سافر تجد عوضاً عمن تفارقهم وانصب فإن لذيذ العيش في النصب فالأسد لولا فراق الغاب ما افترست والسهم لولا فراق القوس لم يصب والتبر كالترب مرمي في أماكنه والعود في غابه نوعاً من الخطب والماء.. ركود الماء يفسده أن جرى طاب وأن لم يجر لم يطب لقد اكتشف (حزب المؤتمر الشعبي مؤخراً) بأن لذيذ العيش في النصب، سافر تجد عوضاً عمن تفارقهم وأن في السفر خمسة فوائد، فدار الحزب التي يكاد لا ينتبه لها أحد في الخرطوم إلا في بعض المؤتمرات الصحفية على شحها، فإن وفداً مصغراً قد خرج من هذه الدار إلى جمهورية مصر العربية على حين ثورة فأحدث دوياً هائلاً ومادة رئيسية في الميديا المصرية، فلا غرو فرئيس الوفد الدكتور حسن الترابي، صاحب أشهر ثورات عربية من أكتوبر إلى ثورة يونيو وصاحب فتاوى جرئية و...و... ولو وجدنا عذراً لكل الميديا المصرية والعربية التي نقلت بغزارة مشاهد زيارة دكتور الترابي وتراجيديا دخوله إلى ميدان التحرير، فهل نجد عذراً في المقابل لهذا الطوفان الترابي الذي اجتاح الميديا المحلية، فالقصة تشبه (العاصفة الترابية) التي اقتلعت كل أشجار صحافتنا المحلية، فما من صحيفة إلا بها خمسة إلى ستة عناوين جانبية، وذلك غير الخطوط الرئسية التي تتحدث عن تداعيات هذه الزيارة، فالسؤال الذي يفرض نفسه بقوة هنا، هل كنا محتاجين لكل ذلك الوقت لنكتشف بأن شيخ حسن وحزبه يصلح لمنيشتات صحافتنا المحلية، والرجل وحزبه وداره وفتاويه الجريئة بين ظهرانينا كل تلك المدة، أم صحيح أن صحافتنا الداخلية في معظم الأحوال لا تحتفي بأشيائها ومقتنياتها المحلية إلا بعد أن يعتمدها الآخرون، لكن قديماً قيل إن (زامر الحي لا يطرب)، لكنا طربنا حد الثمالة عندما نقلنا تلك المحافل من خارج أسوار الوطن، وربما يكتشف الآخرون كلهمو (بأن لا تمساحين في بحر واحد)، بمعنى أن في بحرنا المحلي (تمساح المؤتمر الوطني) العشاري الذي يحتكر صناعة الأحداث والميديا، وربما المؤتمر الوطني نفسه يعمل بمبدأ (البلد الما فيها تمساح يقدل فيها الورل)، بمعنى أنه ينظر للآخرين كلهم بأنهم مجرد (ورره) أو أورار، وأنه هو الوحيد التمساح وهذا ادعاء أفسدته زيارة الترابي إلى مصر، فالترابي كان تمساحاً هائلاً في ميادين الثورة المصرية و.... و.... وربما هذه الزيارة تغري الآخرين من قيادات الأحزاب الأخرى التي تكاد لا تجد هنا موطئ قدم لصناعة أي حدث صغر أو كبر فكل أدوات المواد الخام لصناعة الأحداث هي بيد الحزب الحاكم؛ ربما أغرتهم إلى الخروج إلى تلك المساحات لإنتاج بعض الدراما السودانية من الخارج وتوريدها للميديا المحلية.. الله أعلم.