في مثل هذا اليوم الثاني عشر من شهر يوليو 2010م بدأت مسيرتي الصحفية مع (الأهرام اليوم) ومع قراء زاويتي الصحفية (رواية أخرى) وقد حفلت اللقاءات صباح كل يوم خلال عام كامل بتشكيلات مختلفة من الكلمات والموضوعات والاهتمامات وأطل عبرها عشرات الرائعين من علماء بلادنا ومن عامة الناس تحملهم قضايا الوطن ليطرحوا أفكارهم وأحلامهم ما بين إشفاقهم وأمانيهم. أطلت هذه الزاوية الصحفية في ذاك الصباح الأول من عمرها مثل طفلة صغيرة تتلمس خطاها وترسل ناظريها في كل الاتجاهات وهي تتحسس الحضور الجميل وتصطاد رائحتهم الزكية وهمسهم وما يرسلونه من نظرات مسترقة تقلّب جنبات الوطن وأنحاءه وقضاياه وهي تبادلهم نظرة بنظرة وابتسامة شاردة بأخرى، بشرودها تلتقط الشوارد وتبادلهم دواخلهم بدواخلها وتصافحهم فرداً فرداً بمدادها وثنايا مشاعرها من تحت الأسطر ومن خلف القضايا المطروحة وقبل أن تصل الطفلة إلى منتصف الساحة تبدأ في اصطياد رفاقها في رحلة طويلة مع مهنة العذاب والرهق والكتابات النبيلة ما بين الحق العام والترويح وتفاصيل الحراك الاجتماعي الكثيفة داخل مجتمع يتشكل على مدار الساعة للعدل فيه رايات وللظلم الاجتماعي مثلها وأكثر وهكذا كلما خطت الطفلة خطوات يتسع موكبها القاصد ويتباين في اتجاهاته واهتماماته وأذواق المحتشدين في داخله فيستعصي على المداد الجمع بين متناقضات تحملها إلى الزاوية الصحفية الجموع الغفيرة التي تختار (الأهرام اليوم) رفيقتهم عند كل صباح والطفلة تحرص على ألا يتساقط من موكبها أحد حتى تبلغ بهم غايتها وغايتهم وغاية هذا الوطن الجميل ما بعد التاسع من يوليو. مسيرة عام جعلت هذه الزاوية تستقر على عرف من المطالعات وجدنا أنفسنا نلتزم به مع الأحباب القراء، يبدأ بالسبت ويكمل عدة الأيام حتى الأربعاء يطالع فيها القراء قضايا الوطن ونتشارك معهم المداد مثلما نقرأ معهم ذات الزاوية وكأننا نطالعها معهم لأول مرة أما الخميس فنلتقي معهم على مساحة اجتماعية خالصة تغوص في النفس البشرية قبل أن تشخّص مجتمعاتها وتعاملاتها وجلالها وجمالها وسوء طالعها وسوئها هي ونفاقها وكذبها ودركها السحيق دون أن نسمي هدفاً بعينه أو نرسم مصيدة لعزيز أو وضيع هكذا هي الكتابات في هذا الحال وإن حاول البعض أن ينسب إليه حروفنا وهي بريئة منه ومني، أما الجمعة فدرجنا على أن نتركها للمتفرقات التي يحبذها البعض ويطالبنا بأن تكون أكثر من مرة خلال الأسبوع ولسان حالنا يقول جرعة واحدة تكفي. ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً لم أحتجب فيها إلا ثلاثة عشر يوماً فقط قضيتها بموسكو وقد فشلت كافة محاولاتي هناك للتواصل بسبب ضعف الاتصالات في ذلك البلد الكبير وقد أسفت غاية الأسف لأن هذه الدولة القطب ستحرمني النمرة الكاملة التي عجز عنها المريخ في الدورة الأولى ولكنه حظي بها في العام 1972م وكان من الممكن أن أترك خلفي مقالات تطل على القراء في غيابي ولكني لا أحبذ الوصال إلا حاراً وحلواً وطازجاً. عادة الكتابة عند صاحب السطور مثل أوراد وطقوس يغرق فيها مستمتعاً بكلماتها التي ينطقها ثم يحسها وتريحه ثم من بعد ذلك يكتبها ثم يقرؤها لوحة كاملة تسري إلى دواخله بأجراسها وموسيقاها ورنينها وأفكارها وإيحاءاتها وخلاصة تجاربها مع المعالجة الأدبية حتى يستقر إليها وتستقر عنده مع آخر كلمة وفكرة في المقالة اللوحة ثم يعاود في الصباح يسابق القراء ليطالعها وكأنه غريب عنها فيسعد بها إن كانت تستطيع إسعاده أو تهزمه فيعود أدراجه حزيناً وفي النفس شيء من حتى. توثقت صلاتنا بالكثيرين عبر هذه الزاوية وكانوا لنا عوناً وزاداً في هذه الحياة المتقلبة وأسهمت الزاوية في حلحلة الكثير من القضايا وأنارت ثنايا أخرى وسلطت أضواءها الكاشفة على الكثير من العتمات لتسهم في مجمل حركة التنوير في بلادنا في هذا الظرف الدقيق الذي يمكن أن نبني عليه مجداً ونهضة شاملة وحقيقية؛ إن غيرنا ما بأنفسنا لتتغير أحوالنا وهذا مربط الفرس نزولاً على الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) صدق الله العظيم. كامل تقديري وشكري للأستاذ الهندي عز الدين رجل الصحافة الناجح وطاقم (الأهرام اليوم) الذين جعلوا لقاءنا بالقراء وبهذا الحشد الكبير ممكناً كل صباح وكل مساء مع أهلنا في الأطراف وخاتمة هذه الاحتفائية تقديري لك عزيزي القارئ.