لما كان الشاعر التيجاني سعيد، صاحب (قلت أرحل) وأخواتها، لما كان يخرج من سجون مايو كتب أحدهم مقالاً تحت عنوان (التيجاني سعيد لماذا)؟ وذلك على طريقة كتابيْ الراحل جعفر نميري (النهج الإسلامي لماذا) و (النهج الإسلامي كيف)! وكان التيجاني سعيد قد خرج من سجن مايو على التو ببعض الكتابات الإسلامية، لكن التيجاني ذاته ينفي في لقاء صحفي لاحق (تهمة الشيوعية) لما سئل (لماذا إذن أخذت إلى سجون مايو في زمرة الشيوعيين)؟ قال التيجاني يومها (كل الناس قد سجنوا في مايو، حتى جعفر نميري نفسه قد سجن في مايو). والتيجاني يشير هنا إلى تلك الثورة الارتدادية التي دبرها الشيوعيون وتم فيها اعتقال نميري نفسه لثلاثة أيام قبل أن ينهض ويسترد ثورته وحكمه. وأنا هنا إذ أستلف هذا العنوان المايوي (الدستور الإسلامي لماذا)، أشير إلى الخبر الذي أورده الزميل النشط الأستاذ طلال إسماعيل في عدد الأمس عن ما عنون له (بجماعات وتيارات إسلامية توقع على بيان تأسيسي لجبهة الدستور الإسلامي) بحيث تتشكل هذه الجبهة الموقعة، حسب الخبر، من المؤتمر الشعبي والإخوان المسلمين والصوفية وأنصار السنة) غير إن الخبر لم يورد كادراً من أنصار السنة كان في مواكب هذا الدستور، ولكن الإشارة كانت باتجاه الشيخ مدثر إسماعيل الذي يمثل (مدرسة الرابطة الشرعية) التي يتزعمها الكادر السلفي محمد عبد الكريم، وأنا كنت لوقت قريب أقع في ذات الخلط، لما أشير إلى مدرسة (طيبة) على أنها فضائية أنصار السنة إلى أن اتصل بي مؤخراً أحد الإخوان من منطقة السعدابية بمدينة عطبرة بأن طيبة لا تمثلهم وإنها إذاعة إخوان مسلمين) وعلماء سلطان، فأصبحت من يومها أدقق في هذه المصطلحات. الخبر أيضا لم يشر إلى تفاصيل الطرق الصوفية التي وقعت على البيان فالذي أعلمه أن أشهر المشائخ الصوفية في أمضبان والكباشي وأبوكساوي والفاتح قريب الله وغيرها هي من تسير في ركاب (المشروع الإسلامي الإنقاذي) اللهم إلا أن تكون هذه المشيخة الموقعة هي (مشيخة أزرق طيبة) التي تتبنى نهجاً أقرب (لليسار الإسلامي) وهي تشايع الحركة الشعبية واليساريين وقبائلهم الأخرى، صحيح أن أشهر الموقعين على هذه الوثيقة هو الشيخ صادق عبدالله عبد الماجد، الذي بدا منذ فترة ناقماً جداً على الإنقاذ ومشروعها ومشروعيتها، ففي لقاء صحفي بهذه الصحيفة جرد شيخ صادق حكومة السيد البشير من أي توجه إسلامي. وأنا لا أعرف إن كانت (مجموعة شيخ صادق) مشاركة في هذه النسخة الثانية من المجموعة الثانية، غير إن الذي أعرفه هو أن شيخ الحبر يوسف نور الدائم، ثاني اثنين إذ هما في غار الإخوان، هو مشارك (وحارق تش) في برلمان المشروع الحضاري الذي يناهضه الشيخ. غير إن اللافت في كوكبة الدستور الإسلامي هذه هو أن (المؤتمر الشعبي) هذه المرة لم يرسل رسوله الدائم للمؤتمرات، أعني الأستاذ المحامي كمال عمر الذي ربما كان سيفسد عليهم هذا اللقاء (بشتم المؤتمر الوطني)، وأنا لا أعرف رجلاً تخصص في شتيمة المؤتمر الوطني مثلما يفعل الأستاذ كمال عمر، حتى أوشكت أن أعتقد بأن الرجل (لا يملك مشروعاً ولا فكراً غير شتيمة المؤتمر الوطني)، لكن الشعبيين قد بعثوا برجل مهذب هو الأستاذ الصيرفي عبدالله حسن أحمد، محافظ البنك المركزي الأسبق، لكن المؤتمر الشعبي بدا متناقضاً وهو يوقع على وثيقة الدستور الإسلامي ولما يجف بعد اتهامه بأنه يشايع الجبهات المعادية للإسلام في حركات الجبهة الثورية وقبائل اليسار الأخرى. ومهما يكن من أمر، فإن الدستور الإسلامي مطلوب ليس من الموقعين هؤلاء، بل من كل فئات هذا الشعب.. فهذا الصوت صوت الشعب.. وهذا الشعب شعب مسلم.