يوم التاسع من يوليو وافق الإعلان الرسمي لانفصال جنوب السودان، بعد مرور اتفاق بين شمال وجنوب البلاد استمر قرابة ست سنوات ونصف السنة، اختار فيه الجنوبيون طوعاً الانفصال عن الشمال عبر استفتاء شعبي لمواطني الجنوب. انتهى الزمن المحدد للاتفاق، لكن ما زالت هناك بنود عالقة بين الطرفين لم يتم حسمها، ومشاكل تطورت إلى أعمال عسكرية بين شريكين أصبحا دولتين، فهل ستشهد المنطقة حالة جديدة من الصراع بين الخرطوموجوبا؟ أم ستنتصر لغة المصالح بتطبيع كامل بين العاصمتين يصب في صالح الإقليم؟. في إطار هذا الحدث التاريخي التقت (الأهرام اليوم) بوزيرة الدولة للإعلام القيادية بالمؤتمر الوطني؛ سناء حمد، وتحدثنا معها عن مجمل الأوضاع في المرحلة المقبلة بعد انفصال الجنوب، حيث أكدت الوزيرة أن التحدي الحقيقي للسودان يتمثل في إعادة ترتيب الدولة برؤية جديدة في الإدارة والمسؤولية، مشيرة إلى أن الكل يحتاج لحوار حول شكل الوطن الجديد الذي يريده الجميع، وعددت جملة من المطالب والاحتياجات لصالح استقرار البلاد، ولفتت إلى أن السودان يمكنه أن يكون عامل استقرار، وأن يكون حلاً بديلاً لمشاكل المنطقة، موضحة أن المؤتمر الوطني لديه رغبة حقيقية في الحوار، وأن السودان لديه مشكلة في النخبة السياسية، مؤكدة أن التغيير بواسطة البندقية سيكون قفزة في الظلام، ودعت الجميع إلى بداية جديدة بعد التاسع من يوليو لصالح استقرار وأمن الوطن. وقالت سناء في حوار خاص ل (الأهرام اليوم) إن الخرطوم قادرة على الالتزام والعمل لصالح الاستقرار، وإن الأمر يعتمد على جوبا وعلى قرارها. وفيما يلي نص الحوار. { هناك حالة من الاستياء حول الموافقة على نشر 4200 جندي أثيوبي في أبيي، فهل أنتم راضون عن هذا الاتفاق أم وافقتم عليه نتيجة لضغوط؟ - نتحدث عن أبيي فقط وليس السودان كله، فهناك قوات دولية في طابا هل هذا معناه أن مصر تحت الوصاية الدولية؟ { السودان يختلف عن مصر؟ - لماذا يختلف السودان عن مصر؟! { القوات الدولية منتشرة في كل السودان حتى في الخرطوم؟ - هذا الحديث غير سليم فقوات اليونميس تلملم في أشيائها للرحيل، وهذا اتفاق ثلاثي تم بين الحكومة السودانية والحكومة الجنوبية والحكومة الأثيوبية، وما تم الاتفاق عليه تم تحت مظلة مجلس الأمن، دون التدخل في صيغة القرار الأفريقي، وكان لدينا كتيبة من زامبيا بالمنطقة ولكنها كانت ضعيفة للغاية ومتفرجة، والاجتياح الذي تم من الحركة الشعبية، ومنع قبائل المسيرية من مراعيها المعروفة تاريخياً تم لضعف القوة الموجودة بالمنطقة والسلطة التي أعطيت لإدارية أبيي، وتم الآن تقليص هذه السلطة، وإعادة تشكيل مجلس آخر، فهذا الاتفاق مرض لنا للغاية لأنه نص على أن أبيي شمالية حتى يستفتى أهلها، وهذا انتصار كبير لنا عزز بوتوكول أبيي، والاتفاق أعطى الحكومة الضمانات التي تحدثت عنها بعدم سحب الجيش من المنطقة إلا بعد وجود ترتيبات جديدة تكون مقنعة، وأعتقد أن التزامنا ظل موجوداً، وسوف نحافظ على استقرار أبيي، وعلى حقوق المسيرية، وإعادة تشكيل الإدارية وفق الاتفاق الجديد كأفراد وصلاحيات. نقول إن أبيي ليست قضية نفط، فنفطها قليل ويكاد ينضب، أبيي هي قضية حياة أو موت للمسيرية وقبائل تختلف معها، وأتفق مع المسيرية في تقسيم المنطقة بالاستفتاء بأي شكل من أشكال القسمة، والوضع الموجود في أبيي الآن فرض على الحكومة فرضاً، والجيش سوف ينسحب لخارج حدود أبيي المدينة، ويبقى الأمر على الحركة الشعبية وعلاقتها بأثيوبيا واحترامها للقوات الأثيوبية، أما نحن فملتزمون، واستمرار مجموعة داخل الحركة في سياستها هو الذي سيضع الإتفاق على المحك. فنحن راضون عن الاتفاق بمجموعة صارت محنكة في المفاوضات منذ سنوات طويلة. { مع أن هناك من يطالب بتأشيرة خروج لمجموعة التفاوض التي تتحدثين عنها وضرورة الاستغناء عنها واستبدالها بخبرات أكبر خاصة بعدما هندست لاتفاق نيفاشا وأظهرت الأيام بأن به ثغرات كبيرة؟ - هم أشخاص كانوا معنيين بالجنوب، وما وصلنا إليه أجبنا فيه على سؤال بالرجوع إلى المواطن السوداني، ومارسنا اعترافاً بحقوق الإنسان في أعلى درجاته، واحترمنا رغبة الجنوبيين، واتفاقية السلام لم يكن اسمها اتفاقية الوحدة أم الانفصال، فكانت تبحث عن السلام، وكانت شكلاً من أشكال التراضي يحفظ للمجتمع حقوقه وهي ثمرة لمفاوضات، وكانت هناك مجموعة أخرى لها خبرات بجانب المجموعة المفاوضة من داخل وخارج السودان، وأقول لإن الاتفاقية جهد بشري وليست معصومة من الأخطاء، وهي اتفاقية نفذت بأفضل ما يكون وبكل خبرة في كل المجالات سودانية وخارجية، وبالتالي فإن القرار السياسي فيها كان مبنياً على قرار فني، وهي تعبر عن وعي واحترام للآخر، ورغبة صادقة في الاستمرار بقوة لحفظ الأجيال القادمة أن تعيش حياة سليمة مستقرة. { معنى ذلك أنك لست مع تغيير هذا المجموعة في مفاوضات أخرى تقرر مستقبل البلاد؟ - لماذا أغيرهم؟ أولاً ليس جميعهم في مفاوضات دارفور، ولا يمكننا أن نبدأ من الصفر، فنحن نحتاج لخبرات، فهذا ليس فريق كرة، فهي مجموعة تكونت لديها خبرات. { هناك حديث بأن وثيقة سلام الدوحة هي نهاية التفاوض في دارفور هل هذا الحديث صحيح؟ - وقعت أبوجا من قبل ولم تحل المشكلة، والمشروع الذي طرح في الوثيقة هو مشروع متكامل لاقى احتراماً من الجميع في الداخل والخارج، فكل شخص يريد صالح دارفور سيوافق طرح الوثيقة لأنه موضوعي، ولم تكن الدوحة مجرد ورقة، فهي مشروع متكامل بمصالحات ومشروعات، وأن هناك حالة استقرار عالية في الإقليم، فالوثيقة تمثل انطلاقة جديدة لأهل دارفور، وهي نهاية لباب التفاوض، وهي اتفاق دولي لصالح المواطن. { هناك حديث الآن عن قرب تشكيل حكومة جديدة دعينا نعمل معك كشف حساب لوزارة الإعلام في الفترة السابقة.. ما أهم التحديات وما أهم الإنجازات؟ - من الصعب أن أتحدث عن الإنجازات، فهذا حديث يقوله الآخرون، ولكني أقول إننا استطعنا أن نسحب الوزارة بأن تكون منسقاً للعمل بين الهيئات المختلفة في الدولة، وداخل أقسامها، أكثر من أن تكون معنية بالتنفيذ، وبدأنا ترتيب البيت الإعلامي، وبدأنا في جمع المعلومات الأساسية عن الدولة السودانية، خاصة بعد انفصال الجنوب، ونجحنا في أن نجمع ذلك في كتاب، وهذه لأول مرة، فكنا نعتمد في السابق على كتاب الإحصاء، ولكننا في كتاب الحقائق جمعنا كل المعلومات عن الدولة بالصور ليكون عنواناً لنا بالخارج، وهو يعبر عن حضارة السودان وعن تاريخه، وعن أسلوب الحياة فيه من حيث الأشخاص والمهن والفنون الثقافة والتطور العمراني في المدن، والحفاظ على التقاليد في الريف، ومن حيث الموارد الموجودة والجمال الطبيعي، فلأول مرة يصدر كتاب يعبر بالصورة عن الوزارة، وهناك حراك ملاحظ داخل الصحافة الآن، فيجب أن تتعاون كل الأطراف بها لعبور هذه المرحلة، وسياسة الدولة تتضمن تطوراً ملحوظاً للصحافة، فبها الآن مساحة كاملة من الحرية، وهناك تناول للموضوعات بحرية، وقوانين لصالح العمل الصحفي، واستثمار رأسمال حقيقي في الصحفي في إطار التدريب لصالح الصحيفة والدولة حتى لو عمل خارج السودان، فهناك مناخ لتهيئة العمل الصحفي بالمساعدة في إنشاء مؤسسات صحفية تليق بالصحفي ومهنته، وذلك بدعم ملاك الصحف بتخصيص قطع أرض تتحمل الدولة جزءاً منها، والمساعدة في قضية الورق، وعملنا اجتماعات مع الناشرين لنخفف المعاناة عن الإشكالات التي تواجههم، ومستعدون للمساهمة معهم في مقابل إعلان حكومي، فنحن نؤسس لهذا الأمر جيداً، والكرة الآن في ملعب الناشرين، فالدولة الآن قدمت ما عليها وننتظر الرد من قبل الصحافة في شكل إجراءات، ومستعدون أن نسير للأمام في هذه السياسة، ولم نتخذ هذه الإجراءات لأن هناك ضغطاً علينا، ولكن لأنه الوضع السليم، فنحن دولة فيدرالية والتعليم والإعلام يلعبان دوراً كبيراً فيها، والصحافة مؤثرة في ذلك، وكلما كانت الصحافة معافاة كان ذلك في صالح المواطن. كما عملنا مع إدارة المساحة على توزيع الخارطة الجديدة للسودان، وتسلمناها بالفعل ووزعناها على كل السفارات والمطارات والوزارات والمؤسسات وهي الخارطة السياسية والطبيعية للبلاد. { هذه الخريطة بها أبيي؟ - نعم بها أبيي وبها حلايب أيضاً. { وماذا عن التليفزيون؟ - نكون واضحين التليفزيون به أزمة لا تتعلق بمن يدير التليفزيون، ولكن نتيجة التطور على مدى الزمن، حيث كثر عدد العاملين بصورة كبيرة مما شكا عبئاً كبيراً على الميزانية، فهناك ترهل بالتليفزيون تعثرت معالجته، ويحتاج التليفزيون إلى وزنة تشترك فيها الدولة إما بالتعويضات أو بالمعاشات، أو توفير بدائل لهم، وأعتقد أن ميزانية التليفزيون كانت شحيحة لظروف كانت تمر بها الدولة، فلا بد من ضوابط للشكل الإداري داخل الهيئات، بأن تكون أقسام خفيفة بعدد محدود، ليس التليفزيون فقط، فهناك جهات في الدولة تحتاج لمعالجة بالتعاون بين الإدارة في المؤسسة المعنية والوزير المعني وبين الحكومة، وسوف تستمر مشكلة التليفزيون إلى حين وجود معالجة تحفظ حقوق الجميع، وهذا يحتاج إلى وقت. { سيادة الوزيرة انتهى حواري هل لديك شيء آخر تودين إضافته؟ - أشكرك على المقابلة وأقول دعونا نجعل من 9 يوليو بداية جديدة لصالح السودان، ودعونا نجعل من السودان دولة بإمكاناتها وتاريخها ومواردها قادرة على أن تعمل لصالح الإنسانية، وأن تسهم في مستقبل البشرية، ودعونا نؤسس لمرحلة فيها قبول للآخر ونبدأ بمرحلة جديدة يمثل الأمل فيها واقعاً للأفراد بأن تنتج لصالح الوطن.