الأخبار التي تسربت من الجنوب وكشفت عن اتجاه وسط قيادة الحركة الشعبية بتسمية (باقان أموم) مفاوضاً مع الشمال بعد تعثر مهمة (ريك مشار) الأخيرة في الخرطوم التي فشلت في طي ملف أزمة أبيي في تطوراتها الماثلة وقد رجع الرجل بعدد من اللاءات كان من الممكن أن يرجع بها الرئيس الأمريكي (أوباما) ناهيك عن سلفاكير أو أي قيادي داخل الحركة الشعبية يقدم إلى الخرطوم في تلك الظروف وفي ظل غضب خرطومي لا مفر من استقبال ضرباته الموجعة واحتمالها والانتظار حتى تهدأ الأمور. ابتعاث (باقان) إلى الخرطوم ستكون نتائجه أسوأ من تلك التي رجع بها (ريك مشار) وأكاد أجزم بأن (باقان) لن يجد من يستقبله ناهيك عن الجلوس إليه ومفاوضته وقد رسخ (باقان) في الذهن الجمعي لشعب الشمال بكافة نخبه السياسية والإعلامية والأكاديمية وحتى وسط البسطاء وعامة الناس بأنه الرجل الذي قاد العلاقة بين الشمال والجنوب إلى هذا الوضع المتردي وكان وراء كافة الأزمات التي ضربت مسيرة الشريكين وظل يصعّد في المواقف وينزل إلى الشارع مثله مثل المعارضين والمتظاهرين وكان أقرب إلى صفوف المعارضة منه إلى صف شريكه في الحكم والاتفاقية، بالإضافة إلى كل ذلك فإن (باقان) معروف بعدائه الواضح والفاضح لكل ما هو شمالي وقد سمعناه يطالب الكونجرس الأمريكي بإبقاء الحصار على الشمال ورفعه عن الجنوب وقد طال عداؤه تلاميذ المدارس فطردهم من (واو) وهم يتأهبون لانطلاقة فعالياتهم وأنشطتهم في الدورة المدرسية وغير ذلك الكثير الذي يحسب عليه من كافة الأوساط الشمالية لا يتسع المجال لحصره في هذه الزاوية محدودة المساحة. ما قدمه المؤتمر الوطني للحركة الشعبية لم يقدمه لها أي كيان آخر داخل وخارج السودان، وانتهى بمنحها دولة ما كان لها أن تتنزل لولا الاتفاق الذي وقعه معها المؤتمر الوطني وكذلك منحها حق تكوين حزب سياسي بعدما كانت مجرد مليشيات عسكرية ومنح قيادات الحركة الشعبية بمن فيهم (باقان) صفة رجال دولة بعد أن كانوا مجرد متمردين ومنحها خلال خمسة أعوام من عمر الاتفاقية (12) مليار دولار من عائدات النفط الذي استخرجه شريكها الذي تعاديه المؤتمر الوطني فبدلاً من تعاونها معه والحرص عليه وردّ الجميل له والعمل سوية لبناء الدولتين يقود (باقان) الدولتين إلى حالة من العداء وربما الحرب إن صعد بديلاً ل (ريك مشار) الذي يجد الاحترام والتقدير من قطاعات واسعة في الشمال بالإضافة إلى ذلك فإن الشمال لم يسمع أو يشهد له مواقف معادية مثلما يحدث من (باقان). تغيرت الظروف التي كانت مؤاتية ليلعب (باقان) أدواره القذرة ويمرر مؤامراته على الشمال ويبتزه ويومها كان الشمال يلهث خلف الوحدة ويسيل لعابه لها ويجد من يصدقه ويسير في ركابه وهناك من يهتف له أما اليوم فإن (باقان) خسر حتى رفاقه في النضال وحياة التمرد بعد أن تنكر لهم وهرب بالجنوب يقيم دولة أخرى غير تلك التي كان يخدعهم بها وتركهم يقابلون مصيرهم وقد اكتشفوا أخيراً أن الحركة الشعبية كانت تستخدمهم لمشروعها الانفصالي ولذلك فإن اتجاه الحركة الشعبية للعودة ب (باقان) في ظل هذه المتغيرات سيجعلها تخسر كثيراً وربما تخسر دولتها التي تحيط بها الأخطار حتى من داخل الجيش الشعبي وقد انشق عنه عشرات الجنرالات وعشرات الآلاف من الجنود وبدأوا زحفهم وتمددهم في عدد من المقاطعات. لا خيار للحركة الشعبية غير تغيير سياستها تجاه الشمال إن كانت ترغب في بناء دولة جنوب السودان وأن تبعد أمثال باقان أموم وتدفع بالحكماء والعقلاء وستجد الشمال أكثر عوناً وتعاوناً لا سيما أن الشمال يرغب في بناء دولته في نسختها الجديدة ويمكن أن ندلل على ذلك بحالة التعاون القائمة الآن بين السودان وتشاد وتجربة القوات المشتركة بين البلدين التي نجحت في ضبط الحدود في وجه متمردي البلدين وعليه فإن للسودان تجربة ثرة في مثل هذه الأحوال يجب الاتجاه نحوها لطي حالة العداء إلى الأبد بين البلدين.