بحلول التاسع من يوليو المقبل، ستكون اتفاقية السلام الشامل "نيفاشا"، قد أدركت "الميس"، وصار السودان إلى جزءين مستقلين، شمالي وجنوبي، بينهما الكثير من القضايا العالقة التي تنظر الحسم، كما بينهما حدود ممتدة مرشحة لخيارات متعددة، ومع انقضاء أجل الفترة الانتقالية التي حددتها "نيفاشا"، ستكون كل الآليات والأجسام التي وجدت بأمر تلك الاتفاقية لمراقبة ومتابعة تطبيق بنودها قد أنهت مهامها، وفي مقدمتها القوات الدولية التابعة لبعثة الأممالمتحدة بالسودان المعروفة اختصارا ب"يونميس"، وبرغم أن حكومة الخرطوم قد أبلغت الأممالمتحدة بإنهاء وجود القوات الأممية، في التاسع من يوليو المقبل، إلا أن التصريحات الصادرة عن الأممالمتحدة، والقائلة بأن قرار إنهاء مهمة تلك القوات في يد مجلس الأمن الدولي وحده وليس في يد الحكومة السودانية، تشرع الأبواب على مصارعها أمام العديد من التساؤلات والجدل، الذي قد يقود إلى مواجهة جديدة بين السودان والمجتمع الدولي، لا سيما وأن التصريحات الأممية جاءت على خلفية مقترح تقدم به الأمين العام بان كي مون، بقوة أممية جديدة لجنوب السودان بجانب إشارات إلى الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة. إبلاغ.. وتقدير.. الحكومة أبلغت الأمين العام للأمم المتحدة رسميا بإنهاء مهمة بعثة "يونميس"، التي يوجد لديها نحو 10000 من قوات حفظ السلام، يدعمها 1000 موظف مدني دولي و 2790 موظفا مدنيا محليا وأكثر من 327 من متطوعي الأممالمتحدة، في التاسع من يوليو المقبل، الذي يصادف نهاية الفترة الانتقالية وإعلان ميلاد دولة جنوب السودان المستقلة، بعدما اختار شعب الجنوب بأغلبية ساحقة الانفصال عن الشمال في الاستفتاء الذي جرى يناير الماضي، وبعث وزير الخارجية، علي كرتي، بخطاب للأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أخطره فيه بقرار الحكومة، وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية، خالد موسى، في تصريحات السبت الماضي، إن الخطاب عبر عن تقدير حكومة السودان للجهود التي بذلتها البعثة الأممية للمساعدة في إنفاذ اتفاقية السلام الشامل، اتساقاً مع قرار مجلس الأمن بالرقم 1590 للعام 2005، وكذلك الاتفاقية الموقعة بين حكومة السودان والأممالمتحدة حول طبيعة عمل البعثة، وذكرت الخارجية إنه اتساقاً مع قرار مجلس الأمن 1978 والذي قرر تمديد مهمة قوات "يونيمس" إلى التاسع من يوليو 2011، فإن حكومة السودان قررت رسمياً إنهاء وجود بعثة الأممالمتحدة في التاسع من يوليو 2011 نهاية الفترة الانتقالية لاتفاقية السلام الشامل. وقال موسى إن وزير الخارجية أكد للأمين العام للأمم المتحدة، أن السودان قدم أقصى أنواع التعاون الممكنة بكل شفافية مع الأطراف المعنية كافة، وأنه أوفى بكل التزاماته المستحقة تجاه تطبيق اتفاقية السلام الشامل، وأشادت الحكومة بالدور الذي لعبته البعثة في تطبيق الاتفاقية وإرساء دعائم السلام في السودان. رفض.. وجدل.. غير أن الأممالمتحدة رأت بخلاف ما ذهبت إليه الحكومة بانتهاء وجود بعثتها – يونميس – في السودان، وأكدت أن القرار في ذلك متروك لمجلس الأمن الدولي، وقالت متحدثة باسم الأممالمتحدة، في تصريحات صحافية أمس الأحد، "إن قرار ما إذا كانت بعثة المنظمة الدولية ستستمر في السودان بعد انفصال الجنوب في يد مجلس الأمن الدولي وليس في يد الحكومة السودانية"، وقالت هوا جيانغ المتحدثة باسم الأممالمتحدة لرويترز "موقفنا بسيط وواضح.. أنها مسألة يتعامل معها مجلس الأمن الدولي.. تستطيع حكومة الخرطوم التعبير عن رغباتها وفي نهاية المطاف قرار الرحيل أو البقاء متروك لمجلس الأمن الدولي". الأمر الذي دفع بالحكومة لتؤكد مجددا أمس الأول، أن قرارها بإنهاء وجود بعثة الأممالمتحدة بالسودان، في التاسع من يوليو المقبل، يجيء وفقاً لاتفاقية مبرمة بين البعثة والحكومة السودانية، وقال الناطق باسم وزارة الخارجية خالد موسى أمس، ردا على تصريحات المتحدثة باسم المنظمة الأممية، حول أحقية مجلس الأمن وحدة بإنهاء مهمة "يونميس"، "إن نشر القوات الأممالمتحدة العاملة في حفظ السلام بالبلاد، تم في المقام الأول بناءً على موافقة الحكومة السودانية ووفقا لمبادئ سيادتها الوطنية ومصلحتها القومية العليا"، وأضاف "عليه فإن قرار بقاء هذه القوات حتى التاسع من يوليو يأتي في إطار وفاء الحكومة السودانية بالتزاماتها تجاه عملية السلام، والاتفاقية الموقعة مع الأممالمتحدة في هذا الصدد"، وأكد موسى، أن قرار إنهاء أو بقاء البعثة الأممية هو في يد الحكومة السودانية وليس في يد أي جهة غيرها، وتابع موسى قائلا "على الأممالمتحدة الاستعداد لحزم أمتعتها قبل نهاية الفترة الانتقالية في التاسع من يوليو القادم مجددا تقدير الحكومة للجهود التي بذلتها البعثة في إنفاذ الاتفاقية وإرساء دعائم السلام في السودان". وتناول الحزب الحاكم – المؤتمر الوطني – قفاز التصريحات ليؤكد من ناحيته أن لا رجعة عن قرار السودان بإنهاء مهمة قوات الأممالمتحدة في التاسع من يوليو المقبل، موعد انتهاء الفترة الانتقالية، وقال أمين الإعلام بالحزب البروفيسور إبراهيم غندور، في تصريحات صحفية "إن قوانين الأممالمتحدة نفسها تؤكد على أن الأممالمتحدة إذا أرادت أن تدخل دولة فلابد أن يكون ذلك بموافقة تلك الدولة"، لافتا إلى أن الأممالمتحدة موقعة على اتفاق مع حكومة السودان بشأن هذه القوات، يتطرق إلى عددها، تسليحها، تفويضها، مسئولياتها وواجباتها وواجبات الحكومة السودانية كطرف أصيل، وأكد غندور أن أي حديث حول تمديد وجود البعثة لا بد أن يتم بموافقة الحكومة وفقا لميثاق الأممالمتحدة نفسها الذي نص على سيادة الدول الأعضاء. لا سابقة.. وحق بالقانون.. واتفق قانونيون ومحللون سياسيون، على أن إنهاء وجود قوات حفظ السلام الأممية، هو من حق السودان، وقال القانوني ووزير العدل الأسبق، محمد علي المرضي، ل"الرائد"، إن أي حديث عن حق مجلس الأمن الدولي في فرض وجود قوة عسكرية في السودان هو أمر يخالف قواعد القانون الدولي وميثاق الأممالمتحدة، مشيرا إلى تجربة سابقة للسودان مع مجلس الأمن الدولي حين حاول الأخير فرض قوة أممية بديلا لقوات الاتحاد الأفريقي في دارفور وقال "تحت إصرار السودان والتمسك بسيادته على أراضيه ورفض أي وجود لتلك القوة تراجع مجلس الأمن، وخرج بالقرار الذي نشرت بموجبه القوات المشتركة بين الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي "يوناميد" العاملة حاليا في دارفور، وتم ذلك بموافقة السودان، وأضاف المرضي قائلا "هذا الأمر محسوم لأنه للسودان الحق المطلق في إنهاء وجود قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام التي لم يعد هناك أي مبرر لوجودها بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي حددتها اتفاقية السلام الشامل. ووصف المحلل السياسي والخبير في العمل الإنساني، الدكتور الحاج حمد محمد خير، إبلاغ الحكومة للأمم المتحدة بإنهاء وجود قواتها بالسودان في التاسع من يوليو، بالقرار الصائب والجيد، وأوضح أن قوات "يونميس"، وجدت في السودان بموجب الفصل السادس وليس السابع، لذلك فإن حكومة السودان هي من تملك الحق في إنهاء تواجد تلك القوات، لكن إذا كانت القوات نشرت بموجب الفصل السابع عندها يكون لمجلس الأمن ذلك الحق، ولفت محمد خير في حديث مع "الرائد" إلى أنه لا توجد سابقة بأن تكون الأممالمتحدة طرفا في حرب أهلية، وانتقد أداء القوات الأممية في حفظ السلام وقال إن تلك القوات فشلت تماما في حفظ السلام في السودان، ودعا الحاج حمد الحكومة إلى إتباع قرارها بقرار آخر حول سودنة العمل الطوعي بالسودان خلال عام من الآن، ما يمكن المنظمات الوطنية من بناء توأمة وشراكات مع المنظمات الدولية، مشيرا إلى أن الدول المانحة تعمد دائما إلى رصد موارد كبيرة لتلك القوات ولم تقم بتحقيق تنمية أو سلام. وبدء.. كان اتفاق.. وأنشئت قوات الأممالمتحدة لحفظ السلام في السودان بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1590 الذي اتخذه في مارس 2005م، عقب توقيع اتفاقية السلام الشامل بين المؤتمر الوطني ممثلا للحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان، في نيروبي الكينية، في التاسع من يناير من ذات العام، وتكونت البعثة من 10 آلاف من العسكريين والمدنيين و715 من أفراد الشرطة، ووافقت الحكومة وقتها على القرار، وقال وزير الإعلام والاتصالات حينها، عبد الباسط سبدرات في تصريحات صحافية في أبريل 2005م، عقب اجتماع لمجلس الوزراء "إن الحكومة وافقت بعد أن تسلمت مذكرات من وزارات الدفاع والخارجية والعدل والداخلية حول قرار مجلس الأمن، منوها إلى أن قرار مجلس الأمن جاء بطلب من الحكومة السودانية ويتماشى مع اتفاقية السلام الشامل، وأكد سبدرات أن القرار رقم 1590 تضمن الدول المشاركة في التنفيذ ونسب قواتها المشاركة ومواقع وجودها داخل البلاد. ووقعت الحكومة على اثر ذلك، اتفاقية إطارية، مع بعثة الأممالمتحدة في الخرطوم، حول تنظيم وضع القوات الدولية لحفظ السلام، وقعها عن الحكومة وزير الدولة بوزارة الخارجية وقتها، وزير الخارجية الحالي، علي أحمد كرتي، فيما وقعها عن الأممالمتحدة نائب الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في السودان ايمانويل داسلفا، وتضمنت الاتفاقية تحديد كيفية قيام القوات بالمهام المحددة لها وفقا لقرار مجلس الأمن وضبط واحكام تعامل البعثة مع الإدارات الحكومية المختلفة، كما تضمنت تنظيم حركة العناصر الدولية من مدنية وعسكرية ووجودها في السودان وكل الإجراءات المتعلقة بالإقامة والسفر والاتصالات، وقال كرتي للصحافيين، عقب التوقيع "إن هذه الاتفاقية تقنن وضع القوات من اجل أن تقوم بمهامها دون المساس بسيادة البلاد ودون إعاقة لهذه المهام". ومن جانبه، قال داسيلفا "إن الاتفاقية الجديدة تحدد واجبات ومسئوليات قوات الأممالمتحدة كضيف على السودان وواجبات الدولة المضيفة تجاه البعثة". حفظ السيادة.. كان أولا.. وقرر مجلس الأمن في قراره 1590 أن تشمل ولاية بعثة الأممالمتحدة في السودان دعم تنفيذ اتفاق السلام الشامل عن طريق رصد تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار والتحقق منه والتحقيق في الانتهاكات، الاتصال بالمانحين الثنائيين بشأن تشكيل الوحدات المتكاملة المشتركة، المساعدة على وضع برنامج لترعى السلاح والتسريح وإعادة الإدماج وجمع الأسلحة وتدميرها، مساعدة طرفي اتفاق السلام على تعزيز فهم عملية السلام، مساعدة الطرفين على تلبية الحاجة إلى نهج وطني شامل 'من أجل تحقيق المصالحة وبناء السلام، تقديم المساعدة من أجل إعادة هيكلة خدمة الشرطة في السودان، مساعدة طرفي الاتفاق على تعزيز سيادة القانون، القيام بتيسير وتنسيق العودة الطوعية للاجئين والمشردين داخليا، والمساعدة الإنسانية، وطلب القرار من الأمين العام أن يداوم بانتظام على إطلاع المجلس على التقدم المحرز في تنفيذ اتفاق السلام، واحترام وقف إطلاق النار، وتنفيذ ولاية بعثة الأممالمتحدة في السودان، بما في ذلك استعراض مستوى القوات بغرض تعديله بالخفض، مع مراعاة التقدم المحرز على أرض الواقع والمهام التي لا يزال يتعين إنجازها، وأن يرفع التقارير إلى المجلس في هذا الصدد كل ثلاثة أشهر، وحث القرار بعثة التقييم المشتركة التابعة للأمم المتحدة، والبنك الدولي، والطرفين أن يواصلوا، بالتعاون مع سائر المانحين الثنائيين والمتعددة الأطراف، بذل جهودهم إعدادا للإسراع بتقديم مجموعة برامج مساعدة لتعمير السودان وتنميته الاقتصادية. نقلا عن صحيفة الرائد السودانية 31/5/2011م