يبدو أن أم كلثوم سوف تظل إلى فترة يصعب تحديدها هي سيدة الغناء العربي. فغناؤها ما زال بعد 36 سنة من موتها هو الأجمل والأكثر إعجازاً، وما زالت تجلس على القمة، ثم بعد مسافة يجلس الآخرون من المطربين والمطربات في سائر أنحاء الوطن العربي. إن العرب والناطقين بالعربية ما زالوا يسمعون أغنياتها بكل الاستمتاع وما زالت بالنسبة لهم أو لكثيرين منهم هي المطربة المفضلة، وما زالوا على استعداد لأن يسمعوا الأغنية أو «الكوبليه» أكثر من مرة ويتأوهون. ونحكي عن هذه النقطة قصة حكيناها من قبل ولكن في جريدة محدودة الانتشار! والمصدر هو صديقنا وأستاذنا عبدالله عبيد رئيس تحرير «الرأي العام» السابق. فقد كان الأستاذ الراحل حسن الطاهر زروق ممثل الجبهة المعادية للاستعمار في البرلمان الأول؛ برلمان الحكم الذاتي الذي أعلن من داخله استقلال السودان، منتصف خمسينات القرن الماضي، من مشاهير «الكلثوميين» في البلد يسمع أغاني أم كلثوم ويكتب عنها.. وكان الأستاذ حسن الطاهر زروق يحرص بصفة خاصة على الاستماع إلى أم كلثوم في حفلتها التي تنقلها الإذاعة المصرية في الخميس الأول من كل شهر خلال موسمها الغنائي وكانت هذه الحفلة تقام في دار سينما قصر النيل القريبة من ميدان التحرير الشهير بالقاهرة. وكان الأستاذ زروق يقيم بالحارة الخامسة بمدينة الثورة وكان في تلك الليلة المشهودة يجلس في بيته مستمتعاً مستمعاً من الراديو إلى أم كلثوم وربما أنه لم يكن مستعداً للتخلي عن ذلك البرنامج حتى لو كان هناك اجتماع مهم عاجل للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني، وكان يتحدث باللهجة المصرية رغم أنه لم ير مصر. ولقد دفع هذا الاهتمام المسرف بأم كلثوم وغنائها وحفلتها الشهرية أحد زملائه الشيوعيين إلى أن يقول له: ما سر هذا الشغف المبالغ فيه بأم كلثوم؟ قال له: لو أنك سمعتها لعرفت، ولأن البرهان بالعمل فإن الأستاذ زروق دعا زميله الشيوعي إلى أن يحضر معه في بيته بالحارة الخامسة حفلة أم كلثوم. وفي ذات خميس في ليل الثورة التقى الاثنان، حسن الطاهر زروق وزميله الشيوعي وأم كلثوم تغني في الراديو والنشوة تستبد مع كل مقطع - يفرض المستمعون في الحفلة إعادته أكثر من مرة - بالأستاذ زروق وزميله الشيوعي صامت.. وبعد أن انتهت الحفلة قال حسن الطاهر زروق لضيفه الشيوعي ما رأيك؟ وقال الضيف: ثقيلة! وقال حسن زروق: لماذا؟ وقال الضيف: تعيد المقطع 13 مرة، وقال له زروق: «ثقيل إنت اللي حسبتهم». ثم نختم بمقطع من قصيدة نظمها شاعر النيل حافظ إبراهيم ولحنها السنباطي وغنتها أم كلثوم.. وَقَفَ الخلقُ يَنظُرونَ جميعاً كيَّفَ أبنِي قواعدَ المجدِ وحدي وبُناةُ الأهرامِ في سالفِ الدهرِ كفوني الكلامَ عند التحدي أنا إن قدَّر الإلهُ مماتي لا تَرىَ الشرقَ يَرفعُ الرَأسَ بعدي