رافقته في العصر الذهبي للفنون، وعلاقة أسرية طيبة امتدت لسنوات مع جميع من كانت لهم الصدارة في دراسة أدب المسرح في بداية معهد الموسيقى والمسرح في السودان. كان هاشم من الشخصيات البارزة والمثيرة للجدل، زاره الإلهام فاستقر به المقام فمثل حالة ملازمة له أفرزت روائع شكلت ضوءاً ساطعاً على لونه الخاص؛ مجال التأليف بألوانه المتعددة، وأداء تمثيلي متمكن، فتبنى قضية مهمة لها فلسفتها وحدودها خلفها الواقع السياسي، فهو صاحب قضية اجتماعية وقد مارس اختياراً ذاتياً وكرس أدبه لخدمة هذه القضية التي يصور فيها الواقع الذي يشكل تطاحناً واستلاباً ونفاقاً وظلماً. صاغ ذلك بوساطة مواضيع حياتية اختزنها فعبر عنها لنتذوقها بنكهة اللغة البسيطة التي تعبر عن الحزن والزيف، باكياً شامخاً مهزوماً منتصراً منقاداً، لما يكونه الآخرون في ذهنه من مخطوطاتهم التي تعاني وتنشد الخلاص الذي يدفع به التعبير عن ذواتهم وقضاياهم، وهذا ما يؤرقه كثيراً، فأدباء القضية هم مسامرون مزمنون للأرق. اتسمت كتابات هاشم صديق بطابع التوعية الاجتماعية، وهي إبراز ما يمكن أن تقوم عليه الدعوة السياسية من أساس اجتماعي، فحينما يدعو إلى سياسة لا يدعو إليها مباشرة، بل يصل من خلال التوعية الاجتماعية إلى المفهوم السياسي للدعوة السياسية وهذا يظهر في كتاباته. وهاشم يكتب القصيدة مستعيناً بفهمه للأصول الدرامية وشؤون المسرح والوعي بالدافع الاجتماعي الذي عايشه وربما اكتسبه من دراسته للإستراتيجية وبملاحظة قوية للناس وتأمل ما يدور في عقولهم. تشوقت كما الكثيرين مثلي لاقتناء عدد الأحد الماضي من جريدة «الأهرام ايوم» فساقتني قدماي إلى عدد من بائعي الصحف إلى أن تحصلت عليها يدفعني الشوق للتمتع بقراءة قصيدة جديدة لهاشم والوصول إلى دلالة الحربوية عنده وهي ما كانت ابنتي الطبيبة البيطرية تصر على مسرحتها ضمن مقالاتي، والتبحر في مخلوقاته. مشاتر ود حربوية القصيدة الدرامية أو الحكاية الشعرية. وتسمية مشاتر لها دلالاتها عند هاشم كما للحربوية التي تتلون حسب الوضع - مشاتر ود آسيا دو - يا مشاتر جيب يجيب - يا مشاتر أرقد يرقد - يا مشاتر احرق يحرق - يا مشاتر قوم يقوم - يا مشاتر نوم ينوم - يا مشاتر كضب يكضب - يا مشاتر نطط ينطط - يا مشاتر قنب يقنب - يا زول ما تخجل هو مشاتر ككو؟؟ شخصية تحمل نمواً وتطوراً في قصيدة يناقش فيها قضية مهمة يعرض فيها نماذج إنسانية أبدع في تعريتها والتعبير عنها بالإفصاح عن مكنوناتها والكشف عن قضاياها ليعبر عن اندماجه في الحياة البيئية والاجتماعية فيبني فيها أدوارها. تبدأ القصيدة بالإعداد للسماية والتوازن بين ما منحه الله من اثنتين من الإناث، أولاً، يليهما اثنان من الذكور (جاب تومين فوق بنتين) وهذا الالتزام الأسري هو تثبيت مكاني لمدلول ومنظور فكري يريد به هاشم أن يتحسس الشكل الطبقي لهذا المجتمع، فالأسرة هي البذرة الأولى في التكوين الاجتماعي رمزا للطبقة، والطبقية لها امتدادها السياسي لأنها تحوي طبقات المجتمع النشطة المتطورة والمتقهقرة والمشاكل الاجتماعية والسياسية وهي القضايا التي تهمه. نجد أيضاً بروز الطبقة الوسطى وهي الطبقة الأكثر تحركاً ونشاطاً وانتشاراً في المجتمع وهي طبقة ذات علاقات جذرية بمشاكل المجتمع نفسه حاملة مضامين مهمة من الحياة العامة- سمينا يوم جمعة اتجمعنا - جبنا سيرة الناس قطعنا ما في زولاً جبنا طوقو إلا حاكينا وضحكنا، «دراما الحياة» أي نسيج وتركيبة درامية واعية جعلت الأشخاص أسرى قضيتهم - ورجف الناس من مشاتر كل زولاً قالو محنة. قصيدة معارضة لا تصف العيوب بكل تكشفها وتعريها وتوضحها من الأعماق بحثاً عن الجذور والأسباب فلا نجد الأعماق ما لم نجد السطح أولاً ونلامسه بشكل جيد ومن ثم يسهل لنا الغوص والنفاذ - إنت يا نايب فقرنا - إنت نايب واللانايم - نحن والله الغلطنا - انتخبنا الحاج مشاتر قلنا ياهو الحاج مشاتر ود وجعنا إلا زولنا عديل ضبحنا. وقد تركزت القصيدة في محاولة تبين الخطوط الثورية الحقيقية التي تدفع الجماعات إلى التفكير في مستقبلها في مواجهة - يرفض مبارك وسليمان ود محمد ورجفة الناس قام مبارك ومد اصبعو بالغبينة الحارة في خلقة مشاتر وصوتو فرقع - إنت يا حربوية نحنا تملي بالمتلك كتلنا - نحنا من غضبك فترنا - ديمة في الجمعية نايم ونحن من نومك غلبنا. تماسك وتعمق في العلاقات الاجتماعية بتسلسل إلى نسيجها الحي ويستفز فيها الصراع وصوره بين قوى وقيم اجتماعية مختلفة يجد هذا الصراع وهذه الثورة نماذج وشخصيات صادقة ليجثم فيها، بأحداث ومواقف جيدة ويصوغه كله في وحدة عمل فنية على درجة عالية من الجودة - إحنا والله الغلطنا انتخبنا الحاج مشاتر ود وجعنا إلا في الآخر فجعنا فانسلخنا وانقسمنا، هكذا يطرح هاشم في قصيدته مضامين لصيقة بأذهاننا الضائقة الرفض الذي يعتبر قضية لها التزامها فهو يسعى إلى عالم منتظر عالم نظيف فهو لا يتطرق إلى مشكلات الحاضر دون أن يعرض إشكالاته ويتطرق لمضامينه ويرسم صورا متخيلة للعالم البديل - انحنا من حزبنا مرقنا وانسلخنا وانقسمنا ملعون أبو الحزب والسياسة. عزيزي هاشم أنتم تمنحون المفردات والتعابير الجمال فتغنينا بمفردات حميد وتذوقناها - تف يا دنيا تف - ما تنسي النعال نقريط الحمار، وها نحن تنذوق ونتغنى بمشاتر والحربوية وحقة مبارك - وداير يسف - وداير يتُف وصوتو ماع والحقة وقعت وبزاغو رشرش ويا مطيليق ولازي كرشو ولعنة الأبو. وهذا واقعنا الذي يمثل جمالنا وإن في القبح جمالا وإن في روائعك يا هاشم جمالاً. ولنا لقاء.