذا الفساد أيضا نحن بريئون منه .
عندما جاءت حكومة الانقاذ الى الحكم عام 1989 كانت حسابات جمهورية السودان لم تقفل ولم تراجع لمدة 5 سنوات ، نحن اليوم حسابات حكومة السودان تراجع سنويا ، وكما قلت فان تقرير المراجع العام يقدم الى البرلمان وليس الى رئيس الجمهورية أو مجلس الوزراء .
الاستقرار الاقتصادي
* فخامة الرئيس .. الثورات العربية التي حصلت في عدد من الدول احد محركاتها كان الجانب الاقتصادي .. اذا سألنا عن الاقتصاد السوداني كيف يسير وفي أي اتجاه ؟
* لا ننكر أننا نواجه مشاكل اقتصادية ، لكن استطعنا ان نعمل نوعا من الاستقرار الاقتصادي ، ونحقق نموا اقتصاديا بعد ان كان في عام 1989 وهو تاريخ استلامنا الحكم حسب تقرير صندوق النقد الدولي أشار الى أن نسبة النمو في السودان سالب واحد ، خلال سنوات الانقاذ وبشهادة صندوق النقد الدولي وصل الى 8 بالمائة ، واستطعنا كذلك تحقيق تنمية في مختلف القطاعات وبشهادة الجميع ، وفي نفس الوقت استطعنا السيطرة على التضخم ، لكن عندما حصلت الأزمة المالية العالمية رغم عدم ارتباطنا الوثيق بمؤسسات التمويل العالمية الغربية والتي كان لها اثر كبير على الدول المرتبطة بها ، لكن تأثرنا ، لأن أسعارنا وصادراتنا انخفضت بدرجة كبيرة جدا ، وعائداتنا من البترول انخفضت بصورة كبيرة جدا ، هذه الأزمة خلقت نوعا من الشح في واردات العملة الأجنبية وهو ما أدى الى ارتفاع التضخم من رقم 1 الى الرقم 2 .
هناك ارتفاع في أسعار السلع الغذائية في العالم وهذا أيضا كان له تأثيره وانعكاساته على السودان ، وأقول إننا لسنا مبرأين ، هناك مشاكل وهناك غلاء في الأسعار .. .
برنامج إنقاذ ثلاثي الأبعاد
* هل هناك معالجات لمثل هذه المشاكل خاصة فيما يتعلق بالحياة المعيشية اليومية للمواطن السوداني ؟
* نحن عملنا برنامجا اسعافيا ثلاثيا ، وسنواجه أمرا آخر انه بعد 9 يوليو سوف تفقد الحكومة عائدات النفط الجنوبي ، ولمواجهة ذلك عملنا برنامجا اسعافيا ثلاثيا لتلافي هذه الآثار ، آثار العجز في الموازنة ، وهذا يشكل خطورة ، وهو ما يستلزم البحث عن كيفية سد العجز في الموازنة ، كذلك العجز في الميزان الخارجي ، ومن الاجراءات لخفض العجز في الموازنة هو خفض الانفاق الحكومي ، وبدأنا بالفعل في اجراءات صارمة جدا في خفض الانفاق الحكومي بنسبة 30 بالمائة في عدد من المواقع ، وهذا الخفض سيكون له تأثير على الخدمات المقدمة وعلى التنمية ، لكن هذا احد الاجراءات التي اتخذناها .
الخطوة الأخرى التي اتخذناها هي خفض الواردات وزيادة الصادرات لتغطية العجز في الميزان التجاري .
البرنامج بدأ بالفعل ، وسيكون فيه نوع من الشدة ، ولكن لأننا نصارح مواطنينا نقوم باطلاعهم على مثل هذه الأمور أولا بأول ، ونضعهم بالصورة ونطلعهم على المشاكل والمعالجات التي تتم والنتائج المتوقعة .
قوانين جذب الاستثمار
* ماذا عن الاستثمار واستقطاب المستثمرين .. هل هناك خطوات لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وماذا عملت على هذا الصعيد ؟
* بالتأكيد ، نحن الآن نعيد النظر في قانون الاستثمار نفسه ، ونخضعه حاليا لنقاش واسع جدا ، حتى يكون قانونا أكثر جاذبية وقانونا ييسر للمستثمر الاجراءات أكثر ، فنحن في ظل حكم اتحادي ، هناك سلطة اتحادية وهناك سلطة ولائية ، ولا نريد للمستثمر أن يضيع وقته ما بين السلطات ، نحن الآن نعمل على اعداد قانون جديد .. شكلنا مجلسا أعلى للاستثمار برئاسة رئيس الجمهورية ، وعلى رأس العمل التنفيذي في هذا المجلس الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل مستشار رئيس الجمهورية ، وسنلغي وزارة الاستثمار ، لان المجلس ممثلة به كل الوزارات والولايات ذات العلاقة ، وبالتالي فان كل مشاكل الاستثمار سوف تحل لأن كل المعنيين بالاستثمار ممثلون في هذا المجلس ، فهذه احدى الخطوات لتشجيع الاستثمار .
كذلك وجهنا بان تقوم الوزارات والولايات بتجهيز مشاريع ، بحيث لا يقوم المستثمر بالبحث عن المشروع انما تكون هناك مشاريع جاهزة ومدروسة ومشاكلها الأولية كلها محلولة ، وترفع للمستثمرين سواء في المجال الزراعي أو التصنيع الزراعي أو التعدين والبلد غني جدا بالمعادن ، وكذلك في مجال النفط .. هذه هي المجالات الأساسية ، وهناك مجالات أخرى خدمية سواء مصرفية أو غيرها .
العلاقات مع دول الجوار
* فخامة الرئيس .. اذا انتقلنا الى ملف دول الجوار .. كيف هي علاقات السودان مع دول الجوار حاليا ؟
* لقد اجتهدنا لتحسين علاقاتنا مع دول الجوار جميعها ، أثيوبيا واريتريا الآن العلاقات معها ممتازة جدا ، الحدود أصبح بها تبادل منافع ، وبدأنا حتى بالغاء تأشيرة الدخول للمواطنين مع هذه الدول ، ومع تشاد وافريقيا الوسطى لدينا اتفاقيات لحماية الحدود ، ولدينا قوات مشتركة لمنع التفلت من الطرفين ، وكانت هناك العديد من العصابات مستفيدة من سوء العلاقات فيقومون بالنهب من السودان والدخول الى تشاد ، والعكس أيضا ، والمعارضة تتحرك عبر الحدود ، الآن حدودنا ممتازة جدا ، كانت لدينا اشكالية كبيرة جدا في حدودنا مع ليبيا بالذات لأن كل الدعم الذي كان يأتي للمتمردين كان يأتي من ليبيا ، الوضع في ليبيا الآن خفف كثيرا من المشاكل التي كنا نعانيها ، والتغيير الذي يحدث الآن في ليبيا سيكون له انعكاسات ايجابية ، قطعا التغيير الذي حصل في مصر كان لصالح السودان مائة بالمائة ، ويكفي انه تم انتخاب الدكتور نبيل العربي امينا عاما للجامعة العربية ، وهنا أود الاشادة بالتوافق العربي الذي حصل في اختيار الأمين العام الجديد ، الذي نرحب به ، ونشيد كذلك بالموقف القطري الذي اتسم بالحكمة في هذه القضية ، كعادته دائما .
مصر والسودان
* لوحظ أن أول زيارة خارجية لرئيس الوزراء المصري عصام شرف كانت للسودان .. ما هو مغزى ومدلول هذه الزيارة ؟
* السودان هو العمق الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي و الاستراتيجي لمصر ، فمصر دون السودان دولة ضعيفة جدا ، مساحتها محدودة ، عمقها غير مؤمن ، واضرب مثالا على ذلك ، ففي سنة 1967 في العدوان على مصر عندما ضربت المطارات المصرية تم نقل ما تبقى من القوة الجوية المصرية الى السودان .. نقلت مراكز التدريب والكلية الحربية وخلافها الى السودان .. القوات السودانية ظل لها وجود مستمر على الجبهة المصرية طوال سنين الحرب ، مصر أمنها الغذائي بالسودان ، .. ، الوضع الطبيعي أن تكون علاقات مصر مع السودان مقدمة على أية علاقة مع أية دولة أخرى أو أي طرف آخر ، لكن نجد انه في الفترة السابقة هذا الدور تعطل بل أصبح دورا سالبا تجاه السودان ، فاحد أسباب انفصال الجنوب هو عدم قيام مصر بدورها تجاه الأمن القومي السوداني الذي يمثل الضمانة الأساسية للأمن القومي المصري ، فالرؤية التي انطلق بها العهد الجديد في مصر رؤية صحيحة مائة بالمائة ، وقراءة صحيحة تماما ، وان أي أمن سواء كان غذائيا أو مائيا أو عسكريا .. ليس هناك غير السودان .
الأوضاع العربية
* كيف تنظرون فخامة الرئيس الى الأوضاع القائمة حاليا في كل من ليبيا واليمن وسوريا ؟
* بالنسبة لليبيا نرى ان الفترة طالت وكنا نأمل أن تحسم في وقت أسرع ، لان ما يحدث تدمير وتخريب وتعطيل للحياة في ليبيا ، بالرغم من أننا قلنا إن هذا شأن ليبي ، لكن ارتباطنا بالشعب الليبي وقربنا منه وتأثرنا بالأوضاع فيها ، نأمل أن يحسم الموقف في ليبيا وان تدعم عملية الاستقرار ، لان البلد بحاجة الى عملية بناء وتعمير بصورة ضخمة جدا ، استمرار الحرب يمثل عبئا على الشعب الليبي ، والحلفاء يتدخلون اليوم في ليبيا بالتأكيد في مقابل ، وسوف يقدمون فاتورة بالذي صرف والذي لم يصرف ، والذي سيدفع الثمن هو الشعب الليبي ، والتدمير الذي حصل بحاجة الى اعادة بناء وهذا تكلفته عالية جدا .
مطلوب اعادة ترتيب الأوضاع في ليبيا وبناء مؤسسات الدولة ، لأنه لم تكن هناك مؤسسات للدولة ، كان هناك فوضى ، وهذا سيأخذ وقتا واجراء طويلا ، وأي تأخير سيترتب عليه المزيد من المشاكل ، فنتمنى أن يتم التغيير بأسرع وقت ممكن .
أما بالنسبة لليمن فاننا قلقون على الأوضاع فيها ، ومشفقون على هذا البلد ، فالشعب اليمني شعب مسلح ، وشعب قبلي ، ومناطق وعرة جدا ، فنحن نخشى على اليمن مصير الصومال ، لان القبائل الآن تتسلح ، على الرغم من أن الحركة الى الآن حركة سلمية ، حتى مع الخسائر البشرية التي وقعت لا زالت حركة سلمية ، نحن نخشى ان تتطور الى حركة مسلحة ، واذا تطورت الى حركة مسلحة فان اليمن يكون قد ضاع ، واليمن اذا ضاع فانه سيكون بؤرة عدم استقرار للمنطقة كلها ، وكل الدول سوف تدفع ثمن ذلك ، اذا كانت الكثير من الدول تدفع اليوم ثمن عدم الاستقرار بالصومال فما بالكم باليمن.
بالنسبة لسوريا فنحن نعتبر سوريا دولة مواجهة ، قوتها والاستقرار فيها مهم جدا ، الحاصل حاليا فيها هو اضعاف لسوريا بكل المقاييس ، وبالتالي اضعاف لموقفها كونها دولة مواجهة .
نحن من جانبنا اتصلنا بالاخوة في سوريا ، وقدمنا لهم مجموعة مقترحات لكيفية تجاوز الأزمة ، وهم قدروا ذلك ، وقاموا بتنفيذ بعضها لكن هناك جزءا كبيرا جدا لم يتم تنفيذه ، من الأشياء التي نصحناهم بها ، ولا زلنا ننصح الأخوة في سوريا بالمضي في خط الاصلاح واتاحة الفرصة للمواطنين ، وسنستمر بالعمل مع الاخوة في سوريا والتواصل معهم ، وفي نفس الوقت أيضا متواصلين مع الاخوة في اليمن ، وأرسلنا أكثر من وفد لليمن ، ودعمنا المبادرة الخليجية وشجعنا الأطراف المختلفة للقبول بها ، لأننا نبحث عن مخرج ، لان في النهاية فان المنتصر سيكون الشعب اليمني والخاسر سيكون الشعب اليمني ، ليس الرئيس وليس الشعب ، نحن نتحدث عن اليمن وعن الشعب اليمني .
* علاقاتكم فخامة الرئيس مع أمريكا .. هل من جديد فيما يتعلق بهذا الملف ؟
* نستطيع القول إن هناك هدوءا في هذه العلاقات الى حد كبير ، لا نقول إنها تحولت ايجابا لكن اقل سوءاً .
* ألا توجد محاولات لرفع اسم السودان من قائمة الارهاب ؟
* نعم هناك محاولات ، وهناك حوار يبحث في واشنطن والحوار مستمر ، والطرف الأمريكي أكد انه بدأ اجراء من خلال المبعوث الأمريكي السابق والمبعوث الحالي ومن خلال رئيس لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس ، هؤلاء يتحدثون عن بدء الاجراءات لرفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للارهاب ، وفي النهاية رفع العقوبات المفروضة على السودان ، نحن ننتظر تلك الخطوات.
العلاقات القطرية السودانية
* اذا تحدثنا فخامة الرئيس عن العلاقات القطرية السودانية .. كيف تنظرون الى هذه العلاقات وكيف تستشرفون مستقبلها ؟
* علاقات قطر والسودان علاقة نموذجية لثبات العلاقة ، فالأوضاع والدنيا تتغير حولنا لكن العلاقة بين البلدين تظل علاقة تعاون وثيق جدا ، وتشاور مستمر ، وما كنا نتحرج نحن في السودان انه في ادق قضايانا الداخلية نشرك فيها اخواننا في قطر ، فهذا المكان الذي نتحدث فيه شهد سهرات لسمو الأمير ولرئيس الوزراء ، كانوا يسهرون معنا في قضايا داخلية ، عندما حصل خلاف بيننا وبين د. الترابي كانوا يسهرون معنا في هذا المكان حتى يؤدوا صلاة الفجر ، وكانوا في حركة مجيئا وذهابا بيني وبين د. الترابي ، هذا الموقف يظهر مدى العلاقة التي تربط بيننا .
كذلك هذه العلاقة النموذجية انعكست في المعاملة الراقية والطيبة التي يجدها السودانيون بالدوحة ، وأقول إن السودانيين في قطر اليوم ولاؤهم لقطر أكثر من السودان ، لماذا ، للمعاملة الطيبة والحميمية والثقة التي يجدونها والمواقع التي يتبوأونها في قطر ، كل ذلك يدل على مدى عمق هذه العلاقة .
في كثير من الأحيان نكتشف أننا في السودان وقطر متطابقان في الكثير من القضايا الخارجية دون أن نعلم وقبل أن نتشاور فيها ، فنجد أنفسنا في اتفاق تام ، وموقفنا موقف واحد كأننا قد سبق أن جلسنا وتحاورنا واتفقنا على ذلك .
التواصل المستمر فيما بيننا جعلنا قريبين من بعضنا البعض .
* كيف ترون الجهد القطري في مختلف الملفات العربية ؟
* نقدر عاليا ونثمن جدا الدور القطري في مختلف الملفات العربية ، واذكر في القمة العربية في دمشق كان الانقسام واضحا في الموقف العربي ، بدليل أن عددا من الدول لم تحضر تلك القمة ، فتقدمت باقتراح بتشكيل لجنة من 3 دول لديها قبول في الساحة ، ولديها مقدرة في الحركة ، من اجل رأب الصدع في الصف العربي ، فاقترح الجزائر واليمن وقطر ، فقال لي سمو الأمير نحن لسنا على قدر ذلك ، فقلت له انتم اكبر من ذلك ، وبالفعل لم يمض شهران حتى تم حل الأزمة اللبنانية التي استعصى حلها على جميع الأطراف بما فيها نحن في السودان عندما كنا نرأس القمة العربية ، الأزمة اللبنانية انحلت في الدوحة .
الاخوة في قطر لديهم صبر عال جدا ، الآن في ملف دارفور وما واجهتم من مشاكل كثيرة الا أنهم مصرون على المضي في انجاح هذه المفاوضات ، ونأمل أن تستمر قطر في هذه الأدوار الايجابية التي تخدم قضايا الأمة العربية .
ملف دارفور
* ماذا عن ملف دارفور .. متى نتوقع أن يكتمل ويتم التوصل الى حل نهائي ؟
* اذا استطعنا تحجيم التدخلات الخارجية نكون قد حققنا نجاحا ، ففي أحيان كثيرة نكون على وشك الاتفاق والتوقيع لكن يحدث تخريب من قبل بعض الجهات الخارجية ، والموعد الذي حددناه مارس من العام الماضي ، أي قبل الانتخابات التي جرت في ابريل العام الماضي ، وكانت الأمور ماشة والقراءة تقول انه يمكن أن نصل الى اتفاق ، ولكن تأجل ذلك لشهرين ثم شهر ثم 3 أشهر .. .
للأسف معظم الحركات تحت سيطرة وهيمنة أطراف أخرى ، وليس لديها حرية الحركة ، وبالتالي هم سبب تعطيل الوصول الى الحل النهائي ، أطراف خارجية تعطل التوصل الى حل ، وحركات غير جادة للتوصل الى سلام ، مستمتعين بوضعهم الحالي ، شخص مثل عبد الواحد نور يعيش في الفنادق بينما أهله يعيشون في المعسكرات وهو غير مبالٍ بمعاناتهم .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.