أبلغت الحكومة الخميس الماضي ممثل أمين عام الأممالمتحدة بالسودان هايلي منقريوس بانتهاء تفويض بعثة الأممالمتحدة (يونميس) في التاسع من يوليو المقبل، وفق التفويض الرسمي، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية "خالد موسى" للصحافيين عقب لقاء وكيل الخارجية السفير رحمة الله محمد عثمان بممثل أمين عام الأممالمتحدة بالسودان، إن الحكومة أكدت مسؤوليتها عن فرض الأمن والسيطرة في منطقة أبيي، واتخذت ترتيبات لمنع حدوث تفلتات أمنية بالمنطقة وتقديم المعونات اللازمة للمواطنيين، ونوّه إلى أن الخارجية أبلغت منقريوس بأن تفويض (يونميس) سينتهي في التاسع يوليو وفق التفويض الرسمي، وأن القرار النهائي حول أي ترتيبات جديدة يستدعي إليها الأمر سيكتمل خلال الأيام القليلة المُقبلة، ونقل تأكيد هايلي منقريوس على حرص الأممالمتحدة على تقديم المساعدات اللازمة لحفظ الأمن في المنطقة وتجديد وكيل الخارجية التزام السودان باتفاقية السلام الشامل ومُعالجة قضية أبيي وفق التفاهمات الأمنية وإبعاد أي قوات غير شرعية من المنطقة أو غير مخول لها في المنطقة حسب البرتوكول. وقال الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء محمد العباس ل "الأهرام اليوم" إن الحكومة السودانية حال إغفالها إصدار قرار قوي يقضي بإبعاد القوات الأممية فإنها ستظل لمدة لا تقل عن (30) عاماً بالبلاد وستحدث الكثير من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وكانت الأممالمتحدة وافقت الأسبوع الماضي على طلب حكومة جنوب السودان بإنشاء بعثة جديدة في جنوب السودان، وتوقع أمينها العام "بان كي مون" في تقرير خاص عن السودان أن تضطلع البعثة بدور كبير في مساعدة حكومة جنوب السودان على توطيد السلام وإقامة أساس متين للتنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ورهن احتمالات توطيد السلام بنوعية العلاقة بين شمال السودان وجنوبه، التي قال إنها ستُحددها إلى حد كبير الاتفاقات التي يتم التوصل إليها بشأن قضايا ما بعد الاستفتاء، وما تبقى من قضايا اتفاق السلام، وشدّد "كي مون" على ضرورة إبداء الإرادة السياسية اللازمة لإيجاد حلول للقضايا والاتفاق على آليات لتنفيذها، وحث الطرفين ومجلس الأمن على النظر في التمديد التقني لبعثة الأممالمتحدة في السودان لفترة ثلاثة أشهر عقب التاسع من يوليو، مؤكداً شروع البعثة خلال هذه الفترة في تقليص وجودها في الخرطوم مع التركيز في الوقت نفسه على مساعدة الطرفين في الحفاظ على الهدوء. ودعا الخبير الأمني العميد (م) حسن بيومي في حديثه ل "الأهرام اليوم" الحكومة إلى تمديد مهمة البعثة ل (6) شهور إضافية لتوفيق أوضاعها توطئة لإخراجها بصورة مقبولة، سيمّا وأنها ستتواجد في دولة جنوب السودان الوليدة تحت الفصل السابع. وكان النائب الأول لرئيس الجمهورية رئيس حكومة الجنوب الفريق أول سلفاكير ميارديت تقدم بطلب في أكتوبر 2010م لمبعوثي مجلس الأمن في أعقاب زيارته وقتها إلى عاصمة جنوب السودان جوبا، بنشر قوات لحفظ السلام وإقامة منطقة عازلة على الحدود بين الشمال والجنوب، لكن الأمين العام المُساعد لعمليات حفظ السلام في الأممالمتحدة "الان لو روي" سارع إلى التقليل من أهمية الطلب، وقال إن قوات حفظ السلام الدولية التي تُراقب اتفاق السلام بين شمال السودان وجنوبه لا تستطيع وقف عمليات عسكرية جديدة بين الجيشين الشمالي والجنوبي، وقال في خطابه أمام مجلس الأمن الدولي: "أي زيادة في عدد القوات لن تُمكِّن قوات (يونميس) من منع أو حتى احتواء أي اشتباك بين الجيشين". ويعود الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء محمد العباس ويشير إلى أن قوات (يونميس) حال تواجدها بالبلاد ستحدث تأثيرات سالبة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية أشبه بسلوك قوات (يوناميد) في دارفور، وأكد أن تلك القوات ستكون حجر عثرة لكل عمل حكومي، خاصة وأن الحركة الشعبية راغبة في تواجدها بالجنوب. جدير بالذكر أن السودان لم يعرف التدخل الأممي الأجنبي بشكل واضح ومباشر إلا بعد التوقيع على اتفاقية السلام الشامل الموقعة في العام 2005م بنيفاشا بين شمال السودان وجنوبه حيث أصدر مجلس الأمن الدولي قراراً بالرقم (1590) في الرابع والعشرين من مارس 2005م بإنشاء بعثة للأمم المتحدة في السودان لدعم تنفيذ اتفاق السلام الشامل، على أن تقوم هذه القوات بمهام معينة ترتبط بالمساعدة الإنسانية وحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وقد اتسع نطاق عملياتها بكفالة احترام وقف إطلاق النار، وخطوط الفصل بين القوات، وشملت وظائفها الإشراف على الانتخابات وتقديم المعونات والمساعدة في تحقيق المصالحات الوطنية.. ودارت الشكوك حول هذه القوات بأنها تقوم بأدوار استخباراتية في السودان، سيما بعد أن قررت الأممالمتحدة زيادة نشاطها في السودان وأنها لم تكتف بحفظ السلام في الجنوب والنيل الأزرق وأبيي، فقد قرر مجلس الأمن الدولي في العام 2007م ضرورة وجود قوات في دارفور، وكان ذلك بقرار من مجلس الأمن الدولي يحمل الرقم 1769 في الحادي والثلاثين من يوليو 2007م وذلك بما عُرف بالعملية (الهجين) التي كانت باتفاق ثلاثي بين الحكومة السودانية والاتحاد الأفريقي والأممالمتحدة.. وقد ثارت حول البعثة الشكوك بأنها كانت تمد المحكمة الجنائية الدولية بمعلومات خاطئة، وقد أوضحت الحكومة عدم رغبتها في الإبقاء على هذه القوات بعد إنهاء تفويضها وعبرت عن عدم رضائها بما تقوم به هذه القوات وأنها أصبحت عبئاً على الحكومة وغير قادرة على حماية نفسها. ويعود الخبير العسكري حسن بيومي ويؤكد ل "الأهرام اليوم" أن أحداث أبيي الأخيرة رتبت لها الحركة الشعبية لبقاء قوات حفظ السلام تحت الفصل السابع بالبلاد، مشيراً إلى أن تلك القوات بعد التاسع من يوليو ستنحاز إلى جنوب السودان وستفقد حيادها مما يزيد من تعقيد أزمات السودان مُستقبلاً. جدير بالذكر أن مركز (التنوير المعرفي) نظم بمقره في الفترة الماضية ندوة عن "مُستقبل القوات الأممية في السودان" قدمها السفير عبد الرحمن بخيت المنسق السابق نيابة عن الجانب السوداني وقال إن (يونميس) منحت الضوء الأخضر بناء على قرار مجلس الأمن (1590) الصادر في العام 2005م، وبروتوكول الترتيبات الأمنية المضمن باتفاقية السلام الشامل وتحديداً المادة (15) منه، وتبلغ قوات البعثة زهاء ال (10) آلاف فرد. بينما تستمد (يونميد) مرجعياتها من قرار مجلس الأمن رقم (1769) الصادر في العام 2007 وتفاهمات السودان مع الأممالمتحدة في أديس أبابا، وبمجمل قوات يبلغ قوامها (26) ألف فرد يكاد انتشارهم يكتمل.