حين تتعاظم التحديات يبقى التحدي الأول هو كيف نحافظ بقوة وبوحدة هدف ومصير على ما تبقى من سوداننا الشمالي، فالموضوع ليس انشطار رقعة جغرافية ولا ذهاب موارد وبترول بقدر ما هو تحد وطني جديد يجب أن نحسن الصنع فيه بدءاً من الحزب الحاكم؛ المؤتمر الوطني، وبقية الأحزاب الأخرى، الوطن الذي بناه الجميع شمالاً وجنوباً انقسم إلى ثلثين لأن ثلثاً على الأقل قد أصبح مكوناً لدولة وليدة، وحتى هذان الثلثان اللذان بقيا من مساحة الوطن لا زالا يحملان في داخلهما كثيراً من التحديات والقضايا الشائكة منها قضية دارفور (الأزمة) ومنها الوفاق الوطني مع القوى السياسية، تلك القوى السياسية التي لا زالت تتطلع لإقصاء كامل للحاكمين، إضافة إلى تحديات أخرى على الصعيد الاقتصادي التي هي الأخرى يزداد فيها الطين بلة بحديث المسؤولين الاقتصاديين المحبط والمتشائم عن الوضع المعيشي والاقتصادي بعد الانفصال، والغريب في الأمر هنا أن المواطنين العاديين متفائلون بالحالة الاقتصادية بعد الانفصال أكثر من المسؤولين الاقتصاديين فهل الصورة مقلوبة هنا؟ لا نقول يجب أن نعدلها بل يجب أن نوطنها ونزداد جميعاً صبراً. هذا شمالاً أما جنوباً فنقول لأهل الجنوب ها هي دولة الجنوب قادمة، لكن قبل بدء الاحتفالات هناك لا بد لكل الساسة الجنوبيين الذين قادوا أو اقتيدوا إلى هذه النتيجة الحتمية أو غير الحتمية، أن يضعوا في جميع اعتباراتهم وهم يشكلون الدولة الجديدة أن الجنوبيين هم كيان أفريقي في قارة أفريقية وحدتها هي الأساس وهذا هو جوهر العملية المطلوب والمحصلة النهائية إن كانوا يسمعون ويفهمون، فالشيء المطلوب كان ولا يزل وسيظل هو أنك لا بد من أن تكون جزءاً من كيان كبير فهذا هو منطق الجغرافيا والتاريخ والسياسة، فالحضارة الحديثة تجاوزت الانشطار والكيان الصغير وتبحث كل يوم عن الكيان الكبير. فاليوم لا نأسف كثيراً على نيفاشا كاتفاقية ولكننا نأسف كثيراً لضياع مكتسبات اتفاقية أديس أبابا 1972م التي كان مكتوباً في ديباجتها وبالخط العريض (أن نبني الوحدة الوطنية على أساس ديمقراطي سليم وأن نعترف بالفوارق الثقافية بين الشمال والجنوب) أين نحن من هذا وذاك ومن هذه وتلك بعد أن انتهى واحترق شعار (لا شمال بلا جنوب ولا جنوب بلا شمال؟). فيا قادة دولة الجنوب القادمة لا تفرحوا كثيراً لأن الأمريكان ما إن يسعوا للإتيان بقيادة إلا وينظرون لبديلها وخلفها، فيا سلفاكير ومن معه تذكروا أن الأمريكان الذين يستعجلون الآن قيام دولة الجنوب هم الذين جاءوا بصدام حسين وسعوا لتغييره وكذا جعفر نميري وعرفات ومن اقتلعتهم الثورات العربية الآن، تاريخهم يقول هذا وملفهم هكذا في عالم لعبة السياسة فهل إلى نعيم أنتم ذاهبون أم إلى جحيم؟ نقول لعرابكم باقان أموم الذي قال ذات يوم (سنصوت للانفصال حتى ولو أمطرت السماء ناراً) إنكم ذاهبون لاحتلال وليس لانفصال. فصانعو الحرب في العالم هم الذين يرسمون مستقبل الجنوب الجديد وليس صانعي السلام، ولنا ولهم نقول إن الانفصال لا يمكن أن يكون قوة بأي حال من الأحوال وللذين يصفونه وهم قلة من أهل الجنوب وأهل الشمال بأنه استقلال نقول لهم هو اضمحلال بكل ما تعنيه الكلمة وليس استقلالاً.