لم يكن هيناً عليها مسح دموعها بطرف ثوبها السوداني الذي من المؤكد أنها ستخلعه في التاسع من يوليو، التوقيت الوطني الجديد لدولة الجنوب، ولكنها أرادت أن تدخر تلك الدموع ليوم الرحيل لتشفى من وجع الانفصال بأدنى قدر من الخسارة، سارة أليجا تور التي تشكل حالة أخرى من حالات التيه في سوق المصير الذي تتقاطع دروبه، لم يخطر ببالها أبداً وهى تتحفز للمشاركة في المؤتمر الثامن للاتحاد العام للمرأة السودانية الذي انتُخبت فيه أميناً عاماً للاتحاد في دورته الحالية، بأنها ستنهي دورتها المقرر لها (4) سنوات في أقل من عام، حيث تسنمت الموقع في التاسع من يوليو من العام السابق (2010م) قبل التصويت لتقرير مصير الجنوب، فهل ضاعت هى أم ضاع منها الطريق؟ جاءت رياح الانفصال لتعصف بأحلامها في ساعة مبكرة جداً، مما جعل ابنتها الصغيرة تهمس في أذنها ذات مساء «هذه البلاد ليست لنا يا أمي»، لتجيبها والدتها سارة في الحال: «نعم يا صغيرتي لقد أدركت هذه الحقيقة متأخرة ولكنني أدركتها على الأقل».. ربما تخسرهم البلاد كآخر المغادرين لأرض الشمال، وربما يسعد بعض الذين ظلوا يعدون قبورها لمزيد من القتل والدماء والعزلة، فسارة أليجا متزوجة من رجل ينتمي للحركة الشعبية، بينما هى تنتمي للمؤتمر الوطني، فضلاً على أنها أم لخمسة أبناء؛ ثلاث بنات إحداهن طبيبة وولدان تخرجوا من الجامعة وفشلوا في الحصول على فرص عمل. سارة أليجا استبقت انعقاد المؤتمر الاستثنائي المقرر له (14) يونيو القادم لاختيار خليفة لها بعد أن حزمت حقائبها وشؤونها الصغيرة للمغادرة وأعلنت استقالتها من المؤتمر الوطني في خطوة لم تكن مفاجئة للكثيرين وإن كانت استقالتها مختلفة بعض الشيء وهى أشبه بعملية الهبوط الاضطراري لتجنب المخاطر الأمنية، قالت سارة في حديث ل(الأهرام اليوم): «أنا بنتمي للجنوب، ولازم أرحل لأن النظام الأساسي لاتحاد المرأة ما بيديني الحق أكمل الدورة، وكمان مافي جنسية مزدوجة»، ووصفت المؤتمر الاستثنائي بالمؤتمر التجديدي. وأضافت أليجا: «لا شك أنني سوف أغادر الشمال بعد أسابيع وسوف أعتزل السياسة وأتفرغ للتدريس في جامعة أعالي النيل كلية التربية»، وأضافت أنها قدمت استقالتها بشكل تلقائي لأن المؤتمر الوطني لا وجود له في جنوب السودان وهى ليست على استعداد للانخراط في أي نشاط سياسي في المرحلة القادمة. وبخصوص إمكانية انضمامها للحركة الشعبية تركت سارة الباب مفتوحاً على هذا الاحتمال ولكنها استدركت قائلة: «الجنوب ما فيه الحركة وحدها وإنما فيه أحزاب أخرى»، وأضافت بأنها تشعر بالأسى لفراق أخواتها في اتحاد المرأة إلا أنها سوف تنصاع للخيار الذي صوت له الجنوبيون، وقالت إن الانفصال لن يقطع جذور التواصل بينها والشمال وإنما ستظل العلاقات الاجتماعية رابطاً أقوى من كل الروابط السياسية وهى لن تتأثر بما حدث، فضلاً على أنها لا تعلم متى وبأي جواز سوف تهبط مطار الخرطوم. ورفضت سارة مسألة العودة للحرب بين الجنوب والشمال، وقالت إن الطرفين توصلا للسلام بالحوار ولا مفر من العودة للحوار، وهى ستعمل بكل جهد لمواجهة الذين يريدون الحرب لأن النساء في جنوب السودان أكثر تضرراً إذا اشتعلت النيران، خصوصاً وأن الواقع هناك لا يزال هشاً.. وفي ما يختص بخليفتها في اتحاد المرأة قالت سارة إنها لا تعلم من سيخلفها لأن المؤتمرات هن اللائي سينتخبنها، كما أن لمنظمات المجتمع المدني والقطاعات النسوية الحق في ترشيح من ترغب فيها ولكن الفرصة أكبر للشابات. وبمغادرة سارة أليجا للموقع يتصاعد الدخان من جديد بخصوص من سيخلفها هذه المرة ولكن غالب الترجيحات تشير إلى أن المنصب سيذهب هذه المرة لدرافور وإن لم تبرز أسماء حتى الآن من غرب السودان لشغله ولكن المؤكد أن عودة رجاء حسن خليفة الأمين السابق تبدو شبه مستحيلة فقد تمّ ترشيحها من قبل لشغل وزارة الشؤون الاجتماعية بولاية الخرطوم ولكنها رفضت الموقع وآثرت البقاء دون الإفصاح عن الأسباب، مما جعل المصادر ترجح أن رجاء تنتظر الزمن المناسب لدخول التشكيلة الوزارية ولا ترغب في العودة للاتحاد مجدداً، فالمنافسة حتى الآن انحصرت في ثلاث قياديات؛ نائبة الأمين العام الحالي أحلام أحمد إبراهيم وأخرى تسمى انتصار، ومشاعر الدولب التي تدير مركز تنمية ودراسات المجتمع، ومن أبرز الوجوه المنافسة كذلك رئيسة هيئة البرلمانيات السابقة بالمجلس الوطني ونائبة حاج ماجد سوار في أمانة التعبئة السياسية سامية سيد أحمد وهي التي كانت نشطة في هيئة ترشيح البشير وكان من المتوقع أن تشغل الموقع لولا الظرف التاريخي الذي جاء بأليجا. ظاهر الأحداث لا يوحي بأن هنالك صراعاً معلناً في القطاع النسوي بالحزب ولكن تفاصيل ما يدور في الباطن ترسم في فضاء الواقع جملة من الأسئلة بخصوص طبيعة العلاقة بين سامية أحمد محمد بخلفيتها التاريخية ورجاء حسن خليفة بتجربتها النقابية وسناء حمد التي تمثل مدرسة شبابية يقف خلفها تيار كبير وهي الأكثر نقداً لتجربة القطاع من داخل التنظيم نفسه، مما جعلها عرضة للنيران الصديقة، وقد برز اسم الدكتورة سناء حمد نائبة رئيس قطاع الطلاب بالمؤتمر الوطني للقيام بدور أكبر في المرحلة القادمة من واقع الأثر الذي أحدثته بوجودها في الوزارة، غير أن هنالك عدداً من الوجوه الشبابية المرشحة لتسنُّم مواقع قيادية في الحكومة القادمة ومنها فدوى شواي دينق، والأستاذة بخيتة الهادي عبدالرحمن، وسامية حسن سيد أحمد، ومروة جكنون، وناهد محمد خير وسامية الفكي وبثينة خضر مكي.. مما يجعل الكثير من الوجوه النسائية في حالة حماس للوصول لذلك الموقع ومواقع أخرى ذات صلة بالتشكيلة الوزارية القادمة أو حتى الرئاسة، خاصة بعد حديث القيادي بالمؤتمر الوطني أحمد عبدالرحمن أن الحزب من الممكن أن يرشح امرأة لرئاسة الجمهورية.