في يوم 25 مايو من العام 1969 شهد السودان مجيء النظام المايوي بقيادة العقيد جعفر نميري، حيث حكم البلاد على مدى (16) عاماً، ثم انطوت صفحته بانتفاضة شعبية في أبريل عام 1985م انحازت لها قيادة القوات المسلحة بكل وحداتها. ولكن حتى الآن ما يزال الجدال يدور حول ما جرى خلال الفترة ما بين مايو 1969م ويوليو 1971، واعتقادي أن أدقّ ما ورد خلال هذه الفترة هي وقائع ضمّنها الأستاذ تيم نبلوك في كتابه: (صراع السلطة والثروة في السودان) في سياق فصل بالكتاب خاص بثورة مايو. الكاتب كان يعمل أستاذاً في كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة الخرطوم، وقد قام بترجمة هذا الكتاب الأستاذان الفاتح التجاني ومحمد علي جادين. وفي هذا الحيز أقدم مقتطفات على النحو التالي: بنهاية شهر مارس اكتملت خُطة تنظيم الضباط الأحرار للاستيلاء على السلطة.. وفي أبريل انعقد الاجتماع الحاسم الذي يتقرر فيه المضي قُدماً أو التريُّث، وفي الاجتماع اعترضت الغالبية على التنفيذ، فمن (13 عضواً اعترض (7) أعضاء بحجة أن القوى الشعبية ليست جاهزة بعد، وأن النظام القائم بالرغم من فساد الكافة إلا أنه ما يزال مقبولاً شعبياً، وأن الانقلاب قد يؤدي إلى تصفية القوى التقدمية في حالة فشله). وكان غالبية المعارضين السبعة على صلة بالحزب الشيوعي، وكانت حجة مؤيدي الانقلاب الستة أن الوقت ملائم للتغيير، وأن فرصة كهذه لن تكون متاحة في القريب. ولكن الاجتماع قرر عدم تنفيذ الخطة والنظر في وقت لاحق في إمكانية القيام بالانقلاب. والضباط الستة هم: جعفر نميري، الرائد خالد حسن عباس، الرائد أبو القاسم محمد إبراهيم، الرائد مأمون عوض أبو زيد، الرائد زين العابدين محمد أحمد عبد القادر، والضابط بالمعاش فاروق عثمان حمد الله. القاضي المشهور بابكر عوض الله وافق مع هذه المجموعة على القيام بالدور الذي كان مرسوماً ففي الساعة الرابعة من فجر الخامس والعشرين من مايو احتلت وحدات من الجيش المواقع الرئيسة في العاصمة المثلثة وفي السابعة صباحاً أذاع راديو أم درمان بياناً من جعفر نميري، وآخر من بابكر عوض الله، وفي وقت لاحق أُذيع تشكيل مجلس الوزراء. كان الاتجاه في ذلك اليوم أن يُعلن تشكيل مجلس قيادة الثورة من الضباط الستة بالإضافة لبابكر عوض الله ولكن أحداثاً جرت أدت إلى توسيع المجلس حيث أجرى جعفر نميري مشاورات مع اثنين من الضباط الأحرار الذين كانوا قد صوّتوا ضد الانقلاب هما المقدم بابكر النور عثمان، والرائد أبو القاسم هاشم، وكان بابكر النور على صلة وثيقة بالحزب الشيوعي، بينما كان لأبي القاسم هاشم علاقات حميمة مع دوائر الناصريين، وقد اتخذ نميري منفرداً قراراً ضمهما لمجلس قيادة الثورة، كما ضم الرائد هاشم العطا المقرّب للحزب الشيوعي، دون الرجوع إلى زملائه الآخرين، وهكذا ضم مجلس قيادة الثورة الذي أُعلن مساء ذلك اليوم، إلى جانب الضباط الذين نفّذوا الانقلاب: ضباطاً كانوا معارضين له قبل أشهر. الكاتب يتناول برنامج التغيير الاجتماعي والاقتصادي لمايو، فيقول: كان يبدو أن مجلس الورزاء الذي تم تشكيله مؤهلاً لإحداث تغييرات مهمة في النظام الاجتماعي والاقتصادي في السودان. فأعضاؤه ينحدرون من خلفيات متباينة إلا أن غالبيتهم إما أعضاء في منظمات راديكالية كالحزب الشيوعي والاشتراكيين العرب والقوميين العرب أو مثقفين مستقلين ذوي أفكار راديكالية، وكان أغلبهم نشطين في جبهة الهيئات التي أسقطت نظام عبود في عام 1964م، ومنهم من تقلّد الوزارة في حكومة أكتوبر الانتقالية، وكان يبدو أن مجلس قيادة الثورة سيدعم برنامج التغيير. ففي خطابيهما في 25/ مايو ركّز كلٌ من نميري وبابكر عوض الله، على التغيير، وكان أوضح أن الحكومة الثورية تعترف بأن سبب المصائب الاقتصادية والمالية هو أن البلاد كانت تنتهج خط التنمية الرأسمالية وتعتمد على النفوذ الخارجي، وقال إن زيادة الدخل القومي وحجم الاستثمارات يمكن أن تُحقّق عبر تقوية وتوسيع العلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول العربية والاشتراكية عن طريق الاتفاقيات الثنائية وتوسيع قاعدة القطاع العام لا سيما في مجال الصناعة وتشجيع رأس المال الخاص الوطني غير المرتبط بالاستعمار، وتغيير سياسة الاقتراض بحث لا تتم الاستدانة إلا لأغراض التنمية. بدأت محاولات إحكام سيطرة الدولة على الاقتصاد والحد من حريات القطاع الخاص في وقت مبكر، ففي 16 أكتوبر أعلن عن تأسيس شركتين حكوميتين للسيطرة على قطاعات مفتاحية في التجارة الخارجية، واحدة لاحتكار حقوق استيراد الجوت والسكر والمواد الكيماوية والمبيدات، والأخرى لاستيراد كل مشتريات الحكومة من الخارج كالسيارات والجرارات والأدوية. في مايو 1970م بادرت الحكومة بالمصادرة والاستيلاء والتأميم على عدد من الشركات الخاصة، وكان من بينها الشركات البريطانية وهي أربع شركات. في عام 16 نوفمبر 1970م تم فصل عضويين من مجلس قيادة الثورة تربطهما علاقات بالحزب الشيوعي هما بابكر النور عثمان وهاشم العطا وعضواً ثالثاً أبدى تقاربه مع سياسات الحزب هو فاروق عثمان حمد الله. في الفترة من فبراير 1971م بدأ مجلس الثورة في إجراء عملية تطهير للعناصر المعادية في مؤسسة الدولة حيث جرى فصل الشيوعيين والمتعاطفين مع السكرتير العام للحزب الشيوعي عبدالخالق محجوب. ثم كانت المواجهة في يوم 19 يوليو حين أفلح ضباط شيوعيون في الاستيلاء على السلطة ولكن لم تمض على ذلك (72) ساعة حتى هبّ الانقلاب المضاد الذي أعاد نميري إلى السلطة. { باختصار.. لا بأس في القرار القاضي بوقف استيراد السيارات المستعملة ولكن مع ظروف السودان المالية حالياً في ظل انخفاض نصيبه في النفط لماذا لا يتم وقف استيراد السيارات الحكومية الفخمة؟ بل لماذا لايصدر قرار عاجل يمنع استيراد سلع الرفاهية التي تغمر الأسواق، حتى أصبحت موضع التندُّر والسخرية والسَّلق بألسنة حداد وسط كافة القطاعات الشعبية. ويبقى سؤال مهم: من بالتحديد يستورد هذه السلع بالعملات الحُرة.. وكيف؟ لا مخرج للسودان من أزمته الحالية غير وفاق وطني يتجسّد في قيام حكومة وحدة وطنية. فها هي أمريكا ومن خلفها اللوبي الصهيوني تنحاز إلى جيش الحركة الشعبية في أبيي، وتُدين القوات السودانية المسلحة بأنها هي البادئة بالعدوان، وتهدد بعدم تطبيع علاقاتها مع السودان. ولأن السودان ليس ملكاً للمؤتمر الوطني، وإنما ملك لكل أهل السودان فمن الطبيعي أن يتصدى سائر أهل السودان لكل خطر داهم على الوطن العزيز.