بحمد لله وعونه انتهت بهدوء وسلام هذه الانتخابات كسابقتها انتخابات أبريل من العام 2010م، بالرغم من حالات التعصب والتوتر والاحتقان السياسي التي عاشتها الولاية طيلة فترة الحملة الانتخابية، مروراً بمرحلة الاقتراع ومرحلة فرز الأصوات وإعلان النتائج ثم الوصول إلى مرحلة الطعون. لم تقبل الحركة الشعبية بنتائج الانتخابات التي أعلنتها المفوضية القومية وقررت عدم مشاركتها في السلطة التشريعية والتنفيذية بالولاية، بالرغم من دعوة المؤتمر الوطني للشراكة. عدد مقاعد المجلس التشريعي بالولاية «54» مقعداً نال المؤتمر الوطني منها «33» مقعداً والحركة الشعبية نالت «21» مقعداً بنسبة تقارب 40% من عضوية المجلس التشريعي للولاية. لقد شكلت هذه النتيجة مفاجأة لكل المراقبين الذين توقعوا اكتساح المؤتمر الوطني لانتخابات هذه الولاية الشمالية نسبة للتنمية الكبيرة التي قام بها في هذه الولاية. لم يفز أي مرشح من مرشحي الأحزاب السياسية الأخرى التي شاركت في الانتخابات كما لم يفز أي مرشح مستقل وهذا يعني أن الأحزاب التقليدية قد فقدت قواعدها بالمنطقة، ويبدو أن عامل السلطة كان له أثره المباشر في النتائج النهائية للانتخابات. اتهامات تزوير الانتخابات انحصرت في الشريكين فقط، حيث إن الرقابة المحلية والدولية لم تشر إلى التزوير في تقاريرها الأولية حتى هذه اللحظة. الحركة الشعبية تحدثت عن التزوير قبل بداية الانتخابات ويبدو هنا أنها كانت تمهد لموقفها الذي أعلنته بعد إعلان النتائج وهو عدم اعترافها بهذه النتائج ورفضها المشاركة في السلطة بالولاية، وذلك لتبرير فشلها في كسب أصوات الناخبين. حيث إن أغلبية سكان الولاية يتبعون لها ولكنها لم تقدم لهم شيئاً خلال فترة توليها لمنصب الوالي في بداية الفترة الانتقالية. أما المؤتمر الوطني فإنه قد تحدث عن التزوير الذي قامت به الحركة الشعبية بعد إعلان النتائج لتبرير عدم اكتساحه للانتخابات. حيث إن الفارق في الأصوات يعتبر بسيطاً للغاية ولا يتناسب مع المجهود الكبير الذي بذله المؤتمر الوطني في تنمية الولاية، خاصة في مناطق النفوذ التقليدية للحركة الشعبية بمنطقة كادوقلي وما جاورها وفي منطقة الدلنج وما جاورها وهذا مؤشر قوي على أن سياسة الخدمات التي انتهجها المؤتمر الوطني في اختراق مناطق نفوذ الحركة الشعبية قد أثبتت فشلها كما فشلت من قبلها سياسة التنازلات التي ظل المؤتمر الوطني يقدمها للقوى الدولية والحركة الشعبية. لا شك أن ظاهرة عدم تأثير الخدمات على كسب أصوات الناخبين تعتبر ظاهرة جديدة جديرة بالبحث والدراسة، الجدير بالذكر أن المؤتمر الوطني قد حقق فوزه بكل دوائر المنطقة الشرقيةوالغربية ودائرتي محلية القوز، بالرغم من أن هذه المناطق لم تحظ بأي نوع من الخدمات التي حظيت بها المنطقة الجنوبية والمنطقة الشمالية، حيث إن كسب المؤتمر الوطني هنا كان لا يتناسب والحجم الكبير الذي بذله في الخدمات بهذه المنطقة، أما الدوائر الجغرافية التي كسبتها الحركة الشعبية فقد كان للتعصب القبلي أثره، هذا بالإضافة إلى الضغوط التي مارستها الحركة الشعبية على الناخبين وعمليات التزوير التي قامت بها بعد طردها للمراقبين ووكلاء الأحزاب في كل المناطق التي تقع تحت دائرة سيطرتها ويتضح ذلك جلياً في عدد الأصوات العالية التي تحصلت عليها في الدائرة رقم «12» أم دورين، حيث نال الفائز من الحركة الشعبية عدد «21889» صوتاً ونال الفائز منها في الدائرة رقم «13» هيبان الشمالية عدد «15189» صوتاً ونال الفائز منها بالدائرة رقم «14» هيبان الوسطى عدد «16459» صوتاً والفائز منها بالدائرة رقم «15» هيبان الجنوبية عدد «18247» صوتاً. الجدير بالذكر أن كل هذه الدوائر تعتبر دوائر ريفية وعدد سكانها قليل جداً نسبة لنزوحهم إلى المدن طلباً للأمن والاستقرار ومعظم الناخبين بهذه الدوائر أميون ومع ذلك لم ترصد أية أوراق تالفة، هذا بالإضافة إلى أن نسبة التصويت في هذه الدوائر كانت مرتفعة جداً وتعتبر أعلى نسبة في كل الدوائر الجغرافية التي يبلغ عددها «32» دائرة. كل هذه الدوائر المشار إليها أعلاه تقع تحت سيطرة الحركة الشعبية، لتوضيح نسبة التصويت بالدوائر الريفية والدوائر الحضرية أشير هنا إلى مقارنة بسيطة بين دوائر كادوقلي عاصمة الولاية، حيث الوعي الاجتماعي والرقابة المركزة على الانتخابات بواسطة الرقابة المحلية والدولية بالإضافة إلى الإجراءات التأمينية المشددة للأجهزة الأمنية. أعلى نسبة أصوات في الدائرة «9» مدينة كادوقلي نالها الفائز بالدائرة بلغت عدد «8295» صوتاً والدائرة «10» كادوقلي الغربية نال الفائز عدد « 8031» صوتاً والدائرة «11» كادوقلي الشرقية نال الفائز عدد «5238» صوتاً. بالرجوع إلى نتيجة الانتخابات التكميلية بولاية جنوب كردفان التي نشرتها صحيفة أخبار اليوم يمكن للقارئ أن يلاحظ أن أصوات الناخبين في كل الدوائر الريفية أعلى بكثير جداً عنها في الدوائر الحضرية، بالرغم من أن المواطنين قد هجروا قراهم ونزحوا إلى المدن الرئيسية بالولاية طلباً للأمن، كما تمت الإشارة إلى ذلك أعلاه. سيطرة الحركة الشعبية بصورة كاملة على المناطق الريفية مكنتها من تزوير الانتخابات، حيث إن نسبة التصويت في المناطق الريفية قد بلغت 100% في بعض المناطق. كما أنها قد فاقت نسبة عدد المسجلين فعلاً بالدائرة في بعض المناطق الأخرى بالرغم من كل ذلك لقد كان صوت الحركة الشعبية هو الأعلى في ما يختص بتزوير الانتخابات!! السؤال هنا: لماذا سكت المؤتمر الوطني والمفوضية القومية واللجنة العليا للانتخابات بالولاية والرقابة المحلية والدولية عن التزوير الذي قامت به الحركة الشعبية في كافة المناطق الريفية والذي عكسته نسبة الأصوات العالية بكل الدوائر الريفية التي فازت بها الحركة الشعبية؟!! سؤال آخر: هل يعقل ألا تكون هناك بطاقات تالفة لناخبين معظمهم أميون بالمناطق الريفية؟!! لو لا مشاركة تلفون كوكو في الانتخابات لرئاسة الولاية لكان يمكن للعصبية القبلية أن ترجح كفة مرشح الحركة الشعبية لمنصب الوالي!! أما بالنسبة لضعف مشاركة المسيرية في انتخابات الولاية فإنها تعبر عن ردة فعل غاضبة ناجمة عن رغبتهم في ترشيح أحد أبنائهم لمنصب الوالي أو لتذويب ولايتهم من أجل سلام كاذب أو لاعتبارات خاصة بقضية أبيي أو لحركة المراحيل جنوباً أو لعدم رضائهم بمستوى الخدمات التي شهدتها مناطقهم. خلاصة القول إن نتيجة هذه الانتخابات قد تتحول إلى أزمة إذا لم يتم التعامل معها بذكاء، خاصة إذا أصرت الحركة الشعبية على عدم مشاركتها في السلطة لأن المجلس الولائي في هذه الحالة سوف لا يستطيع أن يمارس نشاطه في حال غياب ما يقارب 40% من عضويته، ولهذا فإنه سوف لا يستطيع تعديل دستور الولاية أو تنفيذ المشورة الشعبية التي تعتبر من أهم مسؤولياته. لا يمكن لهذا المجلس أن يقوم بمسؤولياته إلا في حالة إعادة الانتخابات بالدوائر التي فازت بها الحركة الشعبية ومن المتوقع هنا أن تقاطع الحركة الشعبية انتخابات الإعادة لتعقيد الأمور حتى لا تتم المشورة الشعبية التي هي من مطلوبات اتفاقية نيفاشا «الكارثة»، مما يفسح المجال أمام القوى الخارجية والإقليمية الراعية للاتفاقية لممارسة الضغوط على المؤتمر الوطني. ختاماً تعتبر الانتخابات عملية سياسية في المقام الأول ولكنها ذات صبغة قانونية وهنا لا بد من اللجوء إلى الحلول السياسية للخروج من هذه الأزمة للحفاظ على الأمن الذي تحقق بالولاية حتى لا تقود صراعات هذه الولاية إلى العودة مرة أخرى للمربع الأول.. وبالله التوفيق.