{ أن يأتي أول الشهادة السودانية لهذا العام من ولاية «كسلا» الفقيرة، متدنية الخدمات، فهو أمر غريب، ويدعو إلى الدهشة، أما الأغرب فأن يخرج (أول السودان) من فصل دراسي متواضع بمدرسة حكومية (نموذجية) بتلك الولاية الطرفية!! { «طه» ابن الأستاذ «يعقوب إبراهيم» والأستاذة «عائشة آدم» طالب نابغة، حقّق (أعلى) نسبة في تاريخ امتحانات الشهادة الثانوية بالسودان (98.3%)، والده يعمل مدير صندوق تنمية المجتمع بكسلا، ووالدته منسقة في ذات التخصص بإحدى المنظمات الإقليمية، غير أن أكثر ما لفت انتباهي في حديث والد «طه» للصحف أن ابنه (الأول) كان مصراً على الجلوس لامتحانات الشهادة من «كسلا»، وليس غيرها!! { ومن هناك.. من عروس (القاش)، التي تغزّل فيها الرائع اسحق الحلنقي» قصيداً ساحراً، وأغنيات خالدات، جاء «طه» ليضع تاجاً من ذهب النبوغ على رأس «كسلا» العروس!! { الرسالة الأولى والأبلغ من نتيجة «طه» تقول إن أصحاب الهمم العالية لا يعرفون المستحيل، ولا يؤمنون بعدم توفر الإمكانيات والوسائل التي ربما تساعد غيرهم على تحقيق نتائج أفضل. { كسر النجيب «طه» (أسطورة الخرطوم)، وفعلتها قبله نجيبة أخرى نمَت وترعرعت في ولاية الجزيرة، في «مدني» الخضراء، عندما جلست على ذات المقعد عام 2006، بنسبة (96.9%) وهي «شيماء سيد أحمد عوض» التي درست وامتحنت أيضاً في مدرسة (حكومية) هي «مدني الثانوية بنات»!! { إذن الرسالة الثانية مفادها أن إنفاق أولياء الأمور ملايين الجنيهات على دراسة أبنائهم وبناتهم بمدارس (عالميّة)، أو (خاصة)، يتوفّر بها (أشهر) المعلمين والمعلمات في الرياضيات والكيمياء والفيزياء وغيرها من العلوم، ليس بالضرورة أن يكون شرطاً لتحقيق نجاح باهر، والدليل نتيجة «طه» هذا العام، و«شيماء» الأولى في العام 2006. { «طه» من «كسلا» و«شيماء» من «مدني» يمدّان لسانيهما للأسر والعائلات التي صارت (تفاخر) بإلحاق أبنائها بالمدارس (المليونيّة) باهظة التكاليف، حتى صار الأمر من قبيل (المظاهر) الكذّابة، و(البوبار)، أكثر منه حرصاً على تحصيل أكاديمي، ومستقبل مبشّر للأبناء. { أول السودان لهذا العام لا يدرس بمدرسة (خاصة)، ولم يتلقَّ دروساً (خصوصيّة)، بل اكتفى بحصاده من مدرسة (الاعتصام النموذجيّة)، ثم انكبّ على كُتبه ومذكراته، غير مبال بالمرُفهين في «الخرطوم» الذين تُهدر عليهم الأموال الطائلة بين المدارس (الخاصة) والمعلمين (الخصوصيين)!! { هنيئاً للموظفين في الولايات الذين عادوا بأبنائهم مرة أخرى إلى منصّات (التتويج)، بعد أن أصبح التعليم (تجارة) و(بوبار)، (طب بعشرين مليون، ومدرسة أساس بعشرة ملايين، ورياض أطفال بثلاثة وخمسة ملايين..!!) واتفرّجي يا حكومة. { مبروك «طه يعقوب».. ألف مبروك.