{ في يوليو عام 2009، رحّبت حكومة السودان بقرار محكمة التحكيم الدوليّة التابعة لمحكمة العدل الدولية في «لاهاي» حول النزاع في منطقة «أبيي»، وأكدت الحكومة - على لسان وكيلها لدى المحكمة السفير «الدرديري محمد أحمد» - التزامها بالقرار. { لم تكتف الحكومة بالترحيب القرار، لا، بل اعتبرته (انتصاراً كبيراً وتأكيداً على مصداقيّة حزب المؤتمر الوطني)!! وقال «الدرديري» في تصريح لقناة «الجزيرة» عقب صدور قرار المحكمة: (إن قرار المحكمة الذي أكد تجاوز لجنة الخبراء لتفويضها، هو نفس الموقف الذي سبق وأعلنته «الخرطوم» من تقرير الخبراء)، معتبراً أن القرار يُعد إنجازاً وانتصاراً للحكومة السودانية. { ولفت سعادة السفير إلى عدة ملاحظات هامة في قرار المحكمة، وهي إخراج مناطق حقول النفط وتبعيتها للشمال دون نزاع، وكذلك المنطقة الممتدة على حدود دارفور وكردفان، وأكد أن المحكمة أقرت بتبعيّة (11) ألف كيلومتر مربع للشمال من بين (16) ألف كيلومتر مربع، مشيراً إلى أن (بقيّة) المناطق ستبقى ملكاً لأهلها لتقرير تبعيّتهم إمّا للشمال أو الجنوب خلال الاستفتاء (كان مقرراً إجراؤه في يناير 2011 متزامناً مع استفتاء الجنوب). { رحبت الحكومة بقرار محكمة التحكيم الدولية في «لاهاي»، ورحبت به أيضاً «الحركة الشعبية» وحكومة الجنوب، رغم نبرة الامتعاض التي تبدّت في تصريحات قادة (الحركة) الذين كانوا يتوقعون نتيجة لصالحهم أفضل من تلك التي توصلت إليها المحكمة. { زعماء ومشايخ قبيلة (المسيرية) كانوا حضوراً في «لاهاي»، وكنتُ - كاتب هذا المقال - شاهداً أيضاً على جلسات المحكمة بمقر محكمة العدل الدولية في العام 2009. { حكومة الجنوب وقبيلة «دينكا نقوك» جاءوا بوفد رفيع وكبير برئاسة نائب رئيس الحكومة د. «رياك مشار» بالإضافة إلى السادة «دينق ألور»، «إدوارد لينو»، «لوكا بيونق»، فيما وصل «باقان أموم» في اليوم الثاني للجلسات. { إذن ما الذي حدث بعد ذلك؟! الذي حدث أن (لهجة الرفض) لقرار المحكمة بدأت تتصاعد من قواعد «المسيرية» وإلى أعلى، إلى أن قررت القبيلة، وتبعتها الحكومة، أو قررت الحكومة وتبعتها القبيلة، لا أدري، أن (قرار لاهاي) مرفوض، وعلى حكومة الجنوب و«دينكا نقوك» أن (يبلوه ويشربوا مويتو)!! { المصداقية لا غيرها - وبعيداً عن مشاعرنا الخاصة تجاه (الحركة) و(الدينكا) - تحتم علينا دعوة الحكومة إلى الالتزام بالعهود والمواثيق، وتنفيذ قرار المحكمة، سواء أكان صحيحاً أو معيباً، لأن (الراجل بمسكوه من لسانو)، والحكومات أيضاً..! { حدود منطقة «أبيي» ومشيخات «دينكا نقوك» التسع، ينبغي أن تكون ما وردت في قرار المحكمة. { وبما أن الطرفين - الحكومة والحركة أو المسيرية والدينكا - قد تناسيا موضوع استفتاء (منطقة أبيي)، ولم يعد له ذكر، وبدا أن الحل سيكون ثالثاً، فلا هو الاستفتاء، ولا هو قرار المحكمة بشأن الحدود، فإن الأفضل للشعب (السوداني) العزيز في الشمال والجنوب، ولأهلنا «المسيرية» و(إخوتنا) الدينكا، (نحن نقول إخوتنا في الصين الشقيقة وغيرها من بلدان الدنيا)، أن يجلسوا - عاجلاً غير آجل - للوصول إلى حل ناجع يقسم منطقة النزاع إلى جزئين (بالتراضي)، وإلاَّ العمل بقرار المحكمة، لتحديد الحدود، وإغلاق هذا الملف الذي أصبح مهدداً كبيراً لأرواح الملايين من أبناء الدولتين (الشمال والجنوب). { غريبة هذه الحكومة!! تتنازل عن (600) ألف كيلو متر مربع.. (ستمائة ألف).. هي مساحة جنوب السودان، دون أن تطلق (طلقة) واحدة، ليصفق لها العالم بأنها (أنجزت) استفتاء سلمياً غير مسبوق تم بموجبه (فصل) جنوب السودان..!! لكنها تقاتل الآن، وتخسر عشرات الضباط والجنود من خيرة أبناء هذا (الشمال)، من أجل (بضعة) كيلومترات..!! يا سبحان الله. { من قال لكم إن جنوب السودان لم يكن (شمالياً).. ولم يكن (سودانياً)؟!!