{ الطبيب السوداني، برغم المعاناة يصنع الإبداع لينقذ مريضاً، والمواقف كثيرة.. فكم هي القصص التي يعايشها.. منذ أول مراحل الامتياز وحتى التخصص، بل للتقاعد.. بعضها محزن جداً وبعضها يتوج بالسعادة.. فكم نسعد عندما ننقذ مريضاً.. { هذه المميزات جعلت الطبيب السوداني مرغوباً فيه في كل العالم.. فهو يعمل بكل تفان لينقذ مريضه دون النظر إلى عرق أو جنس أو مال.. وأنا أسرد لكم قصة من داخل معقلنا ومملكتنا (المستشفى).. { أثناء عملي بالجراحة في أول أيامي بالامتياز، كانت لدينا مريضة تعاني من جرح عميق في البطن، وكانت حالة صعبة.. بدأت ب (خراج) صغير ثم التهب الجرح وصار أكبر من أن يتصوره خيال، فتآكل لحم البطن كأنما أكلته دودة، وكانت رائحته أسوأ ما تكون.. وقد يتساءل البعض: أين كانت؟ لكن مريضتنا أم ليتيم عمره لا يتجاوز السبعة أعوام، ومن الحياء وقلة المال لم تذهب إلى طبيب، وصارت تداوي حالتها (بالبلدي) حتى استفحلت.. ومما زادها سوءاً أنها كانت مريضة بالسكر.. فكنا محبطين جداً.. بدءاً من الاختصاصي وحتى نحن - الامتيازيين. { عندها وضع قائد أسطولنا برنامج - بعد محاضرة طويلة بأن هذه المريضة لو لم نعمل جميعنا كفريق متعاون لتسببت حالتها في موتها - فقال: سنبدأ اليوم ب (بنج) كامل وننظف الجرح، وبدأنا، وقمنا باستخراج ما مات من خلايا بالجزء الأسفل بالبطن.. كنا نغطيه بالشاش ونلفه لفاً، حتى إذا تغطى وضعنا (البلاستر) اللاصق، وقد خرجت بحمد الله إلى العزل، فما كان يمكن وضعها مع بقية الحالات في العنبر.. وقال الاختصاصي إنه لا بد من نظافة الجرح يومياً صباح ومساء، وهذا دور طبيب الامتياز المناوب بالعنبر، وكل يوم طبعاً يكون طبيب منا، وفي نهاية الاسبوع تحت (بنج) كامل يقوم بذلك النائب، وكل يوم أربعاء بعد المرور العام يراها (المستر) ويغير جرحها بنفسه.. وكان لمريضتنا ابن أخت طبيب مختبر وأخ واحد، ففهمناهما ما يجري، وجاءت مناوبتي في اليوم الأول، وكان اليوم ثلاثاء، ولدينا مرضى كثر خرجوا من العملية ويحتاجون إلى نقل دم وأشياء أخرى.. { انتهيت من عملي بالعنبر حوالي الواحدة صباحاً وذهبت لعنبر العزل، ففوجئت أن الفراشة (الكانيولا) قد انفجرت، فقد كانت عروقها ضعيفة، وحاولت أنا وابن أختها ولم نفلح، فطلبنا العون من نائب التخدير المناوب وأتى فوراً، ووضعناها (الفراشة) ونظفنا جرحها، وكالعادة غطيناه بالشاش و(البلاستر) ونقلنا لها دماً.. { قبعت المريضة معنا في المستشفى حتى عافاها الله بعد أسابيع من العمل المتواصل منا جميعا.. ثم حولت إلى اختصاصي التجميل فقرر لها عملية أخرى وحضرنا جميعاً لنشهدها.. ونجحت العملية.. فاحتفلنا وفرحنا كلنا من أعماقنا.. فهو إنجاز مجموعة.. شارك فيه العديد من الأطباء.. وساهم فيه ابن أختها الذي كان بمثابة ابن وأخ لها.. فكم كان يساعدنا ليلاً في إتمام مهامنا.. وكان يوصلنا في ظلام دامس حتى يطمئن لمرقدنا.. كما أن مريضتنا كانت امرأة صابرة.. تسبح وتحمد الله.. وقد استمرت صلتنا بها حتى بعد أن تخرجت.. وكنا نتصل ونسأل عنها.. ثم جاءت الزيارة الأولى بالعيادة المحولة.. وما أجمل الإحساس الذي لا تساويه الملايين من الأموال.. إحساس أن ترى مريضك يبتسم وقد عاد ينبض في قلب الشارع.. ويكفينا أن يقول جزاكم الله خيراً.. { ودمتم سالمين.