لدولة قطر الشكر.. أجزله، ففي رحابها تم التوقيع على اتفاق سلام دارفور بين الحكومة وحركة التحرير والعدالة.. بينما رفضت الاتفاق بقية الحركات. مشكورة الدوحة، ولكن بعد الدوحة.. تواثقوا في الخرطوم (في ميدان أبو جنزير كمان.. وبحليفة اسم الله).. وليكن عليكم شهيداً.. ونقول في الخرطوم (وبالحليفة).. لأن التواثق لكي يبلغ مراميه ومنتهاه يجب أن يقوم على (مراجعة تاريخية.. مصيرية (مكانها الخرطوم.. وميدان أبو جنزير).. كيف وأين أخطأت القوى السياسية وكيف تصلح من خطئها؟.. هي مراجعة تاريخية تصل الماضي بالحاضر.. نجحت الأحزاب الطائفية في تحقيق التجانس المجتمعي، ولكن فشلت تجاربها الديمقراطية في معالجة مشكلة ساكني أطراف البلاد بما فيهم أنصارها.. فحتى انتخابات العام 1986 أكدت الطائفية أنها موجودة ما تزال كماعون يسع شعوب شمال السودان المتنوعة.. كما أكدت انتخابات 86، حقيقة سيطرة الأحزاب الطائفية على مناطق نفوذها.. لم يفكك النميري من قبضتها عليها، إلا قليلاً.. و(أفاد النميري الإسلاميين من جانبين: المصالحة مع نظامه.. والتي هيأت لهم القاعدة العسكرية للوثوب على ظهورنا – من ظهر دبابة – والجانب الآخر هو فتح ثغرة في جدار معاقل الطائفية السميك، نفذت منها الجبهة الإسلامية).. وفي الحالتين انعكس الوضع على قضايا الأطراف ومنها دارفور.. فالجبهة الإسلامية وهي في السلطة، انتهت بخروج خليل إبراهيم (تلميذ الترابي ومشايعه.. وجناح المؤتمر الشعبي العسكري في حرب الترابي على المؤتمر الوطني).. فازداد لهيب دارفور أواراً.. وعن التغلغل في مناطق نفوذ الطائفية، منعت الجبهة الإسلامية وهي في السلطة الأحزاب الطائفية عن أتباعها ولكنها فشلت في الحلول محلها.. فرجع الأتباع لحصونهم العرقية والقبلية.. وكانت حروب دارفور والشرق. البروفيسور حسن علي الساعوري، يرصد في كتابه (ديمقراطية السودان إلى أين؟).. نتائج انتخابات العام 1986 ورسوخ الأحزاب الطائفية في مناطق نفوذها.. حيث حصل حزب الأمة على (33) دائرة من دوائر إقليم دارفور.. و(21) دائرة من دوائر إقليم كردفان (أي الأغلبية في الإقليمين).. وكانت دوائر النيل الأبيض (بالطبع) مقفولة لحزب الأمة.. وهذا يعني استمرار نفوذه على دوائره التقليدية. أما الحزب الاتحادي الديمقراطي فقد حصل على (10) دوائر في كسلا والبحر الأحمر و(11) دائرة في الشمالية (أي الأغلبية في الإقليمين).. وهذه هي أيضاً مناطق نفوذ الحزب الاتحادي التقليدية. إذن حافظ الحزبان الكبيران على نفوذهما، لحد كبير، في مناطقهما التقليدية.. ويؤخذ على الحزبين فشلهما في تنمية هذه المناطق وبدأ سكانها في التململ منذ أوان الديمقراطية الثالثة، لتجئ الجبهة الإسلامية للحكم بانقلاب عسكري فتزداد الهوة اتساعاً.. جراء سياساتها، إذن فما يجري في الشرق ودارفور هو مسؤولية الجميع.. أفادت الجبهة الإسلامية من شعار الإسلام لتنفُذ إلى مناطق نفوذ الطائفية.. وفشلت وهي في السلطة أن تحل محل الطائفية وأن تصبح ماعوناً جامعاً اسمه (الوحدة الوطنية).. بل رجعت في داخل تنظيمها ذاته إلى عصبية القبيلة بشهادة د. التجاني عبدالقادر وهو يتناول نزاع الإسلاميين في السودان.. بالتحليل، فشلت الجبهة الإسلامية وهي في السلطة في أمر بدأته في الديمقراطية الثالثة وهو منافسة الطائفية في معاقلها وأن تكون الماعون الجامع.. البديل. يقول بروفيسور الساعوري عن منافسة الجبهة الإسلامية للأحزاب الطائفية في معاقلها في انتخابات العام 1986.. وإن فازت الجبهة بدوائر قليلة (يكاد المرء يجزم أنه لأول مرة يدخل عامل المنافسة في المناطق المقفولة للأحزاب الطائفية.. وذلك واضح بصفة خاصة في نجاح الجبهة الإسلامية القومية.. إذ حاولت أن تبني لها كوادر سياسية وقواعد شعبية في كل أصقاع السودان.. في مناطق نفوذ الأنصار ومناطق نفوذ الختمية). وهذا هو واقع الحال المنعكس في مرآة الحاضر.. فبعد وصولها للسلطة بالانقلاب العسكري استغلت الجبهة السلطة في عزل الطائفية عن أنصارها واستمالت بعضهم بالإغراءات.. ومن جانبها فشلت الأحزاب الطائفية وهي في الحكم في الوفاء بتنمية مناطق نفوذها وكل السودان.. فكان انفجار دارفور والشرق حتمياً.. وأصيب الوعاء الجامع (الطائفية) التي حققت التجانس المجتمعي يوماً.. أصيب بالشروخ، وفشل الوعاء الإسلامي (المدعو حداثي).. في احتواء التجانس المجتمعي وعزز الحزب الإسلامي الحاكم من سيطرة الروح القبلية.. ومهدت صراعات الإسلاميين لانفجار الأوضاع في دارفور وتدويل مشكلة دارفور، وكل ما يواجه الوحدة الوطنية اليوم من مخاطر التفتيت جرَّها على السودان أهل الإنقاذ.. بإعلان مشروعهم الإسلامي الأممي، وعقوبات الرئيس الأمريكي الأسبق كلينتون.. (المتجددة إلى اليوم) على السودان، ثم جاء بعده بوش الابن والمحافظون الجدد واندلاع جحيم دارفور ومحاولات جماعات الضغط الموالية لإسرائيل.. الضغط على بوش الابن للتدخل عسكرياً في السودان (وهم وإسرائيل وراء مخطط تقسيم السودان).. بينما كانت سياسة بوش الابن هي (الهبوط السلس).. بمعنى إزاحة نظام الإنقاذ عن طريق صناديق الاقتراع (الممتلئة بأوراق أصوات الجنوبيين والدارفوريين والنوبة).. وهو تحالف بينهم عملت من أجل توثيق روابطه أمريكا.. ونعثر على المخطط (موثقاً) في مقال للمبعوث الأمريكي السابق للسودان، أندرو ناتيسيوس.. أي تقسيمنا على غرار فرق كرة القدم (عرب.. أفارقة) وما عرب السودان (بأقحاح.. هم خليط).. وكانت إزاحة نظام الإنقاذ تعني للمدعوين عرباً مواجهة مصير (البوسنيين).. كل ذلك نجده موثقاً في مقال ناتيسيوس.. والآن انفصل الجنوب لتعود نغمة (الفرز الإثني) إلى الظهور في إعلام أمريكا والغرب.. والمخطط هو حصار نظام الإنقاذ بحركات دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والجنائية الدولية. فإستراتيجية أمريكا منذ بوش الابن وكلينتون إلى أوباما هي حصار حزب المؤتمر الوطني وتحجيمه، وهذا ليس همنا، فما يهمنا هو زرع الفتنة في الشمال (فريق عرب.. أفارقة).. وما يهمنا هو مصيرنا نحن، لا مصير نظام الإنقاذ، وهذا هو الشمال الذي تريده أمريكا (الداعية لإنفاذ اتفاق أديس الخاص بجبال النوبة والنيل الأزرق، عبر مجلس الأمن).. واتفاق أديس هو جزء من مخطط (الإحاطة بنا).. إحاطة بأسباب مفتعلة.. فالشمال جميعه (خليط الدم والعرق) كان من الواجب أن تجمع بين أهله رابطة المواطنة.. وفشلت في ترسيخها الأحزاب (الحزب الحاكم والآخرون).. ولا حل إلا بالتصالح وتقديم التنازلات.. تنازلات تضعنا في مواجهة تمحيص اتفاق الدوحة (ما له وما عليه).. وكيف نفيد منه. عن تقسيم السلطة ينصّ الاتفاق على أنه (ينبغي أن يَحترم تقاسم السلطة في السودان مبدأ التناسب السكاني وتُشارك دارفور مشاركة كاملة في كافة مستويات السلطة السياسية في السودان.. يرتفع تمثيل أهل دارفور في السلطة على المستوى القومي بما يعكس التناسب السكاني بعد انفصال الجنوب.. الأحداث 16/7). ولكن المشكلة ليس هي فقط دارفور ولكن (الحزام الناري) الممتد إلى النيل الأزرق وجنوب كردفان.. وبدأ الشرق في التململ.. والخلاص لن يكون إلا بترتيبات سياسية ودستورية وأمنية يشارك فيها المجتمع المدني والأحزاب (الحزب الحاكم والأحزاب المعارضة).. وتشارك فيها القوات المسلحة.. وتشارك فيها الحركات الحاملة للسلاح في الأطراف (المجتمع المدني المتفهم لقضايا الأطراف والترتيبات الأمنية.. هما ضمان حقوق الأطراف). في اتفاق الدوحة بند مظهره مراعاة ضرورة تمثيل الأقاليم في سلطة المركز وينص على (أن تراعى عمليات التعيين السياسي في الرئاسة ومجلس الوزراء مبدأ التمثيل الجغرافي والتنوع الاجتماعي المنصف وتشمل هذه التعيينات مناصب نواب الرئيس ومساعديه ومستشاريه والوزراء دون المساس بالوضع الخاص بالنائب الأول لرئيس الجمهورية.. يتم تعديل الدستور بحيث يتمكن الرئيس من تعيين عدد من نواب الرئيس على نحو يحقق التمثيل السياسي لكل السودانيين بمن في ذلك أهل دارفور). تمثيل أقاليم السودان بنائب رئيس لكل إقليم خطوة متقدمة في طريق إنصاف الأطراف في سلطة المركز.. ولكن اشتراط أن يكون نائب الرئيس من منسوبي حزب المؤتمر الوطني الحاكم، يجعل هذا البند بلا محتوى وبلا معنى، جاء في صحيفة الأحداث 17/7 (أوصد مستشار رئيس الجمهورية مسؤول ملف دارفور غازي صلاح الدين، الباب أمام منح الحركات الدارفورية منصب نائب رئيس الجمهورية وقطع أن المنصب حال إقراره سينتمي شاغله إلى المؤتمر الوطني.. وفق حديث د. غازي لقناة النيل الأزرق. (ويا فرحة ما تمت).. فالوضع الخاص بالنائب الأول لرئيس الجمهورية هو (أن لا مساس).. بحسب اتفاق الدوحة (والنائب الأول بعد ذهاب الجنوب هو من الحزب الحاكم).. ونواب الرئيس من الأقاليم.. أيضاً من الوطني.. (زيتنا في بيتنا).. فما معنى قسمة السلطة؟! يبدو أن اتفاق الدوحة في حاجة (لإعادة تفاوض).. وليدرك أهل المؤتمر الوطني (وهم يعلمون).. أن مخطط تحجيمهم، على الأقل، ما يزال قائماً.. إحاطة بهم بدارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق والجنائية.. وفي أعقابهم (نحن العرب المزعومون.. ونحن خليط من العرب والأفارقة.. وهذا يدل على فشل النخب إلى نخبة الإنقاذ الحاكمة.. في تحقيق دولة المواطنة.. عبر تاريخ السودان). وعن القوات المسلحة، جاء عن تمثيل دارفور فيها وفق بنود اتفاق الدوحة (يجب أن تستوفي القوات المسلحة السودانية صفات النظامية والمهنية واللاحزبية).. وهذا هو ما يجب أن تكون عليه القوات المسلحة.. ولكن السودان بلد تعددت أعراقه فانعكس ذلك حتى على تشكيلة القوات النظامية في نص اتفاق الدوحة ولنقلها صريحة: يجب أن تكون محاصصة في السلطة حقيقية (ديمقراطية توافقية لو توافق القوم وتعطف الحزب الحاكم.. ووعى بخطر الإحاطة به).. محاصصة في السلطة تضمنها القوة داعي تمثيل أهل دارفور في القوات المسلحة في اتفاق الدوحة.. ونصَّ الاتفاق على (تمثيل أبناء دارفور تمثيلاً عادلاً على كافة مستويات القوات المسلحة السودانية وتتخذ حكومة السودان التدابير الملائمة بحسب المعايير المتفق عليها لتصحيح الاختلالات التي قد تعتري تمثيل أبناء دارفور على المستويات العليا للقوات المسلحة السودانية وفي القبول داخل الأكاديميات العسكرية). أزمة السودان شاملة وعلاجها لن يكون إلا بالتواضع على التجمع القومي الشامل.. سالف الذكر، ولا يغرنكم ترحيب أمريكا وفرنسا باتفاق الدوحة.. فأمريكا تحركها جماعات الضغط المعادية للسودان والمتوافقة مع إسرائيل بسياسة الأخيرة المعلنة والهادفة إلى تقسيم السودان إلى دويلات.. وساركوزي الفرنسي عاشق لإسرائيل.. وما سيتوافق عليه الغربيون سيكون خصماً على جميع الشمال. ولو تواضع القوم في (ميدان أبو جنزير).. يكون يوم الفرح الأعظم والحقيقي.. و(يوم المهرجان.. احتار أنا!).