مع اقتراب فجر التاسع من يوليو، ما زالت الأوضاع السياسية في السودان حبلى بالقضايا التي من شأنها أن تلد النزاعات بين دولتي ما بعد المصير. رئيس حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي في ورقته (السودان التحول من العداء إلى حسن الجوار) التي قدمها في المؤتمر الذي عقدته مؤسسة (فريدريش أيبرت) في العاصمة الألمانية (برلين) الأسبوع الماضي؛ قال إن اتفاقية السلام الشامل كانت تسمية خاطئة ووصفها بأنها وثيقة ثنائية لوقف إطلاق النار وقسمة السلطة والثروة بين طرفين متحاربين، وأضاف أنها قد فشلت في بناء السلام والمصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي، فضلاً عن فشلها في جعل الوحدة جاذبة وبناء الثقة بين الطرفين. السيد الإمام شدّد في الورقة على ضرورة أن ينخرط الجانبان في نهج جديد ينحو لتجنب أخطاء الماضي ويقبل ويعترف بدولتي السودان وأن يلتزم الجانبان بضرورة الجوار الحسن والأخوي، وطالب بضرورة الوصول إلى اتفاقية جديدة لما بعد اتفاقية السلام (اتفاقية المصير الأخوي) مقترحاً أن تحتوي الاتفاقية على دستور جديد للسودان يستوعب التنوع ودولة مدنية تقوم على المساواة في المواطنة وتقليص عدد الولايات لتصير الوحدات الفيدرالية ست ولايات الأمر الذي اعتبره يمنحها سلطة أكبر، وأردف: «يجب أن يتضمن اسما الدولتين كلمة السودان»، وأضاف: «يجب أن يتمتع مواطنو كل دولة بحقوق مواطنة خاصة في الدولة الأخرى وهي تتمثل في الحقوق الأربعة (حق التملك والحركة والعمل والحصول على الجنسية المزدوجة عند الطلب)، علاوة على تنفيذ سياسة تكامل اقتصادي في مجالات (الاتصالات والمعلومات والمياه والطاقة والبنية التحتية وتنسيق الخطط التنموية في مجالات الزراعة والصناعات التعدينية)»، مطالباً بأن تقوم اتفاقية الحدود على حدود مرنة تسمح بحركة البشر والماشية وانسياب البضائع، وزاد: «يجب أن تنشئ الاتفاقية آلية مشتركة لإدارة الحدود المشتركة ولحفظ النظام والقانون»، وأضاف: «يجب أن تلتزم الدولتان السودانيتان وهما تسنان دستورين مختلفين بمبادئ عامة مشتركة هي (حقوق الإنسان والتعددية الدينية والثقافية والحكم الديمقراطي)»، مشيرا إلى أن المهم في كلتا الدولتين ألا يهيمن حزب واحد على مؤسسات الدولة وأن تكون القوات المسلحة وقوات الأمن قومية ومهنية وكذلك الخدمة المدنية، مشدداً على ضرورة قيام حوار جنوبي جنوبي حقيقي ويتم الاتفاق خلاله على اتفاقية قومية لجنوب السودان لوضع خريطة طريق لبناء الأمة، وأوضح المهدي أن أزمة دارفور ستزعزع استقرار السودان وتفسد العلاقات الشمالية الجنوبية مطالباً بتسوية أزمة دارفور في أسرع وقت ممكن. وطالب المهدي بضرورة الوصول إلى اتفاق قومي جامع حول أسس وحدود المشورة الشعبية، وأسس الإدارة القومية الانتقالية، وقال إن الوضع في أبيي الآن متفجر الأمر الذي اعتبره سيجعل مجلس الأمن يصفه بالمهدد للسلم والأمن العالمي والإقليمي وبناء عليه يصدر قراراً تحت الفصل السابع. المهدي نادى كذلك في الورقة بضرورة الالتزام بإجلاء القوات المسلحة والجيش الشعبي من المنطقة وجعلها منزوعة السلاح، مطالباً بأن تسند المهام الشرطية إلى قوات من الأممالمتحدة تتكون من دولة مقبولة لكل الأطراف، فضلاً عن تكوين إدارة قومية انتقالية تهتم برفاه كل سكان المنطقة، وتأجيل الاستفتاء إلى تاريخ آخر بعد قيام دولة جنوب السودان، واعتبر المهدي أن هناك العديد من القضايا المهمة التي لا يمكن حلها قبل التاسع من يوليو ومن هذا المنطلق طالب بتكوين مفوضية حكماء حالاً ومنحها تفويضاً قومياً لحل تلك القضايا، ودعا إلى الاتفاق على حدود مرنة بين الشمال والجنوب تسمح بحرية الرعي والتجارة، وطالب بوضع اتفاقية أمنية بين دولتي السودان تتضمن (حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة، والتنسيق الأمني، والدفاع المشترك ضد الأعداء، ومنع الحرب كوسيلة للتعبير السياسي)، ودعا المهدي إلى أن تضمن البنود التي ذكرها في اتفاقية جديدة للمصير الأخوي لتخلف اتفاقية السلام الشامل في 9 يوليو2011م. وفي هذا المنحى يرى مراقبون أن هناك عدة سيناريوهات تواجه الدولتين في حالة الانفصال من بينها التغييرات الجيوسياسية التي من بينها أن دولة الجنوب الحديثة ستكون أكثر ارتباطاً بشرق أفريقيا، وأشاروا إلى أن محاولة تغيير الوجهة الاقتصادية قد تنشأ عنها جماعة أمنية بترتيبات أمريكية لحماية الدولة الجديدة في جنوب السودان، وفي إطار السيناريوهات المحتملة في المستقبل وبعد انفصال الجنوب يرى مراقبون أن الترتيبات الأمنية والعسكرية ستتدخل فيها شروط الجماعات الأمنية بغرض وجود قيم مشتركة واهتمام بالتعاون، فضلاً عن قضية التفاعلات للدولة الخارجية التي ستفرض عليها طريقة وهوية محددة وتؤثر على السياسات في منطقة شرق أفريقيا التي ظلت تعاني من الاضطرابات وليست بها مجموعة أمنية متحدة، وتوقعوا أن يكون ارتباط الجنوب بشرق أفريقيا ارتباطاً سياسياً اقتصادياً وليس ارتباطاً أمنياً، فضلاً عن نشوء جماعة أمنية بترتيبات أمريكية بدولة أوغندا باعتبارها أصبحت أحد المراكز الأمريكية المهمة في إطار برنامج مكافحة الإرهاب، مؤكدين أن المصالح بين الشمال والجنوب تحتم الوصول إلى الترتيبات الأمنية بين الدولتين في حالة الانفصال باعتبار أن هناك مصالح حقيقية متمثلة في (التجارة وحركة البشر والصلات الاجتماعية)، وشددوا على ضرورة تحقيق الاستقرار للطرفين دون اللجوء إلى الوسائل العسكرية، وقالوا إنه ليس من مصلحة شمال السودان أن ينهار الجنوب وتكون به صراعات وإن التوترات ستؤدي إلى ضياع الدولتين، وشددوا على ضرورة تطوير آليات التعايش والتكامل بين الدولتين. إذن، بعد أن اختار الجنوبيون الانفصال فلا سبيل لاستئناف قرارهم ولا تعديله، لكن يمكن أن ينطلق الشمال من خطة أخرى وهي وحدة الشمال والجنوب التي كانت من قبل هي الأصل وأن الانفصال حالة مؤقته وعلى الجميع أن يعملوا بجد ودأب وسلمية لاستعادة الوحدة والاستفادة من التجربة (الألمانية) والتجارب الأخرى، ومن هذا المنطلق يرى مراقبون أن طرفي اتفاقية (نيفاشا) اذا لم يتوصلا إلى اتفاق حول القضايا العالقة فإن تلك القضايا ستقود إلى حرب أسوأ من التي دارت في الماضي ولكن في هذه المرة ستكون الحرب بين دولتين بحلفاء خارجيين وستكون هذه الحرب كارثة على القارة الأفريقية. حسناً.. بدأ العد التنازلي لإعلان دولة جنوب السودان، فهل يفلح الشريكان في رسم طريق ثالث للمصير الأخوي بين الشمال والجنوب كالذي رسمه رئيس حزب الأمة القومي؟ سؤال إجابته بين يدي الأيام الحبلى بكل ما هو متوقع، وغير المتوقع..!!