ليس عاقلاً من يطالب بإلغاء الموبايل وتحريم دخوله السودان، ولكن أمره يحتاج -على أيامنا الراهنة- إلى وقفة مسؤولة، في مواجهة ما بدا يظهره هذا الجهاز الخطير من إفرازات يبلغ بعضها حد تهديد قيم المجتمع السوداني وأمنه وسلامته، خاصة أن انتشاره أصبح كانتشار النار في الهشيم وعلى كل من هبّ ودبّ. قد يصعب التوصُّل إلى حلول ناجعة أو حاسمة في هذا الشأن، ولكن لا بد من القيام بدور فاعل حمايةً للمجتمع وقيمه. ولعل تصريحات مولانا وزير العدل الأخيرة قد تُثير الانتباه لقضية الموبايل، حيث قال إن قانون القيمة المضافة سوف يتضمن زيادة تصل إلى (30 %) للمكالمة التلفونية وذلك في الميزانية الجديدة ولكن بلا شك أن هذه الزيادة ال (30 %) قد لاتؤدي إلى الحد من مخاطر الاستخدام اللامعقول للجهاز، ومن هنا لا بد من مشاركة أهل التخصص العلمي والقانوني والأمني في هذا الأمر البالغ الأهمية. وبلا شك أن تصاعد الجريمة في السنوات الأخيرة - كما يطالع الناس أخبارها علي صفحات الصحف - قد أصبح ركنها الأول بلا منازع هو هذا الموبايل. وما أكثر الجرائم التي فاقت كل الحدود. جرائم الحركات المسلحة التي ترتبط شباكاتها بالداخل والخارج، جرائم السرقة والقتل والنهب، جرائم الأموال وغسلها، جرائم التهريب إلى الداخل من مختلف السلع ومنها كميات هائلة من المخدرات والخمور، جرائم تهريب السلع من الداخل إلى الخارج ومنها الصمغ العربي والزيوت والبنقو الذي يُزرع في عدد من مناطق السودان البعيدة، جرائم الاحتيال والابتزاز والتشهير وإشانة السمعة والتهديد، وهناك الأغاني المبتذلة المصورة التي تغتال في الشباب فتوته وقوته وروح البناء الخلاقة، وبذلك يمسي ويصبح على عالم الخواء والفردية والأنانية وعشق الذات، هكذا بلا رسالة تجاه الوطن. والسؤال الذي يتبادر عادة إلى الذهن، ما هي الجهة أو الجهات التي تستورد كل هذه الأعداد المذهلة من أجهزة الموبايل، وتغمر بها كل ركن من أركان الشوارع والأسواق؟! والمؤسف حقاً أن كل هذا الذي تفعله الممارسات الإجرامية عبر الموبايل إنما يحدث على حساب سمعة السودان في الخارج وتمريغها في الرغام، فيما هو يسعى إلى نقاء سمعته كعنصر جاذب للعالم بشأن التعامل معه في مختلف المجالات وفي مقدمتها الاقتصادية والاستثمارية. وطبيعي أن الدولة الحسنة السيرة والسمعة خير من غيرها. { باختصار دعوة السودان للمانحين والمستثمرين للإسهام في إعادة إعمار دارفور هي دعوة صحيحة. فدارفور - بلا شك - من أكثر مناطق السودان غنى بمواردها الطبيعية. أراضيها الخصبة، مياها الجوفية حيث يوجد بها أطول نهرين جوفيين بشمالها وجنوبها، وكذلك معادنها النفيسة.. الخ. على أن العقبة الحقيقية التي تصد المانحين والمستثمرين عن المجئ إلى دارفور هي المواقف الحزبية المتصلبة التي لا ناقة فيها ولا جمل لأهل دارفور المطحونين وهي مواقف قد تطيح بكل ما بُذل من جهد في سبيل سلام دارفور . ما الذي دهانا؟ ما أن (تلبِّن) هنا أو هناك حتى يطل من (يدوها الطير) ليمتصها مصاً. ولتتواصل الصراعات من جديد، ويدفع الشعب الثمن فادحاً ومؤلماً ومأساوياً. لا جديد في علاقة الجنوب مع دول الاستعمار والاستكبار.. فهي علاقة أبدية وأزلية.. فهل أمامنا من واجب مقدّس غير بناء دولتنا السودانية، وحمايتها من مؤامرات الاستعمار الطامع في مخزون بترولها، وفي يورانيومها ومعادنها النفيسة؟