قال الأمين العام للمؤتمر الشعبي د. حسن الترابي بعد لقائه رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد عثمان الميرغني (بڤيلا طيبة) بمصر الجديدة إن الميرغني لا يرغب في المشاركة في الحكومة. (انتهى الخبر). اللقاء الذي تم في القاهرة بين الترابي والميرغني هو الثاني من نوعه سياسياً، إذ أن اللقاء الأول تم في فترة الديمقراطية الثالثة (هذا سياسياً) أما اجتماعياً فلربما التقيا كثيراً. هذا لا يهمنا فالذي يهمنا هو اللقاء الذي تم وإن كنت أشك في ما رشح من معلومات ومخرجات وتصريحات هنا خرجت عن هذا اللقاء على لسان أحدهما، خاصة في ما يخص مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في الحكومة من عدمها أياً كان شكل الحكومة القادمة. فهذا اللقاء كما قلت يعد اللقاء الثاني سياسياً بين الرجلين، إذ أن اللقاء الأول تم في فترة الديمقراطية الثالثة وبالتحديد في منتصفها حيث سعت الجبهة الإسلامية القومية وقتها للائتلاف مع الحزب الاتحادي الديمقراطي في وجه الصادق المهدي وحزبه، وبالفعل تم ذاك اللقاء وقد كان مسانداً لهذه الفكرة إسلاميون معتدلون في الحزبين الجبهة الإسلامية والاتحادي الديمقراطي وقتذاك، ولكن المسألة لم تخرج عن كونها مناورة بين الحزبين، فلا الترابي كان مقتنعاً بذاك الطرح ولا الميرغني كان مقتنعاً، فالحزب الاتحادي الديمقراطي كان وقتها حريصاً على الاستمرار في الحكم مع حزب الأمة رغم استفزازات الشريك الأكبر له، فضحى الاتحادي بكل شيء في سبيل الاستمرار في الحكم، وما حادثة إقالة وزير التجارة الأسبق أبو حريرة الشهيرة إلا شاهد على ذلك، هذا الوزير الذي لم يأت وزير على شاكلته حتى الآن، ومع ذلك ما استطاعت هذه الحادثة أن تفعل شيئاً في ذاك الزواج الكاثوليكي فالترابي بذكائه المعهود كان يغازل الميرغني، والميرغني كان يغازل الصادق المهدي وجميعهم أي الثلاثة (الترابي والميرغني والصادق) يتربصون ببعضهم البعض، فضلاً عن أن الميرغني لن ينسى للترابي أنه المتسبب في ضياع ذاك الحكم (الحلم)، فهل عاد ذلك السيناريو اليوم، وإلى متى تدور السياسة السودانية في فلك هؤلاء؟ فالثلاثة الكبار لم يكتفوا عند هذا الحد من مسلسل الخلافات واللعب بالسياسة، فأخرجوا لنا صغاراً يتصارعون اليوم ويتنازعون في كل حزب، يدور كل هذا والقواعد الشعبية تائهة وأكاد أجزم أنها انفضت من حولهم تماماً وهم لا يعلمون بذلك. في نهاية الثمانينيات سعى الميرغني وحزبه بكل ما أوتي من قوة لإخراج الجبهة الإسلامية القومية من حكومة الوفاق الوطني وكان ما كان، وصارع قبل ذلك لعدم إشراكها مقدماً التنازلات تلو التنازلات للصادق المهدي وحزبه. وفي نهاية الثمانينيات أيضاً وقف الترابي هو وجبهته الإسلامية سداً منيعاً أمام عدم قبول اتفاقية الميرغني قرنق الشهيرة التي كانت بكل المقاييس أفضل بكثير من اتفاقية نيفاشا، ووجدت زخماً كبيراً وقتذاك إلى أن أوصد الباب في وجهها، فإذا كان هذا هو قليل من كثير في العلاقة بين الرجلين (الميرغني والترابي) فكيف يلتقيان إذن وهل يضحك أحدهما على الآخر أم أن حكمة الثمانينيات قد بدأت تتجلى لتخرج لنا اتفاقاً تاريخياً نهائياً، وعلى قول المثل (ما الذي جمع الشامي على المغربي؟).