بدأت أمس الأول الأربعاء الموافق 3 أغسطس محاكمة الرئيس المصري محمد حسني مبارك الذي أُجبر على التخلي عن الحكم في 11 فبراير الماضي بعد ثورة شعبية عارمة انحازت لها القوات المسلحة بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي وزير الدفاع الذي أصبح رئيساً للمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي يدير شؤون مصر منذ ذلك التاريخ. ومن الواضح أن ما يحس به المصريون نحو رئيسهم السابق ونجليه علاء وجمال من مشاعر سالبة، يجل عن عن الوصف، وإلّا لأبدوا إزاءه بعض المشاعر الموجبة بعد رؤيتهم له في القفص مستلقياً على سرير منهكاً لا حول له ولا قوة، متخماً باليأس والضعف والخور. وثمَّ مشهد آخر كان يمكن أن يثير بعض التعاطف نحو الرئيس السابق، وهو منظر ابنيه واقفين أمام سريره داخل القفص، وكانا يحرصان على حجب الكاميرا عن والدهما، لولا أن الذي تراكم عبر السنين ما بين الشعب المصري والرئيس مبارك من كراهية ومرارات وقتلى وبطالة.. وإلخ، كان أكبر من أن ينجاب بالمنظر المؤلم المأساوي الذي شوهد به الرئيس ونجلاه وهم في قفص الاتهام بالمحكمة التي انعقدت في مبنى أكاديمية الشرطة. وسوف يتعاطف بعض العرب مع الرئيس مبارك، لكن المحاكمة شأن يخص الشعب المصري وحده، ومن المهم أن يحترموا اختياراته وقراراته ورغبته الجامحة في المحاكمة وفي علنيتها. وهناك نقطة تبدو جانبية وثانوية مقارنة مع الحدث الضخم التاريخي بكل المقاييس، الذي هو محاكمة محمد حسني مبارك الذي حكم مصر حوالي ثلاثين عاماً، وهي هبوط الأداء اللغوي داخل المحكمة، فقد كان قضاة مصر ومحاموها في الماضي أساتذة متمكنين من اللغة العربية، وكان من النادر ان يخطئ قاض أو محام في قواعد اللغة العربية وفي أساسياتها تحديداً مثل الفاعل والمفعول به وغيرهما. لكننا رأينا العجب أمس الأول في قاعة المحكمة، فالجميع يخطئون، ولقد يقال إن هذا التردي الذي أصاب قواعد اللغة الجميلة الشاعرة من التردي العام الذي شمل كافة جوانب الحياة المصرية في عهد الرئيس مبارك الذي امتد من عام 1981م إلى عام 2011م. والحقيقة إن ضعف اللغة العربية لا يقتصر على مصر وحدها لكنه يشمل سائر أنحاء العالم العربي، ولا على المحامين والقضاة وحدهم، فاللغة ضعيفة لدى كل فئات الشعب. لكنّه - أي ضعف اللغة العربيّة - لفت نظرنا أكثر، لأنه حدث في مصر.. بلد الأزهر ودار العلوم والأدباء والشعراء والكتاب الصحفيين والمحامين والقضاة الذين كانت فصاحتهم وبلاغتهم ملء السمع والبصر.. ويبقى الجميع بانتظار الجلسة الثانية لهذه المحاكمة المقرر لها يوم 15 أغسطس الجاري، التي شدت أنظار العالم ومؤكد أنها حققت نسبة مشاهدة عالية.