أنا عضو اللجنة العليا للاحتفالات بإعلان ميلاد دولة الجنوب، كنت في مكان الاحتفال حتى المساء، ثم خرجت لأزوّد سيارتي بالوقود لأني تحسبت لحدوث شح في البنزين نسبة لتدفق أعداد هائلة من المواطنين على مدينة جوبا، في هذه الأثناء داهمني عدد من الرجال المدججين بالسلاح، قاومتهم لمدة ربع ساعة ثم اقتادوني لجهة ما بعد أن غطوا وجهي بقطعة قماش، ثم سألوني من أنت فقلت لهم موسى المك كور. هنا بدا عليهم الارتباك، فأخذ أحدهم هاتفه الجوال ويبدو أنه قد أبلغه أنهم في ورطة وأن الشخص المعتقل لم يكن هو المعني، هم كانوا يقصدون عبدالسلام كوكو، رصدوا تحركه بسيارته وبدأوا يطاردونه داخل المدينة. عبدالسلام كوكو من أولاد ملكال يعمل حالياً بمؤسسة آل مكتوم الخيرية ومقرها نيروبي، وقد جاء بطلب من نائب الرئيس رياك مشار، فمشار عند زيارته للإمارات طالب مؤسسة آل مكتوم بفتح مكتب بجوبا، فاستجابت وأرسلت كوكو إلى جوبا وكان وقتها بصدد عمل إجراءات فتح المكتب. أما لماذا يقصدون عبدالسلام كوكو، فما توفر لي من معلومات تقول بأنهم يتهمونه بالتعاون مع الأمن في الخرطوم، وقد أبلغ السيد كوكو نائب الرئيس مشار بأن رجاله يتعقبونه، ونائب الرئيس من جهته طلب من مسؤولي الأمن الكف عن ملاحقة كوكو وإن كانت لهم ملاحظات فليرفعوها لمكتبه. مكثت ثلاث ساعات في المعتقل، ويبدو أن هنالك شخصاً كان بجانبي في محطة الوقود هو الذي قام بإبلاغ الجهات المعنية بالخبر. تدخل السيد سلفاكير وأمر بإطلاق سراحي فوراً وأمر السيد مشار بالاعتذار لي شخصياً، وكان وقتها مشار ببانتيو وأجرى اتصالات بالحكومة والتقى بي فور نزوله من الطائرة واعتذر لي اعتذاراً شديداً، وأبلغني أن جهات عالمية قد اتصلت كالسيدة هيلاري كلنتون ووزير خارجية الإمارات والرئيس البشير اتصل بسلفاكير، مستفسراً عما جرى، ونائب الرئيس علي عثمان وكل حكومة الجنوب، أما السيد باقان أموم قد قال إنهم يحرجوننا باعتقالهم ل«ود المك»، خاصة في هذا اليوم الذي تتجه فيه الأنظار لميلاد دولتنا، لم أعد بعدها للفندق ونزلت مع أحد أقربائي بمنزله وعلمت أن رجال الأمن بعد ذلك تعقبوني بغرفتي بالفندق وقاموا بتحطيمها، الخيارات أمامي مفتوحة ونيروبي إحدى الخيارات. انتهى حديث الأخ الأستاذ موسى المك، القيادي بالمؤتمر الشعبي، الحركي الإسلامي المعروف، الذي حاولت أن أنقل حديثه بعناية، والآن الحديث لمؤسسة الملاذات.. الجناح الفكري والاستراتيجي. كان هذا هو الوضع عشية رفع علم جمهورية جنوب السودان وقبل إراقة نشيدها الوطني، فبينما تخطط الجمهورية للاحتفال باستقلالها، كانت أجهزة الأمن تخطط لملاحقة «المسلمين الجنوبيين»، خاصة أهل المهارات والفكر والهمم من أمثال موسى المك وعبدالسلام كوكو، وهي التي قامت منذ أيام بتصفية مسؤول منظمتهم الإسلامية ببحر الغزال، وبدا أن إخواننا المسلمين الجنوبيين سيذهبون إلى مصير مجهول فماذا نحن فاعلون لهم، هل نكتفي بالقول بأن هذا خيارهم ومصيرهم، ألا يمكن على سبيل الحلول أن نضيف ملفهم إلى ملف «المسائل العالقة»؟ وبدا أن هنالك تبايناً واضحاً بين السيد مشار والأخرين. مشار هو الذي أتى بالسيد كوكو والآخرون يلاحقونه، مشار هو الذي قال بشجاعة الرئيس البشير، وفي المقابل السيد أموم هو الذي قام بإعاقة «أجهزة الكهرباء ومكبرات الصوت» حتى لا يمتدح البشير في عقر مشهد استقلالهم.. وللحديث بقية.