{ أجرى الأستاذ الصحفي الشاعر سعد الدين إبراهيم، ذات لحظة شعرية طاغية، لقاء «فوق العادة» مع صديقه الشاعر التيجاني سعيد، كان لقاء وسيماً وشاملاً، وفي إحدى المحطات تساءل سعد الدين «إذا كنت تنفى دائماً تهمة الشيوعية فلماذا سجنك جعفر نميري في مايو..؟».. قال التيجاني: «كل الناس قد سجنوا في مايو، حتى جعفر نميري نفسه قد سجن في مايو».. في إشارة لاعتقال نميري في تلك الثورة الشيوعية الارتدادية. وأذكر أنني قد تداخلت بمقال على إثر ذلك اللقاء الشاهق على طريقة «أسير أنت يا بحر.. ما أعظم أسرك.. أنت مثلي أيها الجبار لا تملك أمرك».. بيت شاعر الطلاسم إيليا أبو ماضي، قلت لسعد الدين يومها «إن صاحبك.. مثلك لا يصلح إلا أن يكون شاعراً»، وكانت المفاجأة بعد نشر ذلك اللقاء أن تحركت هواتف وهواجس وأشجان صاحب «قلت أرحل» وأخواتها.. وهو يقول لي، بعد أن أضناه ليل البحث عن هاتفي: أدعوك لزيارتي.. تعال فقط للشهداء بأم درمان وهاتفني وأنا آخذك للبيت.. و.. و.. { بالأمس يعيد التاريخ نفسه، ما أشبه الليلة بالبارحة، فعلى إثر ملاذي «الله يجازيك يا حسين خوجلي»، الذي نشر هنا منذ أيام وكان المقال يتداخل حول حلقة بازخة من برنامج «تواشيح النهر الخالد»، تلك النسخة التي جمعت ما بين «الديكتاتور حسين خوجلي»، ودكاترة شعر الدليب محمد سعيد دفع الله والسر عثمان الطيب، بصحبة محمد كرم الله، حيث مارس حسين في تلك الأمسية «دكتاتوريته الجميلة» وطغيانه الأدبي في ترويض «فن الدليب»، فعلى إثر تلك المداخلة يبلغ الطرب بصاحب «رسلي لي عفوك ينجيني من جور الزمان» الشاعر السر عثمان الطيب أن يهاتف محمد سعيد ليقرأ ملاذات ذلك اليوم ومحمد سعيد دفع الله يطرح سؤاله التمهيدي: من هو أبشر الماحي هذا «ليعمل فينا كل ذلك؟» وإنه يكتب بصورة مختلفة وطريقة جديدة، ثم يذهب صاحب «الزول الوسيم في طبعه دائماً هادي» في رحلة بحث مضنية عن هاتف كاتب مغمور، وهل كانت مصادفة أن يعثر على هاتفي عند شاعر آخر لا يقل دهشة وإبداعاً، أن يحصل عليه عند رجل القانون والوزارة وجمهورية الشعر عبدالباسط صالح سبدرات، سبدرات الذي زرته منذ فترة بمكتبه الشاهق بامتداد العمارات بالخرطوم، وقال لي وقتها «إن مكتبي هذا أعظم وأجير وأوسع من مكتبي لما كنت وزيراً للعدل»، فذهبت لأكتب مقالاً «أن سبدرات هو الرجل الذي يعرف ماذا سيفعل عندما لم يكن وزيراً» وأن حياة وأنشطة صاحب «رجوع القمرة لوطن القماري» قد بدأت بعد إحالته على المعاش، ثم أجريت بصحبة زميلي المدهش عزمي عبد الرازق لقاء مثيراً مع رجل أكتوبر ومايو ويونيو، ولا أعرف ثورة لم تتزين بسبدرات ولا شهراً سودانياً لم يحتف به. قال لنا يومها: «أنا الذي أخرجت طه القرشي من المستشفى»، وقلنا له إن الحركة الشعبية قد أمهلتنا حتى يوليو لتقيم الدنيا علينا ولا تقعدها، قال «كتّر خيرها، فهنالك فرقة ما بين سلة السكين والضبح»، وهو اللقاء الذي تمنت روائية (الأهرام اليوم) الحصيفة مشاعر عبدالكريم لو أنها كانت أحد صناعه، وسبدرات فيما بعد يتحدث عن مشاعر كما لو أنها «غادة سمان» سودانية و.. و.. { وأنا لم أأتي بشيء من عندي، فقط كررت ما قيل على شاطئ ذلك النهر الخالد بأن محمد سعيد دفع الله قد كتب «الزول الوسيم» وهو بمروي الثانوية ولما جاء إلى الجامعة صعد بنا إلى قمة «أريتك تبقى طيب إنت أنا البي كلو هين»، ولما تخرج من الجامعة خرج ب«حتى الطيف رحل خلاني»، والسر هو الذي قال إن النعام آدم هو الذي وضع حداً لثقافة «فن الملك»، معلناً جمهورية الغناء الشايقية بصورتها الحالية و.. و... {مخرج.. «وأنا مالي غير ملاذاتي أكتبها فيك وأدون»، وهنا الإشارة إلى هذا «الوطن الخالد» الذي يمتلك كل هذه الروائع وفي أزمنة التجاذبات الكبيرة.. «أريتك تبقى طيب.. أنا البي كلو هين» والسلام.