واحترت في سر احتدام تذكري لك بالمطر ما لاح في الأفق البعيد قدومه إلا أعياني التصبر والحذر وتشتد بي حمى ادكارك كلما غيث أطل أو انهمر وتتأزم الآفاق إرعاداً وإبراقاً ويكاد هذا القلب مني أن يفر ويهزني صوت المطر روضة الحاج محمد وهذه القصة الجميلة في هذه الفواصل الخريفية المدهشة و«الفصول التعليمية الشاهقة» يرويها لنا الأخ الأستاذ برهان محمد بحيري، الذي ساقته خطى الأقدار عام 2003م إلى مدرسة العذبة الحكومية بحي الأملاك بمدينة بحري لأداء واجب الخدمة الوطنية، ومشيناها خطى كتبت علينا، ومن كتبت عليه خطى مشاها، ثم انتهت فترة الخدمة الوطنية في وقتها ولم تنته عملياً ووجدانياً علاقة الرجل بتلك المدرسة الوطن. فالأستاذ برهان الذي يعمل الآن مديراً لورشة الصيانة بشركة توحيد مكة، أعرق وأكبر شركات النقل الجماعي، لا زال يسترق اللحظات ويحمل الطباشورة ويدخل «فصول العذبة» ليدرس بعض الحصص ثم ينصرف. وقصة الولاء للأمكنة والمؤسسات لا تصنعها الصدف والمجاملات، فصاحب هذه الملاذات، تعتريه حالات الوجد والوفاء هذه من وقت لآخر، فلقد ذهبت من مؤسسة بنك التضامن الإسلامي منذ سنوات، ولم ولن تذهب تلك المؤسسة من حياتي، فلما تعتريها بعض الأزمات أحمل قلمي قبل إعلامها وعلاقاتها العامة. الذي يدهشك أكثر هو أن مؤسسة العذبة التربوية التي تأسست عام 1926م التي يرأس مجلس آبائها الدكتور غازي صلاح الدين، هي بالكاد «مدرسة حكومية»، وما أدراك ما المدارس الحكومية، أن تسجل مدرسة حكومية حضوراً شاهقاً وسط الغياب الحكومي وفي أزمنة «التعليم التجاري» فهذا يستحق الاحتفاء. فلقد أصبح التعليم سلطة رائجة بعد أن تخلص القوم من الشق الأول الذي هو «التربية»، فلا أتصور أن هذه (الكناتين التعليمية) التي تنتشر في كل أزقة الحارات تُعنى بالتربية، وحتى ارتفاع نسبة التحصيل الأكاديمي التجاري هو لأجل تسجيل نقاط إعلانية وإعلامية واستثمارية مذهلة، كأن يقول «رجل أعمال المدرسة». إنها المدرسة الأولى، يلا علينا جاي.. مدارس يُنادى إليها كما ينادى للبطيخ والتبش على قارعة الأسواق. لكن أن تنجح مدرسة حكومية وتتفوق فليس ذلك لأجل «الكسب المادي»، وإنما للكسب التربوي والأخلاقي، فقبل العلم أخلاقاً وتربية، ولئن كانت تلك العبارة اللئيمة تلاحق بعض المدارس الحكومية، أعني عبارة «لم ينجح أحد»، ففي المقابل قد حققت مدرسة العذبة الحكومية في آخر امتحان عبارة «لم يرجع أحد»، وستزداد احتراماً أكثر لهذه المدرسة إذا علمت أنها «مدرسة للنخة والجماهير»، فطلابها من حي الأملاك والصافية والحاج يوسف وأم ضريوة والسامراب، هي مدرسة لأبناء العوام والخواص، وهي المدرسة الأولى على مستوى محلية بحري في التربية والتحصيل الأكاديمي. الأخ الأستاذ برهان قد عاصر عهد المدير السابق هاشم محمد سليمان والمدير الحالي محمد جبارة، لكون الرجلين التربويين قد صنعا هذا «الإعجاز الحكومي» في أزمنة العجز التربوي الرسمي، ودعوتي للتاريخ والأجيال والمستقبل والوفاء أن أطرّز مقالي هذا ببعض أسماء المعلمين الذين يصنعون في صمت هذا المجد البازخ، الأستاذ حامد ونيس، محمد عوض، سيد عبدالله، زهير القمش، محمود صلاح، عباس الساري، عائشة محجوب، مرضية الطاهر، عوض قناوي، محمد سوركتي. وتأتي «عذوبة ألحان» مدرسة العذبة الحكومية، وتتجلى عبقريتها ومدلولات نجاحاتها في أنه بالإمكان «إعادة الثقة» في التعليم الحكومي، لنذهب في المرحلة التربوية القادمة لتصفية (كناتين التعليم) الخاصة! سيدي وزير التربية، الأستاذ حميدة، ولأجل إعادة الثقة في التربية الحكومية والتعليم يجب إبراز مثل هذه النمازج.. والسلام. والله ولي التوفيق،،